أتوجه في البدء إلى أصدقائنا المتدينين الذين يبشرون بسماحة دينهم و استيعابه جميع الضالين لأن الله كائن رحيم، فإذا كان الله رحيم كبير القلب، فعلى المؤمنين به الصبر على جميع المتمردين الباحثين عن التفكير من خلال ذاتهم، و إذا كان هذا الإله القوي القادر على هداية من يشاء فمعنى ذلك ان لديه حكمة في ايجاد أفرادا لا يؤمنون به، فعلى المؤمنين السكوت و الرضوخ لمشيئة الههم العارف في الغيب.

فمما يخشى المؤمنون الساكنون في أحضان الله الواسعة كل ما هو خارج عن اطارهم الديني؟

أعتقد ان ما يثير حقد بعض المتدينين هو امكانية الملحدين بالتجول بحرية واسعة في أطياف الإله، الكون و الحرية معا، فالعبد لا يرغب إلا برؤية الجميع عبيدا، فهو حاسد دائم للحرية و الحياة، ينظر بعين حاقدة إلى كل من يستطيع كسر القيد، فهو يحلم بالحرية إلا انه لا يدركها، فإدراكه عاجز عن تجاوز الكلمات و العبارات المنسوخة في كتابه المقدس، عاجز عن إدراك مشاعره و أحلامه، فالإدراك يتم دائماً من خلال الإحساس الذي بدوره يقوم بعمل ترجمي يحول الطاقة الداخلية إلى اداء.

نجد ان الإدراك بحد ذاته، عبارة عن عملية بناءة و ابداعية، الشيئ الذي يفتقده المؤمنون، فهم لا يملكون المفاتيح لخوض هذه التجربة الابداعية، ليستسلموا إلى عبارات و كلمات سجلت في زمن مضى، لا أعتقد ان المشكلة في الايمان نفسه بل هي في نفوسهم الراضية بكل ما يملى عليهم، فهم يفتقدون إلى ترجمة الأحداث بمنطق علمي سليم.

كثيراً ما نتساءل عن أسباب تشنج أفراد بعض المجتمعات إزاء الأفكار الجديدة، و بالأخص المجتمعات الدينية، لنرى ان وراء هذا التعنت، حالة مرضية مزمنة منبثقة من المعتقد و الإله نفسه الذي يؤمنون به، فهو ذلك الثابت و المطلق للكمال على حد تعبير اخواننا المؤمنين الذين لا ينفكون عن التشدق به ليكيلوا له جميع الفضائل و المدائح.

فهل حقا هو ذلك الإله العظيم الجبار القادر على كل شيئ و القادر على نصرة من يعتقد به؟ دعونا أولا ً، نتمعن به و ننظر له نظرة حيادية، فنراه مصابا بعقد نفسية إنسانية، منها السادية و التشنج و حب العظمة و الغرور…فكما نرى من ضمن أسمائه الحسنى (الله، المهيمن، الجبار، المتكبر، القهار، المذل، المنتقم،المتعالي…)، وإذا أردنا سرد أمراضه فلن ننتهي من عدها لأيام عديدة، و إذا تساءلنا عن أصل اصابته بكل هذه العاهات، نجد ان هذه الأمراض المزمنة المتواجدة لديه، ما هي إلا نتيجة الصراعات البشرية و رغبة جماعة ما في السيطرة على أخرى، والبحث الإنساني عن فكرة الكمال و المعرفة.

من الطبيعي أن يشعر الإنسان السابق بعجزه عن فهم أمور كثيرة لم نعد الآن عاجزين عن فهمها و استيعابها، اذاًَ لماذا نجد هذا التشبث بهذه القيم و الأخلاق التي لم تعد تنفعنا، بل أصبحت هذه  القيم  قيما متسمة ببشاعة أخلاقياتها القائمة على التمييز الديني و العنصري و الجنسي ولا ننسى أيضاً التمييز النوعي الذي نحن الآن بصدد اضفاء قيم تتجاوز الكائن الإنساني لتشمل الحيوانات و الكائنات الحية جميعها.

أعود قليلا إلى مرض الإله المزمن العاشق للدمار و المنافق المنتحل صفة الصدق و العطاء، نرى ان مرضه هو مرض الكتل الجماعية التي تبحث للسيطرة من خلال جميع وسائل القمع الوحشي، فمن خصائص هذا المرض الإلهي_الجماعي هو الاصرار على رؤية واحدة و من زاوية ضيقة، فإدراكه الصغير عاجز عن رؤية أو سماع ما يقوله الآخرون من أفكار و آراء، فهو شديد الغضب و العنف، يحلل دماء كل من يتجرأ على نقضه  أو محاولة التفكير خارج اطار ثقافته و دينه، فأين هو من ذلك الرحيم، الرؤوف الوديع، المحب للجميع؟ أو لا ترون معي ان كيانه قائم على تفريغنا من عقولنا و شل قدرتنا العقلية.

و إذا كنت مخطئة في حكمي عليه لجهلي الشديد بمضمونه، أليس بالأحرى على المتدينين، التمثل بإلههم الغفور و عدم شن هجومهم على كل من يخالفهم الرأي للانتقام و الدفاع عن إله، من المفروض انه قادر على حماية نفسه، او ليس عدم اتكالهم عليه، هو التشكيك بمقدرته و عدم الإيمان بعظمته القادرة على تغيير من يريد أو شل كل نفس تجرؤ على التشكيك أو التنكيل به؟

أعتقد ان المؤمنون يعلمون في أعماقهم انهم غير قادرين على الاتكال على إله هش و ضعيف عاجز عن لمس ذبابة صغيرة، فهم في صراع نفسي دائم ما بين العقل و الخرافة، ما بين العلم و الجهل، لكنهم و لرغبتهم بالانتماء إلى وعاء جماعي، يبدؤوا ببناء ذلك الجدار الرباني فيغرسوه في أعماقهم، كي يشكل لديهم هوة عميقة في لاوعيهم فتحدد مسارهم  المليء بالتعاسة و الحقد و الخرافة في آن واحد، ها هم عاجزون عن المصالحة مع الرغبات و النزوات الداخلية ليبتروها ظاهريا و يمارسوها خفية بشكل مرضي، لأنهم غير قادرين على السيطرة على كل حاجاتهم البيولوجية)، و كما عبر “فيلهم ريتش” عن آلية التدين التي يعتمد عليها الأفراد و الجماعات كطرق للاستنتاج الناتجة عن عدم معرفتهم و خبرتهم في الحياة، أما ما ينتج عند انهيار هذه الآلية التي تؤدي إلى فتح مسالك متنوعة لاستكشاف الحياة، لأن الحياة و الحرية شيئاً واحداً و لا نستطيع لمسها إلا بعد محاولات عديدة لمحاولة فهمها بطريقة عقلانية و منطقية.

دعونا نتساءل عن آلية برمجة أدمغتنا التي يتبناها رجال الدين و السلطة و الجماعة، فنجد ان مواقعنا و صحفنا (المبجلة) الناشرة و الباحثة في كل شيء عدا الثقافة و الفكر، لا تنفك في غسل عقول قارئيها اما عن طريق بث السموم الدينية السرطانية، أو نشر تفاهاتها المعهودة، و ما يثير السخرية أكثر هو استفسارهم الدائم عن عجز الشعوب العربية بمواكبة التطور و الإبداع، و كأن التطور ناتج عن ثقافة الثابت و الكمال الالهي، لقد أصبحت سياسة الاستبداد الالهي أو السياسي أو الاجتماعي مرتبطين بشكل موثق، و لا يمكننا المطالبة بأية حرية من غير المطالبة بحرية الفرد ان كان فكريا أو ثقافيا، لهذا يجب علينا أن نتوجه نحو الفردية و تحرير الإنسان من كل القيود التي تكبل عطائه الابداعي، علينا الاتجاه نحو الأخلاق النابعة من الذات و الحد من الأخلاق الإجبارية، لأنها تحد من امكانية السفر في كل الأحياء لنستقي أخلاقنا من كل كائن حي.

علينا اليوم أن ننفض غبار الخوف المتجذر في أعماقنا، من خلال رفض أية سلطة تحاول تقييد الفرد للابقاء عليه عبداً و ذليلاً، فلا أخلاق ترتجى من الإنسان الفاقد لإنسانيته و المتقوقع في دائرته الدينية أو العرقية أو الجنسية، وإذا كنا جميعا ملحدون و مؤمنون نسعى إلى درء الاضطهاد، علينا التمرد على كل أنواعه، فلا حرية من غير الاعتماد على التحليل الذاتي و استنتاج الأحكام من خلال الفرد نفسه، علينا أن نؤمن بأنفسنا أولاً و من ثم الغوص في أعماقنا البشرية لنعثر على الأنا الصغيرة المتقمصة بالإله.

لا يسعني الآن إلا أن أقول ان شعوبنا العربية ستبقى راضخة للذل و الاستبداد ما دامت لا تملك إلا الإله، فهي تعزي نفسها على انها صاحبة الأديان السماوية و ان الإله خصها تحديداً و اختارها كي تنام بجانبه نومة أبدية.