مناطق الشعب الكردي بالعام 1992

إن البشرية حددت لنفسها ثلاثة أُطر للعمل الجماعي فهناك الإطار الوطني الخاص بالعمل الجماعي في إطار حدود الدولة دون الإرتباط بالجماعات الأخرى في إطار وحدتها فيكون الأمر وطنياً خالصاً كمصر في العهد الليبرالي حين سيطرت عليها فكرة الحالة الوطنية المصرية الخالصة تحت إسم المة المصرية..

كذلك هناك العمل الجماعي الأممي الديني فيكون في إطار الوحدة البشرية لأصحاب الدين أو المذهب الواحد و لا يتقيد بحدود للدولة فيكون الأمر دينياً خالصاً كالفكرة المتبناة من خلال العاملين بالإسلام السياسي تحت مسمى الخلافة و الأممية الإسلامية الجامعة..

و أخيراً العمل القومي في إطار الجماعة القومية بحيث لا تتقيد بحدود دولة لكن ترتبط بالإنسان نفسه المنتمي الى قومية عرقية محددة أو ثقافية مشتركة فتكون رؤية قومية للعمل الجماعي كالفكرة القومية العربية و الفكرة القومية التركية (الطورانية و ليست الأناضولية الأتاتوركية) و القومية الكردية و هذا موضوعنا اليوم..

..

من هم؟

——–

الأكرد جماعة عرقية مثل العرب و الأمازيغ و الأتراك و غيرهم من ساكني المناطق التاريخية بالقوقاز و جبال زاجروس و طوروس فيما يعرف بكردستان التاريخية ، يتكلم الأكراد اللغة الكردية و هي لغة هندو/أوروبية يتحدث بها اليوم ما لا يقل عن 30 مليون من أبناء الشعب الكردي الكبير في العراق و سوريا و إيران و القوقاز و تاريخياً تُسجل الكردية منذ القرن الثالث عشر لكن بالتأكيد اللغة ضاربة في التاريخ قبل هذا بفعل كلماتها المؤثرة على اللغات الخاصة بالشعوب المجاورة و على رأسها العربية و الأرمنية مما يجعل التأكيد على كونها أقدم من القرن الثالث عشر حقيقي مع كون اللغة فعلياً من المجموعة القديمة المنتمية لمراحل قبل الميلاد مما يؤصل الجانب الثقافي الكردي و يربطه بكردستان التاريخية ، كان مصطلح الأكراد بصورة عامة و في الثقافة الفارسية و العربية الإسلامية يشير لمعنى القبائل الدوية الرعوية و هو ما يتفق مع تاريخ و جغرافية الحياة و الوطن الكردي بمناطق الرعاة الأساسية و الجبال ، الثقافة الكردية متنوعة لكن ذات أصول موحدة فهناك رؤية فنية سواء موسيقية او للرقص الكردي أو الملابس و العادات و التقاليد كلها موحدة مع تنوع بحكم الوجود داخل دول ذات ثقافات أخرى فهناك مثلاً لأكراد إبران تنوع مختلف عن تنوع أكراد العرب السوريين لكن تظل قيم موحدة لديهم في إطار الكردية العامة مع وجود أعياد موحدة على رأسها النوروز الكردي بالعام الكردي الجديد ، الدين بالشعب الكردي شبه موحد فأغلبيتهم مسلمون سنة من المذهب الشافعي و مجموعات قليلة من الأكراد الشيعة و العلويين أغلبهم بإيران و تركيا و مما سبق نستنتج التالي:

*هناك تكامل (عرقي/ثقافي/جغرافي)  للأكراد يؤهل أصحابه لحق القيام بالفكرة القومية في إطار كردي كامل بحيث لا مجال للتشكيك في بنية أي رؤية كردية توحدية في إطار دولة مقترحة.

*تتوازي القيمة الثقافية و العرقية و التاريخية مع القيمة التركية و العربية المكونان لحقوق القومية العربية و التركية الكبيرة و هما عماد دول عربية و تركية حالية بحيث لا يجوز رفض الحق الكردي إلا بقدر ما يجوز رفض الحق القومي العربي أو التركي.

*تعد مؤهلات أي دولة ناشئة و أي جماعة عرقية قومية و أي ثقافة

التاريخ:

———-

دولة كردستان في عهد الإسكندر الأكبر

هذه الصورة توضح كردستان التاريخية في العهد القديم إبان غزوات الإسكندر الكبر 400 عام ق.م ، من هنا ننطلق للقول بأن الأرض الكردية شهدت كأي أرض في التاريخ حملات عسكرية كبرى في عصور الصعود الإمبراطوري للدول الكبرى مثل الإمبراطورية الفارسية و الإمبراطورية الرومانية و الدولة الإسلامية الجديدة فكانت هذه الأرض (بشعبها) محط غزوات عديدة من الدول الناشئة المتوسعة و لكن مع العصر الأوسط كانت المنطقة الكردية محكومة بصورة ذاتية عبر سلالات كردية أهمها:

الشداديون (1199/955) و التي أسسها محمد بن شداد و حكموا أجزاء من أرمينيا و أذربيجان.

الرواديد (1071/955) و التي أسسها محمد بن حسين و حكموا أجزاء واسعة من أذربيجان كتبريز و مراغة.

الحسوانيون (1015/959) و التي أسسها حسناوي بن حسين و حكمت غرب إيران و شمال العراق.

المروانيون (1084/990) و التي أسسها أبو علي بن مروان و حكمت شمال سورا و جنوب الناضول.

هنا نجد أن الحكم التاريخي للأكراد متوافر في إطار عشائرهم تماماً الحكم التاريخي للعرب و الأتراك المتوافر و الذي على أساسه نرى أساس سياست/تاريخي للقومية التركية الكبيرة (و ليست الأناضولية الأتاتوركية) و القومية العربية فالتحجج بإنعدام التاريخ السياسي هو شأن غير صحيح ، بمرور الوقت ظلت المناطق الكردية متوزعة بين الحكم الذاتي و إدارة السلالات و العشائر في إطار شكلي لدولة الخلافة العباسية و ظهر منهم من أسس دول كبرى مثل صلاح الدين الأيوبي الكردي و مؤسس الدولة الأيوبية في مصر و الشام و العراق و الأناضول و المغرب العربي لكن بمرور الوقت ظهرت دولة ناشئة جديدة عُرفت بإسم الدولة العثمانية ضمت أغلب مناطق الكُرد و عقب معركة تاريخية تُسمى جالديران تم تقسيم مناطق الشعب الكردي في معاهدة قصر شيرين العام 1639 في عهد السلطان مراد الرابع (1640/1623) و الشاة صافي ملك فارس (1642/1629) لتستمر الأحوال حتى العام 1918.

 

معاهدة سيفر

في العام 1918 إستسلمت الدولة العثمانية بالحرب العالمية الأولى لتجتاح القوات الإنجليزية و الفرنسية و اليونانية و الإيطالية و ميليشيات الأرمن أراضيها و تبدأ إتفاقيات عديدة في التطبيق أهمها سايكس بيكو لتقسيم الشام و العراق ثم إتفاقية سانت جان دي مورين لتقسيم تركيا نفسها و لما تم الإختلاف حول المعاهدة الأخيرة تم عقد إتفاق نهائي هول تقسيم المناطق عرف بإسم معاهدة سيفر في العاشر من أغسطس بالعام 1920 و فيه تم الإتفاق على تقسيم تركيا الحالية بين المنتصرين و كان للأكراد نصيب حيث أعطت المواد 62 و 63 و 64 من القسم الثالث بالمعاهدة إعتراف بحق ذاتي لهم بالحكم في أراضيهم بتركيا و العراق و الشام يتحول في سنة الى حكم حقيقي في هيئة دولة و ألزمت المادة 63 دولة السلطنة العثمانية لكن في نفس العام قاد الجنرال مصطفى كمال حرب متعددة الجبهات (شاركت عشائر الأكراد في القتال بإعتباره جهاد) إنتهت بالعام 1922 بتحرير الأراضي المحتلة و طرد فرق القوات الأوروبية و الأرمنية من تركيا لتنشأ دولة جديدة بالعام 1923 هي جمهورية تركيا و ضمت حدود واسعة أنقذت الأتراك لكن قضت تماماً على آمال الدولة الكردية لكون الحدود قد توزعت بين تركيا 1923و العراق 1925و سوريا 1922 لتنشأ الأزمة الحالية المعروفة بإسم شتات الأكراد.

تركيا كما أرادها مصطفى كمال اتاتورك في لوزان بالعام 1923

كُرد تركيا:

فرضت الفكرة القومية التركية الجديدة المعتمدة على الأناضولية (و ليست الطورانية التي رفضها كمال أتاتورك كمنهج لتركيا) عدة إجراءات صارمة تثمل إحلال الثقافة و اللغة و الأفكار التركية الغربية الحديثة محل الرؤية الكردية التقليدية مما ادى لإنتفاضات عدة اهمها إنتفاضة سعيد بيران (فبراير 1925/مارس1925) و إرتبطت بحملة قمع وحشية وصلت لحد القتل الجماعي في مواجهة تهديد بتجزئة تركيا مع تخريب للحقول و المياة كعقاب على التمرد ، كذلك جمهورية أرارات بقيادة إحسان نوري باشا من (1930/1927) و التي إنتهت بتدميرها تماماً ، كذلك تمرد درسيم بقيادة سيد رضا و إنتهى بالقضاء عليه نهائياً.

تتمثل مشكلة الأكراد في تركيا في إنعدام الثقة المتبادل بينهم و بين الحكومة و إهدار الحقوق الثقافية و الفكرية و محاولة إذابة هويتهم داخل الدولة مما أدى لنشأة حزب العمال الكردستاني في 27 نوفمبر بالعام 1978 و الذي إنتهج العنف و مازال الى اليوم الأمر مشتعلاً و لعلي ألخص المشكلة في تقرير اللجنة الوروبية لمناهضة العنصرية التي وصفت الكراد بأنهم سود أمريكا و أكدت كذلك عمليات التمييز في التجمع و التعبير و التجمع بشكل يحد من حقوقهم في المواطنة .

كُرد سوريا:

تتشارك المشكلة الكردية في تركيا مع نظيرتها في سورييا حيث الاهدار الثقافي الكبير و التمييز عن القوميات العربية بل و الطوائف الدينية بحيث يمثل الكراد مشكلة ثقافية مع الدولة التي تنتهج الفكرة القومية العربية و قد أشارت منظمة العفو الدولية لمشكلات حقيقية في التحدث بالكردية و الطباعة و التعليم حيث يزال من كل شئ اللغة و الوصف الكردي و الثقافي العام فلا يمكن القول بوجود حرية ثقافية للأكراد و بطبيعة الحال فالنظام العسكري الجاف يمنع أي نوع من الحرية و بدرجة أكبر يقمع الاكراد ثقافياص و بدنياً في إستمرار لمحو الهوية الكردية و تذويبها في الهوية العربية و منع الجنسية عن مئات الآلاف في سوريا من الأكراد.

كُرد إيران:

مع وصول الحكم الارهابي للخوميني أعلن الأخير الحرب (الجهادية المقدسة ) ضد الأكراد الايرانيين لتهدر حقوقهم و ترتكب في حقهم حسب تقارير العفو الدولية مذابح كبيرة و زاد الطين بلة أن أغلبهم من السنة و بالتالي فالنظام الديني العنصري الشيعي في إيران سحق وجودهم بحكم كونهم من (النواصب) حسب التقديري اخاص للخوميني و باتت المأساة في تزايد طوال عهده في منع شامل لهم من كل الحقوق السياسية القليلة المسموح بها في الدولة ليقود الرئيس الحسن بن أبي صدر حملة عسكرية ضد المدنيين الأكراد بالعام 1980 قتلت العديد من الأبرياء و إستمرت حتى نهاية الخوميني سياسات القمع الديني و العسكري لهم ليقدر عدد القتلى حتى بداية الثمانينيات فقط ب 10 آلاف قتيل كردي ، و الى اليوم تستمر عمليات القمع و التحطيم للمكون الثقافي الكردي في إيران و عمليات القتل و الإلإعدام على الرغم من البدايات المبشرة في عهد محمد خاتمي لكن إنتهت مع مجئ العهد الحالي و تستمر مآسي أكراد إيران البشرية و الثقافية و السياسية.

كُرد العراق:

لست في حاجة للقول أن أكراد العراق مأساة متحركة على الرغم من تميز موقفهم الان فمنذ العام 1921 و الأكراد المتأثرين بمعاهدة سيفر لم يقبلوا بفكرة دولة قومية عربية تطيح بحقوق الدولة الجديدة الكردية فظهرت حركات تمرد مطالبة بالحق المعترف بهد دولياً للأكراد مثل حركة محمود الحفيد 1919 و التي قمعتها إنجلترا و تمرده الثاني بالعام 1922 و التمرد الثالث له بالعام 1930 و حركة مصطفى برازاني 1943 /1945  و حركته الثانية 1961  لتستمر عمليات القمع ضد الحركات الكردية ، مع العام 1968 وصل حزب البعث للحكم لتبدأ صفحة جديدة بالعراق للأكراد حيث حدثت حرب كرد/عراقية بدعم إيراني للأكراد (هنا نلاحظ ألاعيب السياسة) أدت لهزيمة العراق المدعوم من نظام عبد الناصر و توقيع إتفاقية حكم ذاتي في 11 مارس 1970 ضمنت حقوق ثقافية و سياسية للأكراد كانت شبه منتهية مع الخلافات حول تعداد الأكراد العام 1974.

جاءت الحرب العراقية الايرانية لتشهد مذابح بحق الأكراد بتهمة التواطؤ مع إيران ليتم سحق شعب كامل عبر وسائل الدمار الشامل في نموذج بسيط نرى مذبحة حلبجة التي أدت لقتل 15 ألف من الكراد بالغاز السام ثم حملة النفال (1989/1986)  و فيها قتل ما لا يقل عن 150 ألف مدني كردي بيد الجيش العراقي ثم مأساة عمليات إبادة بيد مجاهدي خلق الايرانية للأكراد بتهمة التحالف مع نظام الخوميني عدوهم ليصل الضحايا الى الآلاف ثم الكارثة الكبرى في إنتفاضة الأكراد و الشيعة التي أدت لقتل عشرات الالاف من الكراد ، اليوم يحوز اكراد العراق القدرة على الحكم الذاتي بالشمال مع حقوق سياسية كاملة و قدرات إدارة ذاتية للثروات بعد تضحيات و دماء كالأنهار.

خاتمة:

——–

هذا الموضوع غرضه عرض لمأساة الشعب الكردي السياسية و التي صنعتها الصفقات الدولية و الهوس الديني و الصراعات القومية العربية و التركية ، إن الشعب الكردي يستحق الإتحاد في أرض تمثل دولة له حرة يحمها بنفسة و يديرها في إطار قومي و ثقافي كردي بعيداً عن القوميات و المشكلات السياسية ، لكن مخاوف عديدة (أتفق معها) تتمثل في حتمية وجود عداء كبير بين الدول العربية و تركيا بفعل الخطاء بالماضي من الطرفين قد تؤدي بالإجبار لدولة الكرد للإنخراط في تحالف مع دول عدوة مثل إسرائيل او على الأقل العمل ضد المصالح العربية بحكم أن هذه الدولة فور نشوءها ستكون تلقائياً عدوة لسوريا القومية العربية و إبران المهووسة بالشيعية و تركيا المتزمتة بالقومية الناضولية و العراق الممزق بين الجميع فهنا وجود الدولة سيكون مشابة لدولة جنوب السودان ذات الميول العدائية للشمال و كذلك مخاوف من تكرار أزمات للأقليات بالبلاد العربية دينية أو عرقية لتكرار التجربة الكردية .

إن مخاوف البعض مشروعة و رغبة تركيا و إيران و سوريا و العراق في وحدة الراضي مشروعة لكن كذلك الحق الكردي مشروع و هنا أجد نفسي في حيرة بين الحق البين الذي أراه متجسد تاريخياً و ثقافياً و سياسياً و بين المصالح المشروعة لي كمصري و عربي فالمبدا هنا في مواجهة مع المصلحة و لا أعرف إلى أين قد نسير..

ملحوظة:

أضفت بعض روابط ويكيبيديا التي ربما تفيد القارئ.

روابط ذات صلة:

احتجاجات نيسان 2011: كُرد سوريا يخرجون عن صمتهم (بالڤيديو) بواسطة أحمد زيدان.