وصلتني منذ ايام رسالة بريدية من أحد المواقع السلفية ، توقعت في البداية كالعادة أنها ستكون رسالة تهنئة بالثورة ، فمنذ تنحي مبارك عن السلطة و بدأت تسقط أغلب رموز نظامه ، خاصة الفترة الأخيرة توالت رسائل التهنئة من اصدقاء و من تيارات سياسية عديدة ، إلا ان تلك الرسالة مختلفة تمام الإختلاف ، فهي أخذت شكل التحذير الشعب المصري و الشعوب العربية ، أن نجاح تلك الثورة هو نجاح للمخطط اليهودي عن طريق وكلائهم الإيرانيون ، و أن الشباب الطيب المغرر به وقع في الفخ ، فأسلوب الثورات تغير من ثورات عسكرية إلى ثورات شعبية.
لا أعرف من اين جاءوا بالمخطط اليهودي للثورة هل لأنها لم تتغنى بأسم أحد مشايخ الجهل ، هل لأنها لم تكن غليظة القلب ترتكز على الكراهية و التعصب ، هل يا ترى أزعجهم تكاتف المصريين كلهم مسلمين و مسيحيين ؟
تلك كانت الفقرة الأولى في رسالتهم أو بيانهم جعلتني أتذكر توصيات المؤتمر السلفي في الاسكندرية الذي عقد يوم 29 يناير حول أحداث 25 يناير ، هذا المؤتمر يريد تحويل مصر إلى دولة عنصرية طائفية على النقيض من اهداف الثورة الحقيقية ، و يظهر ذلك في صورة البيان الموجودة أمامكم
يظهر في البيان مجموعة من النقاط في غاية الخطورة : -
- أن مرجعية التشريع في الدولة تعود للشريعة الإسلامية ، و كل ما يخالفها يعد باطلا ، و هذه مسألة تحتمها عقيدة الأمة و عقدها الإجتماعي ، و لن تسمح الأمة لبعض المتسلقين على أكتاف الجماهير – بل دمائهم – أن يزايدوا عليها ، يحاول السلفيين أيحاء البعض بل إيهام أنفسهم انهم هم مفجري الثورة و أن الثورة قامت على مبادىء مشايخ السلفيين …
- نأتي للفقرة الثانية من البيان نجد أن مطللبهم الواضح بلا تورية ، وهو تفعيل المادة الثانية من الدستور ، و مراجعة كافة التشريعات و صياغتها من جديد لتلائم الشريعة الإسلامية حسب معتقداتهم
هنا يجب أن نذهب قليلا إلى الأصل المذهبي لغالبية الشعب المصري وهو أغلبية تعتنق المذهب الحنفي نسبة للإمام أبو حنيفة ، و نسبة أقل منها تتبع المذهب المالكي ثم يأتي المذهب الشافعي في نسبة اقل ، بينما المنتمين للتيار السلفي لا يتبعون سوى المذهب الحنبلي نسبة للإمام أحمـد بن حنبل ، و يتخذون من شروحات إبن تيمية المتاثر بالمذهب الحنبلي كشروحات صحيحة لا تقبل النقد أو التفنيد على اساس العودة إلى السلف الصالح ، كذلك فتاوى الشيخ ابن عثيمين
إلا أننا نجد الخلاف كبير في روح الفهم للدين بين الحنبيلة و باقي المذاهب ، فالمذهب الحنبلي أكثر المذاهب الإسلامية تشددا ، على العكس من المذاهب الأخرى و التي تحاول أن تكون وسطية بين الشدة و اللين للوصول إلى صيغة تناسب الغالبية من جموع المسلمين ، و من المعروف أن الإمام أبو حنيفة على العكس من باقي الأئمة يتشدد في الاخذ بالحديث في فتواه ، خصوصا أحاديث الأحكام فكان يلجأ للقياس و الإجتهاد لذلك فهو غير مستحب من قبل السلفيين ، اللذين نجد أن المتبع فكريا في مذهبهم المتأثر بفكر أبن تيمية هو الفهـم الظاهر من الكلام بدون التعمق في الأسانيد الظرفية للحكم من حيث الزمان أو المكان ، لذا جاء رفضهم لفكر أبن رشد – مثلا – واضحا و صريحا …
لن أزيد في الكلام عن المسائل الفقهية فهذا ليس حديثنا ، ولكن الإصرار الغريب على شكل المادة الثانية من الدستور ، و تفعيلها حتى أن بعض السلفيين أعلنها يوم الجمعة الماضية اثناء خطبة الشيخ القرضاوي “سنقاتل بدمائنا من أجل المادة الثانية” ، فالموضوع هنا تحول إلى عقيدة قتال ضـد الكفار ، كأنها دعوة لحرب أهلية قادمة …
في نفس الوقت أو يمكن قبلها بساعات قليلة ، ظهرت على صفحات الفيس بوك صورة جديدة للشهيدة سالي و هي مرتدية الحجاب ، و رسائل تتداول محتواها ” لعن الله من نشر صورة تلك الفتاة المسملة بلا حجاب ” ، و عندما بدأ البعض يثور على تلك المقولة و يتدخل في نقاشات حادة مع مروجيها ، بدأت تظهر رسالة أخرى و ايضا مع نفس الصورة ذات الحجاب ، و لكنها أكثر خطورة أن عائلة و أم الفتاة ازعجها بشدة نشر صورتها بدون حجاب …
بالمصادفة حضرت حفل الكنيسة الانجيلية بميدان التحرير الذي أقيم للأحتفال بشهداء الثورة و قابلت بعض من أهلها و بالمصادفة ايضا نشرت على شاشة ضخمة بالكنيسة صورة سالي بدون حجاب نظرت لأهل الفتاة ربما أرى على وجوههم أية علامة تدل على أنزعاجهم من تلك الصورة ، إلا أن الحدث كان على العكس تماما الجميع على وجهه رضا و سعادة خاصة عندما ضج المكان بتصفيق حاد لتلك الفتاة البطلة لترسم ملامح الفخر و العزة و السعادة على وجوه أهلها ، ولكن مع كل ذلك مازال البعض يصر أن يكون هناك أغبياء …
5 تعليقات على و لا يزال هناك أغبياء !
توصيف أغبياء هو توصيف مناسب جدًا.
لقد آثرت نقاط غاية في الأهمية صديقي عمرو، أضيف إليها مقالة الزميل محمود عرفات وتعليقي عليها.
http://ar.mideastyouth.com/?p=6892
هل تتزايد المخاوف يوميًا من خطر الإسلاميين الذين قمعهم النظام لمدة ستة عقود متواصلة حتى تأصّل الكره تجاه الآخر فيهم. نعم المخاوف تتزايد وبشدّة.
المخاوف بتزيد بجد يا أحمد الموضوع مش سهل و هتشوف الأيام اللي جاية هيحصل ايه .. خصوصا بعد الفترة الإنتقالية المعركة هتكون شديدة جدا
مقال جميل يا أخ عمرو
بالطبع هناك مؤشرات مخيفه عن المجتمع المصرى تظهر يومياً
1- بخصوص الماده الثانيه : أنا ما يقلقنى الآن هو الفجوه بين الإجراءات التى تتم والشارع المصرى فينما فعلياً يتم تعديل 5 مواد والغاء واحده وهذا إجراء أقره الرئيس السابق مبارك تجد أن الشارع الذى كان مطلبه وضع دستور جديد لا ينشغل بما يحدث من إجراءات و كل مشكلته هو صراع طائفى على الماده التانيه
كلامى هذا لا ينفى أننى ضد الدوله الدينيه ولكن فقط أدعو لترتيب الأوراق والأولويات
2- مصر تحتاج لنشر وعى وثقافه إحترام الآخر وقبوله و معرفة أن الآخر له حقوق فلن يستطيع الأقباط والبهائيين و الملحدين وقله من المسلمين تغيير الماده الثانيه .. الذى سيغير الماده الثانيه هو أن تتحرك الأغلبيه المسلمه بإتجاه الأقليات وليس العكس .. هو نشر الوعى بين الأغلبيه المسلمه
يااخ عمر ارجو بان تكون لديك نظره شامله فنحن نحترم كل الاطياف والمذاهب ان وصفك لاتباع المذهب الحنبلي
فيه اشاره على بلادي وذاتي فلاتحكم عن باطل ولاتاخذ مالك وتترك ماعليك ولاتقول ومالا هو معقول فنحن لاناخذ
مذهبنا من ابن تيمية وغيره نحن لدينا القران الذي يامرنا بان لانعتدي الا اذا ماعتديا علينا وابن تيميه وهذا ليس من
التقديس او من هذا القبيل ولكن شهادة حق انه على صواب في كثير مما يقول وكل المذاهب فيها من هم غلى الوسطيه ومن هم المتطرف ومن هم غير ذالك.
اما ان كنت تتكلم عن نظام الحكم فوالله لو طبق الاسلام على اصوله لما اشتكى رجل الياس والظلم
والمواقف تشهد فلا تحكموا على بعض من الرجال على انه هو الاسلام فالاسلام الصحيح هو الدين الذي
يحفظ حقوق الاخرين.
نعيب زماننا والعيب فينا,,,,,,وماللزماننا عيب سوانا.
يا أخ سليمان
في البداية ارحب بيك و بكل صاحب رأي
في تعليقك ذكرت أنني أشير إلى بلادك ، بالرغم أنني لا أعرف ما هي البلد التي تقصـدها لأني لا أعرف جنسيتك ، كما أن المقال بأكمله يتكلم عن الحالة المصرية و لم يكن في ذهني أية دولة أخرى سواء من قريب أو بعيد ، و ذكري لبعض المشايخ الغير مصريين ، فهو ليس إشارة لبلد بعينها ، بل هو إشارة للمرجعية الفكرية لأصحاب التيار السلفي.
أما عن أبن تيمية مع كامل إحترامي له إلا أنه ليس معصوما من النقاش و النقـد ، و هذا هو الفارق بين المجتمعات التي تأخذ بالفكر و النقاش و المجتمعات الأخرى المحروم عليهم التفكير و الجدال الفكري ، فكل من يناقش أو يجادل يتم أتهامه فورا بالخروج عن الدين و الأعراف …
أما عن نظام الحكم ، فالموضوع هنا يأخذنا لأساس المقال ، وهو جزء من الحفاظ على الهوية المصرية المدنية البعيدة كل البعد عن نظم الحكم الإثنيـة ، و أرجو أن تكون تابعت الثورة المصرية التي رفعت شعار ” تغيير … حرية …. عدالة إجتماعية” التغير هو تعبير عن رفض الشعب لنظام الحكم السابق ، “حرية” تعبير عن حرية الرأي و البعد عن الأرهاب الفكري حتى لو كان بأسم الدين ، “عدالة إجتماعية” هو تعبير عن أحقية المواطن في الحياة و الرقي مهما كان فكره أو ديانته او لونه لأننا في النهاية مصريين …
المقال هو اللقاء الضوء على من يحاول سرقة دماء الشهداء اللذين ضحوا بأرواحهم في سبيل تلك الكلمات الثلاثة ؛ الشعار الثاني للثورة كان ” مدنيـة ” أي أنها ليست دينية أو عرقية أو عسكرية
أخيرا و ليس آخرا حضرتك ذكرت أن الإسلام يحفظ حقوق الآخرين ، انا لا أشكك فيما تقوله ، ولكني أشكك في من يستغل الدين لتحويل المجتمعات إلى طوائف ، فالمسلم بما أنه دين الأغلبية يكون له الغلبة في الوظائف مثلا و له الأحقية في الوصول إلى أعلى الدرجات بينما من يدين بديانة أخرى فليس له هذا الحق ، لتتحول هنا الدولة إلى شكل عنصري بغيض
في النهاية أرحب بيك دائما و بمحاوراتك و تعليقاتك