مع تصاعد وتيرة الهجوم على ما يسمى بالتطرف أو حتى الإرهاب الإسلامي في العالم العربي، وهو هجوم يطال الدين الإسلامي وحده، بدأت جهات رسمية تروج لفكرة العلمانية باعتبارها المخرج الأكيد من أزمة التطرف الديني. وما نراه اليوم أنه ما من فكرة تعرضت للتشويه، والقذف والكراهية والتحريض مثل العلمانية. وليس غريبا أن يكون الفكر العلماني التنويري عرضة للهجوم من مجموع الإسلاميين المتطرفين الذين يتسابقون للهجرة الى مواقع الفكر الأصولي الإسلامي. وأفضل سلاح يتسلح به مناهضو العلمانية هو تعريفها بما ليس فيها من حيث الخلط بين العلمانية والإلحاد.

لا بد من ان أدخل في تعريف العلمانية و بجزء بسيط: العلمانية Secularism وترجمتها الصحيحة اللادينية أو الدنيوية وهي دعوة الى إقامة الحياة على العالم الوضعي والعقل ومراعاة المصلحة بعيدا عن الدين. وتعني في جانبها السياسي بالذات اللادينية في الحكم أي عزل الدين عن الدولة وحياة المجتمع وإبقاءه حبيسا في ضمير الفرد لا يتجاوز العلاقة بينه وبين ربه. وتفترض العلمانية أن تكون الدولة ملكاً لمجموع الشعب من دون أدنى تمييز بين الأفراد من ناحية الجنس واللون والعرق والدين والطائفة والمذهب. لكن أي فكرة هي أكثر تعقيداً من تطبيقها وأوسع من أي محاولة لتعريفها.

إن العيش المشترك للمواطنين في الدولة العلمانية يقوم على التعاقدية التي هي نتاج الديمقراطية، ومؤسس لها في آن معاً. وبالتالي، فالدولة العلمانية لا يمكن أن تكون إلّا ديمقراطية. بعكس كل الدول الأيديولوجية، سواء أكانت دينية أم دنيوية، تقوم على أيديولوجية دنيوية كالشيوعية والفاشية التي لم تكن دولاً دينية، بل إنها كانت مناهضة للدين وشجعت على الإلحاد، وهذا ما يسقط ذريعة كبيرة لدى مناهضي الفكر العلماني، إذ يقدمون دائما ً النموذج الستاليني-الهتلري على أنه الدولة العلمانية.

بعد تعريفنا للعلمانية، هل تتقبل مجتمعاتنا هذه العلمانية النيرة؟

في بلد مثل تركيا العلمانية، هناك ميل شديد نحو الأسلمة… في انه في بلد مثل ايران حيث تقوم الدولة على أسس إسلامية شيعية صارمة، نرىأن هناك الكثير من القطاعات تنجذب نحو التوجهات العلمانية كشكل احتجاجي على أسس الدولة. إن المبدأ الأساسي المقدس للعلمانية هو تحقيق العدل والمساواة بين المواطنين في الحقوق والواجبات بغض النظر عن دينهم أو قوميتهم. لذا لا يمكن للنظام الديني في الحكم أن يضمن هذا المبدأ. ان الدين لا يمكن ان يحقق المساواة في الحقوق والواجبات بين المواطنين، ببساطة لأن هناك تعداداً كبيرا في المذاهب والأديان، والفوارق بينها حيث يستحيل التوفيق لن أقول بين جميع الأديان والمذاهب، بل بين مذهبين من دين واحد. فإن أي دين يسيطر على السلطة سيلغي حتما حقوقا لأتباع الديانات ومعهم اللادينيين. فالعلمانية، توفق بين جميع الأديان والمذاهب والعقائد بشكل ديناميكي مرن.

هل زمننا  هو في صالح تطبيق العلمانية؟

إن العلمانية حتمية مضاعفة، ولايمكن التخلي عنها تحت أي ظرف. فالعلمانية تهدف الى تجديد المجتمعات ولقيام دولة ديمقراطية مدنية حديثة وعصرية. فإن الإعتماد على السرعة والصبر والهدوءوعدم الإنفعال هي عناصر أساسية في سبيل تأسيس العلمانية.

أخيرايمكن القول ان العلمانية نهجاً لا مثيل له، ونهج لا حدود له يتطور دائما لتصبح العلمانية فكرة الإنسانية الأساس التي تقوم عليها جميع دول العالم.

والسؤال الأهم: العالم العربي بني فطريا على أساس الإسلام الذي تركز في الحكم والمجتمع، فهل سيلتغي الإسلام مع بروز العلمانية؟وهل يمكن للإسلام أن يقبل هذا؟