لا يوجد في مصر سوى عشرين قاصا وروائيا فقط وأيضا لا يوجد فيها سوى عشرين شاعرا .. هناك الآلاف وربما الملايين الذين ” يحاولون ” الكتابة في مصر وهناك كثيرين منهم قريبين جدا من إحراز لقب ” قاص ” أو ” روائي ” أو ” شاعر “ ولكن تظل هناك دائما مسافة ما تفصل بينهم وبين منصة التتويج التي لا يقف عليها سوى ” العشرين الذين يكتبون القصة والرواية ” و” العشرين الذين يكتبون الشعر ” .. هؤلاء العشرون وهؤلاء العشرون لم يصلوا إلى هذه المكانة إلا من خلال أعمالهم فقط .. قصصهم ورواياتهم وقصائدهم فحسب دون أي تدخل أو تأثير لأي عامل آخر .. نصوصهم وكتبهم التي كلما قرأها ” الذين يحاولون الكتابة في مصر ” يمتلأون إعجابا وغيظا فيواصلون المحاولة أملا في تحسين مستواهم والارتقاء بما ” يحاولون كتابته ” إلى مستوى هذه الإبداعات العظيمة والخالدة .. ” الذين يكتبون في مصر ” يكتبون وينشرون وهم جالسون في بيوتهم والناس هي التي تتصل بهم وتذهب إليهم وتناديهم من أجل حوار أو ملف أو مهرجان أو مؤتمر أو جائزة أو ترجمة أو مقال أسبوعي أو ندوة أو حفل توقيع ورغم أن ” العشرين الذين يكتبون القصة والرواية في مصر ” و” العشرين الذين يكتبون الشعر في مصر ” يعمل أغلبهم في الصحافة الأدبية إلا أن هذا لا علاقة له بموضوعنا .. ” الذين يكتبون في مصر ” عرفوا وحدهم الأفكار التي يجب أن يُكتب عنها مثلما عرفوا تماما الكتب والصحف والمجلات التي يجب أن تُقرأ والأفلام والمسرحيات واللوحات التي يجب أن تُشاهد والموسيقى والأغنيات التي يجب أن تُسمع والمواقع والمدونات التي يجب تُتصفح وبالطبع الطعام الذي يجب أن يؤكل والشراب الذي يجب أن يُشرب والملابس التي يجب أن تُلبس ونوع السجائر الذي يجب أن يُدخن .. الأسرار السحرية العميقة التي لا يعرفها ” الذين يحاولون الكتابة ” أو على الأقل لم يحيطوا بها كليا ولهذا لم يصبحوا بعد من ” الذين يكتبون في مصر ” .. ” الذين يحاولون الكتابة في مصر ” لديهم أصدقاء ولديهم مقاهي يجلسون عليها لكنهم لا يجيدون اختيار الأصدقاء ولا يجيدون اختيار المقاهي مثلما يفعل ” الذين يكتبون في مصر ” .. في أحيان كثيرة يقوم ” الذين يحاولون الكتابة ” بتغيير أصدقائهم ومقاهيهم استرشادا بخطوات ” الذين يكتبون ” ولكنهم يصدمون بالحقيقة المؤلمة وهي أن المشكلة ليست في مع من ستجلس وأين بقدر ما تتوقف على ماذا ستقول وماذا ستفعل حينئذ .. حينما تفشل في هذا الاختبار الذي نجح فيه بالطبع من قبلك ” الذين يكتبون في مصر ” فليس على النقاد ذنب إذن .. ” الذين يكتبون في مصر ” لا يذهب أي منهم إلى المقهى إلا إذا شعر فقط بالزهق من جلوسه في البيت وهذا أمر نادر لذا فذهابه إلى المقهى لا يحدث إلا بالصدفة ويكون بمفرده في أغلب الأحوال ولا يفعل أكثر من الجلوس في صمت وشرب أي شيء ثم المغادرة بهدوء وإذا حدث وصادف أحد من الأدباء أو الصحفيين أو موظفي الثقافة فإنه لا يطيل الحديث ولا يفتح معه أي سيرة تخص القصة أو الرواية أو الشعر لكن المشترك الأكيد والثابت بينهما هو تناولهما لمدينة ” القاهرة ” بوصفها كيانا غامضا لا يعرفان عنه شيئا وليس لديهما أي علم عن منطقة وسط البلد به بل سيتضح من كلامهما أنهما يفتقران حقا إلى اليقين بوجود مدينة بهذا الاسم أصلا .. ” الذين يحاولون الكتابة في مصر ” يمتلك كل منهم حسابا على الفيس بوك ولكن لا يوجد بينهم من يمكنه كتابة ” Status ” كوميدي وساخر بمثل هذا الإبداع الفريد وبمثل هذه الموهبة المبهرة التي يتفرد بها ” الذين يكتبون في مصر ” .. ” الذين يحاولون الكتابة في مصر ” قد يكون بينهم وبين أصحاب دور النشر صلة ما ولكنهم يغفلون ـ عمدا أو عن غير قصد ـ عن محاسبة أنفسهم والإجابة بصراحة عن الأسئلة الضرورية التي تفرضها العلاقة بين الكاتب والناشر والتي ستفضح حتما أوجه القصور في شخصياتهم : هل تمتلك فائضا مناسبا من الثراء المادي ؟ .. هل بمقدورك توفير المخدرات في أي وقت ؟ .. هل لديك صديقات جميلات ؟ .. هل تحرر أحد أبواب عروض الكتب في صحيفة أو مجلة ؟ .. هل تجيد اللعب بالبيضة والحجر ؟ … الإجابة بـ ” لا ” على جميع هذه الأسئلة دون ” نعم ” واحدة على الأقل ستفسر بشكل بديهي لماذا لا تتحقق العلاقة المثالية المطلوبة مع الناشر ولماذا يظل هؤلاء ” يحاولون الكتابة ” في حين أن هناك من ” يكتبون ” فعلا …
الذين يكتبون في مصر سيظلوا يكتبون والذين يحاولون الكتابة في مصر سيظلوا يحاولون الكتابة حتى نهاية العالم .
6 تعليقات على المنشفة الكبيرة
إني أحاول… جدّ أحاول منذ أكثر من ست سنين… ولكن “مفيش فايدة!” فأنا مازلت محاولًا، ولم أتحول حتى اليوم!
وعد مني يا أحمد بمجرد أن يوسعوا لي قليلا وأنجح في التوغل بينهم سأناديك وعليك أن تتشبث جيدا لأنك ستكون على ” الطرف ” D :
وعدُ الحرّ دين عليه!
لقد اعتقدت أنك بين هؤلاء العشرين… ولهذا تكتب عن خفاياهم، فأنت واحد منهم! إذا كيف مازلت محاولًا وتدرك كل هذه الخبايا السرية جدًا في عوالم هؤلاء العظماء الخفية والمغلقة بالرتاج والخطوط الحمراء؟
لا يا أحمد أنا كنت فاكر إن رأيك فيا أحسن من كده D:
مش معنى إني عارفهم إني بعمل زيهم خاصة إنهم بيعملوها على نفسهم وبيغرقوا كل مكان يروحوه
تقدر تقول إن فيا حاجة لله بتخلي الناس تيجيلي لغاية عندي وتعترف
لكن هذا لا يمنع إني فعلا نفسي أكون منهم وصدقني حاسس إنها قربت خاصة إني لسه جايب كومبيوتر جديد !!!
صباح الفل
ألف مبروك يا كاتبنا المحاول!
صباحك قشدة
انا استخدم مبدأ اناني شديد الانانية بخصوص النقطة دي ، انا لا اكتب ، انا اقرأ ، و اقرأ و اقرأ