أكتب هذا المقال لسببين:

أولاً طلب الصديق أحمد زيدان توضيح حول نموذج مجلس الأمن القومي التركي لكوننا في مصر مقبلين على دور مشابه لجيشنا.

ثانياً ضرورة فهم جزئية هامة من جزئيات حكم و إدارة تركيا في إضافة لسلسلة مقالاتي التي أتصور أنها ستكون مفيدة للمهتمين بالشأن التركي.

..

ما قبل المجلس: (1923/1960)

————————————-

منذ إعلان قيام الجمهورية التركية برئاسة الماريشال مصطفى كمال و البلاد تدور في نقطتين أساسيتين تخصان الجيش:

*1* الجيش لا يتدخل بالمرة سواء بالرأي أو المشاركة في السياسة ، هذا مبدأ كمالي من مبادئ الحكم الأتاتوركي (1938/1923).

*2* الجيش هو الضامن الوحيد لوحدة البلاد و إستقرارها عبر فرض سلطة الدولة على كل مناطق التوتر الانفصالي الكردي و بالتالي يُعد أمينا على الجمهورية .

بين النقطتين دارت السياسة الجمهورية و تحددت صفة و دور الجيش التركي منذ إعلان الجمهورية في 29 أكتوبر بالعام 1923 ، كان الماريشال فوزي قاشماق هو قائد الاركان العامة منذ الخامس من أغسطس عام 1921 إبان معركة السخاريا و حافظ على المنصب مع إعلان الجمهورية و حتى بعد وفاة مصطفى كمال اتاتورم عام 1938 ليبقى بالمنصب حتى 12 يناير 1944 حين تقاعد لظروف المرض و تولى كاظم أورباي حتي 30 يوليو 1946 لأيتولى صالح أومرتاك إلى 8 يونيو 1949 ثم نافذ جورمان حتى 6 يونيو 1950 و كانت تلك الفترة السابقة كلها تسير على مبادئ هامة هي:

-1- فصل الجيش عن السياسة بمعنى عدم حقه بالتدخل مطلقاً بها و عدم تبعية الجيش للقيادة السياسية و إدارة الجيش بمجلس عسكري خاص.

-2- الحفاظ على التنسيق دون التداخل بين السلطة العسكرية و الأخرى السياسية.

 

تأسيس المجلس 1960 و مرحلة إنقلاب 1980:

———————————————————

في 22 مايو 1950 وصل الحزب الديموقراطي للسلطة برئاسة الدولة لجلال بايار ضابط حرب الاسلاتقلال و رئيس الوزراء السابق و رئاسة الوزراء لعدنان مندريس و من هناك بدأت المشكلات تظهر فبإختصار حاول كلا الطرفين الجيش و الحكومة الدوران حول مبدأ فصل الجيش عن السياسة و حاول كليهما إبتلاع الآخر و السيطرة عليه و تشابك هذا مع إضطرابات سياسية و إقتصادية دفعت البلاد لمنحنى خطير أدى لإستقالة الجنرال جورسيل قائد الجيش و إعتكافه بقريته و هنا بدأت مجموعات شابة بالجيش بالتخطيط للإنقلاب و عرضته قبل القيام به بيوم واحد على جورسيل الذي وافق و تم التنفيذ لتتم العملية وسط اعتقال الرئيس و رئيس الوزراء و قائد الجيش و غيرهم و هنا تقرر تأسيس مجلس يتم تثبيته بالدستور بحيث يكون وسيلة مراقبة الجيش للحياة السياسية و قد تم تأسيسه عام 1960 و ترسيخه بالدستور عام 1961 ليكون مشرفاً على الحياة السياسية كاملة ، في العام 1980 و مع إنقلاب الجنرال كنعان إيفرين تم رفع مستوى المجلس ليكون صاحب القرار الحاسم و المرجعية الأساسية بالحكم عبر تمدد سلطاته و قوته و أعضاؤه العسكريين على حساب المدنيين و على حساب سلطات الوزارة و الرئاسة و مؤسسات الدولة المدنية و على حد التعبير الشائع بالتسعينيات: تركيا دولة عسكرية .

 

مرحلة ما بعد إنقلاب 1997:

———————————–

مع تشكيل نجم الدين أربكان حكومته الائتلافية بصعوبة عام 1996 توترت المؤسسة العسكرية و نفذ الجيش انقلاب هادئ أجبر أربكان على الاستقالة بفعل ضغوط مجلس الامن القومي لتبدأ مرحلة تاريخية منذ اجتماع الجلس الاوروبي في هلسنكي الفنلندية عام 1999 حيث بدأت حكومات تركيا من عهد بولنت اجافيد الى اليوم في تقليص قوة الجيش السياسية و التي تركز أسبابها في الاتي:

-1- انتهاء الحرب الباردة و تقلص الدعم الغربي لتدخل الجيش بالسياسة.

-2- الاضطرابات الاقتصادية التي دفعت الشعب للمطالبة بوقف التدخل للإستقرار السياسي و الاقتصادي و الديموقراطية.

-3- وضع شرط تقليص نفوذ الجيشض صراحةً كشرط لإنضمام تركيا للإتحاد الوروبي.

-4- ظهور وجهة نظر بالجيش التركي تؤيد تلك الأفكار عى إعتبار أن الأمر بات مضر بالصالح الخاص بالجيش و الصالح القومي التركي.

مع العام 2003 و في 23 يوليو تم تمرير حزمة الاصلاحات السبعة و التي قلصت بوضوح دور الجيش بالسياسة عبر مجلس الامن القومي بواسطة:

-1- رفع عدد المدنيين بالمجلس على حساب العسكريين و حق مدني في تولي رئاسته.

-2- اعتبار المجلس ذي صفة استشارية و ليس له الوضع التنفيذي.

-3- الغاء حق الولوج لمؤسسات الدولة المدنية المختلفة.

-4- الغاء الوجود الممثل للمجلس في مؤسسات الدولة الرقابية و الاعلامية.

-5- قصر سلطات المجلس على رفع التوصيات و تحويل القدرة التنفيذية للحكومة و الرئيس.

*إلى اليوم مازال المجلس يمارس نفوذا بالدولة عبر العديد من الوسائل غير المباشرة و البيانات العامة و التقارير الرسمية حسب المفوضية الأوروبية و مع تقلص قدرة الجيش و نفوذه السياسي مازال الوضع غير مرضي عنه أوروبياً.