يحرص الكثير من المستهلكين على اقتناء المنتجات ذات الماركات التجارية المتميزة التي لها شهرة واسعة، لأنهم يعتقدون بأنها المنتجات الأفضل في الأداء أو في الجودة أو في المستوى أو … وقسم آخر من المستهلكين يحرصون على شراء هذه المنتجات لتعزيز دوافع نفسية واجتماعية لديهم، كأن يكون هدفهم هو أن يبينوا بأن ذوقهم رفيع وأنهم أناس متميزون على أقرانهم (سواءً في الملبس أو المسكن أو المركب أو المأكل والمشرب- فالبعض يحب التميز، ولهذا نراه حريص على اقتناء الماركات التجارية المميزة، وبالخصوص تلك التي تكون مشاهدة من الغير، والتي لا يستطيع أن يقتنيها –كما يعتقد- كل من هب ودب!

ولو سئلنا بعض هؤلاء الحريصين على امتلاك هذه الماركات التجارية (ذات السعر الباهظ عادة) عن سبب ذلك، فإنهم قد يجيبوك بأنها منتجات عالية الجودة، ولهذا هي تستحق سعراً أعلى من غيرها من المنتجات المنافسة، وبالتالي نراهم على استعداد للدفع كثيراً مقابل الحصول عليها، لأنهم يعتقدون بأن الفارق بينها وبين المنتجات المنافسة لها كبيراً جداً.

ما أود قوله هنا: بأن هذا الأمر قد لا يكون صحيحاً دائماً، فشهرة وتميز الماركة التجارية أو ارتفاع سعرها، ليس دليلاً لكونها متميزة في الجودة على أقرانها من الماركات المنافسة لها، فهي قد تكون في بعض الأحيان بنفس مستوى الجودة أو أقل بعض الشيء، ومع ذلك يكون سعرها أعلى.

وكذلك الأمر بالنسبة للتكاليف فإن ارتفاع الأسعار لا يعني ولا يدل بأن تكاليف تصنيع المنتجات أو تقديمها مرتفعة، ولهذا نفهم لماذا ينصح خبراء الإدارة والتسويق الشركات بعدم ربط منتجاتها بأنها تمتلك السعر الأقل والجودة الأعلى، لأن هذا الإدعاء يصعب تصديقه من قبل المستهلكين.

إن مما لا يعرفه الكثير من المستهلكين، أن كثيراً من الشركات ترفع أسعار منتجاتها لتخلق صورة ذهنية متميزة عنها، باعتبارها المنتجات الأعلى جودةً أو أداءً أو … من المنتجات المنافسة الأخرى ذات السعر الأقل، لأن من الصعوبة إقناع المستهلكين بأن المنتج أقل سعراً وأعلى جودة كما ذكرنا آنفاً، ولهذا قد يكون السعر المرتفع نتيجة لسياسات تسويقية تقوم بها الشركات للوصول لأهداف إستراتيجية تستهدفها ، وليس بسبب الجودة العالية أو ارتفاع التكاليف.

يقول البروفيسور فيلب كوتلر: يمكن أن توجد دائماً شركات متخصصة في عمل أحسن نسخة معدلة للمنتج وفرض سعر عال لتغطية تكلفته العالية. السلع التي تسمى سلع رفاهية Luxury goods تدعى بأنها ذات جودة أفضل وتصنيع أفضل، وعمرها أطول وأسلوبها أفضل. أمثلة لذلك سيارات المرسيدس ومعدات الكتابة التي تنتجها شركة مونت بلانك Mont Blank وملبوسات جوتشي Gucci. ليس المنتج رائعاً في حد ذاته فقط، وإنما تكسب المشتري مكانة اجتماعية أيضاً. وغالباً ما يفوق السعر الارتفاع الحقيقي في الجودة .

إذاً، ليس بالضرورة أن يكون السعر المرتفع للماركة التجارية دليلاً على أن المنتج أعلى جودة أو أكثر تكلفة في الإنتاج من غيره، بل أستطيع أن أؤكد بأن الكثير من المنتجات غير الشهيرة أو الأقل شهرة لا تقل جودة عن بعض المنتجات المتفوقة عليها تنافسياً (في الحصة السوقية)، فالمسألة تكون أحياناً بسبب السياسات التسعيرية التي تقوم بها بعض الشركات لخلق صورة ذهنية متميزة عن منتجاتها.

وقد يشكك البعض من المستهلكين في كلامنا هذا، ويظن بأن كل صورة ذهنية هي في التصور كما هي في الواقع، ولكن هذا غير صحيح، فالكثير منا يعرف الصورة الذهنية للأسد، بأنه ذلك البطل القوي الشجاع، الذي يلقب بـ ((ملك الغابة))، مع أن الأسد في واقعه الفعلي كسول وقليل الحركة لدرجة أنه يعتمد على اللبؤة (الأنثى) في حياته، وهذا ما لا يعرفه الكثير من الناس بسبب الصورة الذهنية المنتشرة عن الأسد، ومع ذلك نرى أن هذا مروج له حتى من قبل من يعرفه وكأنه واقع فعلاً.

ولهذا نجد في بيئة الأعمال الاهتمام الكبير بـ مفهوم الجودة المدركة، فهو يدرس بكل عناية في العلوم الإدارية، لأن هناك اختلاف كبير بين مفهوم الجودة الفعلية ومفهوم الجودة المدركة، فقد تكون المنتجات ذات جودة فعلية (في خصائصها ومكوناتها ووظائفها)، ولكن المستهلكين لا يدركون هذه الجودة، مما يؤدي لفشلها، لأن الأهم في بيئة الأعمال هي الجودة المدركة التي يدركها المستهلكين المستهدفين.

وهناك مصطلح آخر أيضاً يستخدم بكثرة في العلوم الإدارية وهو مصطلح القيمة المضافة، فهو من المصطلحات التي تركز عليها بعض الشركات لخلق قيمة إضافية لمنتجاتها، غير التكاليف التي صرفت عليها، وهذا ما يجعل الكثير من الشركات تتبع سياسة رفع أسعار منتجاتها.

كما أن التمييز بين أنواع المنتجات، يساعدنا على التحكم نوعاً ما في طريقة اختيارنا للمنتج الصحيح، ففي العلوم الإدارية، هناك تمييز بين المنتجات الاستهلاكية، فهناك سلع ميسرة وهناك سلع تسوق، بالإضافة إلى غيرها من التصنيفات الأخرى ولكن ما يهمنا هنا، هو معرفة الفرق بين كلا النوعين من السلع، وذلك حتى نستفيد من معرفة سلوكنا الشرائي (الاستهلاكي).

• السلع الميسرة: هي السلع التي لا يحتاج المستهلك لبذل جهود كبيرة لشرائها، لأنه عادةً ما يشتريها دون تفكير كبير، لأنها سلع متوفرة، ورخيصة الثمن، ويتم تكرار شراءها باستمرار، ومن الأمثلة على هذه السلع: الخبز، الشاي، السكر، الصابون، الصحف والمجلات … إلخ

• سلع التسوق: وهي السلع التي يبذل المستهلك لشرائها جهوداً كبيرة، لأن قرار الشراء فيها أصعب من قرار الشراء في السلع الميسرة، لأنها أغلى ثمناً، ولا يتكرر شراءها باستمرار، فالمستهلك يحتاج لأن يقارن بين البدائل المطروحة (من حيث السعر والجودة والعلامة التجارية) قبل أن يقدم على الشراء، ومن الأمثلة على هذه السلع: السيارات، والأجهزة كالثلاجات والغسالات والمكيفات … إلخ.

إن المشكلة التي أصبحنا نعاني منها في سلوكنا الشرائي، هي أن بعضنا لا يفرق بين السلع الميسرة وسلع التسوق، فنراه يتعامل في كل ما يشتريه بطريقة متناسبة أكثر مع الطريقة التي يتم بها شراء سلع التسوق، وقد لا يكون ملاماً في حرصه على شراء الماركات التجارية الشهيرة في سلع التسوق، وذلك لأنها غالية الثمن ولا يتم تكرار شرائها باستمرار( فيها مخاطرة عالية)، ولكنه في السلع الميسرة يكون حرصه وسلوكه هذا غير مقبول، لأنها سلع رخيصة الثمن، ويتكرر شراءها باستمرار (المخاطرة فيها منخفضة).

فلماذا الحرص على شراء ماركة تجارية معينة في سلع رخيصة الثمن مع أنه يتم تكرار شراءها باستمرار؟ وما الداعي لذلك، إذا كان الماركة التي يشتريها أعلى ثمناً نسبياً من غيرها، ومع ذلك يحرص على شرائها وهو لم يجرب غيرها من المنتجات المنافسة؟ ولماذا لا يقوم بتجربة المنتجات الأخرى ومن ثم يقوم باختيار الأنسب منها (من ناحية السعر والجودة)؟ نقول ذلك، لأن هذا النوع من المنتجات سهل الشراء ولا يحتوي على مخاطرة كبيرة في قرار الشراء كما هو الحال في سلع التسوق.

إن البعض يتعامل مع قرار الشراء باعتباره قراراً صعباً ومعقداً في كل الحالات، ولهذا يحرص دائماً على شراء الماركات الشهيرة، فهو يشتري السلع الميسرة بنفس الطريقة والأسلوب الذي يشتري به سلع التسوق .. تخيل بعضهم يشتري الأحذية أو حتى الصابون والشامبو بنفس الطريقة التي يشتري بها السيارة والأجهزة، وهذا أمر غير منطقي خصوصاً لذوي الدخل المحدود.

مثال للتوضيح:

لو كان هناك مثلاً منتجين كالشامبو، الأول: بسعر 10 ريال والثاني بسعر 22 ريال، ولهم خصائص وتركيبة متشابهه ونفس الكمية، فما المانع من تجربة المنتج الأول حتى وإن كنا من معتادين على شراء المنتج الثاني؟ فربما نعجب به أيضاً، وهذا ما سيجعلنا نوفر الكثير من الأموال في المستقبل، وذلك لأن هذا النوع من السلع يتكرر شرائه باستمرار، كما أن المخاطرة فيه ليست كبيرة، فلا وجود لخسائر كبيرة في المال من وراء هذه التجربة، فإذا لم يعجبنا المنتج لن نقوم بشرائه ثانيةً، وهذا لن يضرنا كثيراً، ولهذا ننصح بالتجربة في السلع الميسرة (قليلة الثمن)، لأن هذا قد يوفر علينا مصاريف كبيرة فيما لو أعجبنا بمنتج أرخص.

توصيات أخيرة:

ينبغي أن نكون واعين في هذه المسألة أكثر، فتميز شكل المنتج (عبوته- حجمه، غلافه، لونه) ليست مؤشراً على جودة المنتج نفسه، وإنما هذا دليل على تميز عبوته وشكله وتصميمه.

كما يجب أن نعلم أيضاً بأن السعر المرتفع للمنتج، ليس دليلاً على أنه مرتبط بالجودة العالية أو بتكلفة الصنع المرتفعة، بل ربما يكون ذلك بسبب سياسات تسعيرية تتبناها الشركات لتوحي بهذا الأمر في أذهان المستهلكين.

وكذلك، فإن مكان عرض المنتج وطريقة البيع ولباقة رجل البيع، كلها أيضاً ليست دليلاً كافياً على الجودة العالية للمنتج، وإنما يدل ذلك على التميز في العرض والمكان وأسلوب البيع.

ونفس الشيء بالنسبة للحملات والأنشطة الترويجية التي تقوم بها الشركات، فإنها كذلك ليست دليلاً ومؤشراً لقياس التميز الفعلي في منتجها على المنتجات المنافسة لها في التركيبة أو في الخصائص والمكونات، وإنما قد يكون ذلك نتيجة لتميز في الجهود الترويجية المبذولة فقط.

طبعاً، نحن لا ننكر بأن هناك شركات متميزة من ناحية الجودة ومتميزة أيضاً من ناحية استخدام عناصر المزيج التسويقي (في المنتج والسعر والمكان والترويج)، ولكن هذا ليس موجوداً دائماً وفي كل الشركات. ولهذا نحتاج للاعتماد على خصائص ومواصفات المنتج الفعلية، لا على شكله وتصميمه أو على سعره أو مكانه وطريقة عرضه أو على إعلاناته وطريقة ترويجه.