تتفتح عيناه فجأة في مكان لا يعرفه، أول ما يراه رجـل عجوز يحتضن قطة سوداء صغيرة فوق سرير مستطيل فقير من الأغطية، وقد وضع بإهمال تحته زوج أحذية مليء بالرقع، لا يعرف قبلها أكان نائما أم مستيقظـا؟، لكنه لا يملك رموش ليغمضها ويشارك العجوز نومه الهادئ، ولكن لحظة وعي بدأت الآن.. لم يكن نائما.
يومـا ما، قريبـا أو بعيد سيصيـر بينوكيـو إنسانا حقيقـًا، عليه فقط أن يـصدق كل ما تخبره به السـاحرة ولا ينـاقشها أو يكـذّبها وإلا كـبر أنفه الخشبيّ، تكررت هذه العبارة أمامه عدة مرات، جرادته الصغيرة دائما تحذره من المخاطر والناس وهو يحب المعرفة، تعطيه القوانين والأوامر وهو يعشق المغامرة.
النجار دائما ينصحه بصفته أبيه المفترض أن عليه الاستماع للكلام ولا يخالفه، أنفك سيفضحك، ستشهد عليك أنك لم تكن ولدًا طيبا في الخارج، عليك أن تطيع كلام السـاحرة لتكون إنسانا، ولكن بينوكيو يرتاح لذلك الذنب المحبوب، أنفه تكبر وببعض الأعمال الطيبة تعود لطبيعتها، دائما يندهش من تناقض أبيه العجوز إنه يتمنى العيش طويلا ولكن يلعن الشيخوخة، يحلم بالذهاب للجنة لمقابلة الرب وقديسيه ولكنه دائما يخشى الموت ويكره أن يتحدث أحد به أمامه.
بينوكيو لم يرد أن يكون إنسانا متناقضا مع ذاته والآخرين، إنه لا يعرف من الإنسانية سوى المرضوالخوف والانتظار، إنه الآن يتذوق معنى الخلود لم يكبر ولن يكبر، لن يجوع ولن يخاف، ولكنه لا يعرف معنى لحياته، يحب ولكنه لن يتزوج، لم يملك القلب الذي سينبض ولكنه يشعر بالحب ولا يعرف كيف، بينوكيو لم يرد أن يكون كما هو الآن، كان يفضل أن يظل شجرة في أحد الغابات تمرح على أفرعها العصافير ويشاهد ركض الغزلان من حولها.
استيقظ النجار في الصباح وحين أشعل شمعة للإضاءة وجد أمامه تمثالا لسيدة صغيرة تحتضن طفل وبجوارها نجارًا يمسك عكازًا خشبي موضوع أمامهم كارت معايدة، ولم يجد أي أثر للطفل الخشبي الذي صنعه بالأمس والذي لم يرد أن يصنعه من البداية.
2 تعليقات على لم يرد أن يكون
يا لها من أنف جميلة وقوية، هذه الأنف الحرة الأبيّة… أنف كل غير منصاع ولاتقليدي ولاتماثلي… أنف كل من لا ينتمي للقطيع، ولا يسبح بملكوته، ولا يدور في فلكه. هذه الأنف الكبيرة، أنف التمرد والإبداع، هي أنقى كثيرًا من هذه الأنف البلاستيكية البراقة.
رائعة صديقي إيفان!
وتظل الأنف المتمردة شاهدة على افعالنا