مدينٌ أنا بأفكاري وآرائي الاقتصادية والسياسية، على السواء، لعظماء أسسوا ونظّروا لأدبيات الرأسمالية بدايةً بجذورها الأولى في عصر التنوير، الفِزيوقراط الفرنسيين، آدم سميث، چون لوك، ودِڤيد هيوم، مرورًا بفريدريش هايِك، لودڤيش فون ميزِس، ميلتون فريدمان، وأدبيات المدرسة النمساوية ومدرسة شيكاجو عامةً، وليس نهايةً بكتابات دكتور مدحت محفوظ، وتطبيقات رجال الأعمال العالميين والشركات متعددة الجنسيات عابرة القارات التي طبّقت، عن وعي أو غير وعي، هذه الأدبيات، ورسختها وكرّست لها عمليًا، فكانت النتيجة هذه الطفرة التقنية والعلمية التي يشهدها العالم. وإن كان العالم يتقدم مع مرور الزمن، فإن حرية نقل الأفكار والبيانات والبضائع قد حفّزت هذا التقدم وألهمته وكانت له النبراس الهادي على مدار القرن الماضي. ومدينٌ أيضًا لكل عالِم أو فنان أو سياسي أبدع نظريات أو أعمال لصيقة بالتوجهات الرأسمالية ومُكمّلة لها في سائر ميادين الحياة، وليس على سبيل الحصر، آين راند وتشارلِز داروين في العلوم الاجتماعية، ورونالد رِجان ومارجرِت ثاتشر ورون پول في التطبيق السياسي، وحزب الجمهوريين الأمريكي والمحافظين البريطاني في التنظير والتنظيم السياسيين، كونهما أقوى وأقدم حزبين عالميين قادرين على تحريك مجريات الحاضر، كما التاريخ، نحو الرأسمالية وحرية السوق وتقليص الدور الحكومي وخفض الضرائب. وبالرغم من أني مستقل فكريًا، ولا أذهب في دعمي لأي حزب أو أي حكومي أكثر من التصفيق إذا كان يحمل فكرًا قريبًا، لاعتقادي بأن فكرة الدولة بأكملها مضادة للفرد، إلا أنه من الضروري أن يدعم المنظّرين الرأسماليين نظرائهم المنفّذين للنظرية الرأسمالية في السوق، رجال الأعمال، ودعم الإثنين معًا للرأسماليين الحكوميين، لأن المصلحة المشتركة تحضّ على هذا الدعم ثلاثي الأبعاد، وتغلّب على الاختلافات أو التحفظات التي قد يحملها أي فرد أو طرف على الآخر بخصوص التوجهات الاجتماعية أو السياسية أو أي توجهات أخرى. فأنا لا أعتقد في ثمّة شيء قد يفصل فردين عن الربح عبر المصلحة المشتركة (Mutual-Interest)، لا دينهما، أو لونهما، أو انتمائهما، أو طائفتهما، أو بلدهما، أو أي اختلاف آخر مهما كان.
أثق في اختيارات السوق الحرة تمامًا، من أشخاص أو منتجات أو خدمات، لأن اختيارات السوق المُنتخَبة وفق أسس الكفاءة والسعر والتنافسية لا تُعير أدنى اهتمام لأي وسم عرقي أو عنصري أو ديني أو قومي لأي شخص أو منتج، سوى قدرته على الإنتاج أو المنافسة على التوالي. وعلى سبيل المثال، سوف أختار أنا، كصاحب عمل، حارس قوي لبناية الشركة وعقل مدبّر لقسم التسويق، بغضّ النظر عن جنس، جنسية، لون، دين، أو توجه أي منهما. فالعنصر البشري هو العامل الأهم، ولكنه وسيلة إنتاج أولًا وأخيرًا تُفضي إلى الربح. ولذلك فإن المعيار الأول، والأخير من وجهة نظري، لترقّى هذا العنصر لدرجة أعلى في السُلّم الإنتاجي هي خبرته وكفائته، وليس إلا. هذه الميكنة الحرة الكفيلة بتحريك هذا العنصر الكفء أو ذاك لمكانه المناسب، اختصارًا للوقت ومضاعفةً الربح، هي نفس الميكنة التي قد انتشلت هذا العنصر الكفء في البداية من العدم وأشركته في العملية الإنتاجية، خلقًا للفرص واستثمارًا للمواهب والإمكانيات. ولا يجدر بالقارئ خلط هذا المؤشر النظري البحت بعامل قوة خارجية لصاحب عمل، س، يميّز بين موظفيه على أي من الوسوم المذكورة آنفًا. وإن كان هذا التمييز ينطوي على مبدأ الحرية الكاملة لصاحب العمل في ممتلكاته (Property Rights) وبالتالي حرية اختيار موظفيه وفق أهواءه الشخصية البحتة، حيث لا تخرج آثار، أو عواقب، هذا التمييز خارج حيز عمل س نفسه، كون هذا التمييز لا يمتد للحياة، أو الممتلكات، العامة. وهذا يختلف كليًا عن التمييز الموجّه التي قد تمارسه حكومات ضد فئة أو مجموعة بعينها، وما يتبعه من سياسات تمييزية وانتهاكات واضحة تجاه هذه المجموعة على النطاق العام. وإن مثّلت الحالة الثانية اعتداءً صريحًا وتمميزًا بغيضًا يؤثر بالسلب على هذه المجموعة من ناحية وعلى السوق من ناحية أخرى، فإن الحالة الأولى لا تعدو كونها حرية س الشخصية داخل محيطه ممتلكاته الشخصية، وحتى إن لحق هذا التمييز خسارة اقتصادية، نتيجة اختلال معايير اختيار العمالة وفق قدراتها، فإنه لا يعدو كونه ضررًا ضيقًا في حيز زمني وجغرافي بعينيهما، وهي حالة فردية استثنائية. وليست نهجًا أو ظاهرة عامة على أي حال، مثل حالة التمييز الحكومي تجاه مجموعات عرقية أو دينية في دولة أُبوية ذات سوق ليس حرًا أو نزيهًا. وقد قمت بكتابة سلسلة مقالات في الماضي تحت عنوان “اقتصاديات التمييز،” وهذه السلسة موجودة لمن يريد الإطلاع عليها، وقد أقوم بنشرها على هذا الموقع في المستقبل. ويمكنك الإطلاع في الوقت الراهن على كتاب جاري بِكر الذي كرّسه اقتصاديّ نوبِل لرصد ودراسة اقتصاديات التمييز وتأثيرها على السوق، والذي ألهمني كثيرًا في سلسلة مقالاتي تلك، وهو كتاب اقتصاديات التمييز (The Economics of Discrimination).
لمّا كان السوق لا يترك كفاءة غير مُستغلة، فهو لا يترك حاجة غير مُشبعة كذلك، بما في ذلك أضيق الحاجات وأصغرها. ودائمًا ما أقول أن حاجة فرد واحد في نصف الكوكب الجنوبي قد تحفّز شركة عالمية عملاقة، أو صانع، في النصف الآخر من الأرض. ولهذا تتجه أغلب الشركات متعددة الجنسيات بمنتجاتها لجميع الأسواق على تباين مستوى مستهلكيها المادي وقدراتهم الشرائية المختلفة. فقد تتجه شركة لتسويق منتجاتها لمستهلكي الصومال كما تتجه نفس الشركة لمستهلكي ولاية كاليفورنيا. أو لنجعل المثال أكثر محليّة، فقد تتجه شركة عالمية لأسواق حي السيدة زينب وحي جاردن سيتي معًا، وهما حيّان متجاوران وسط القاهرة بينهما تباين مادي واجتماعي كبير. إن مستهلكي الصومال وكاليفورنيا، أو السيدة زينب وجاردن سيتي، يأكلون الجبن والأرز، ويحتسون مشروب الشوكولاتة المخفوقة، ويشترون السكر والفاكهة والدواجن، ويدهنون شققهم السكنية، ويركبون السيارات. ولكن الهوّة شاسعة، بدرجة يصعُب الإفلات منها، بين جودة المنتجات على الجانبين. فقد يحتسي مستهلك صومالي للشاي طيلة حياته، ولكن جودة الشاي الذي يشربه المستهلك الأمريكي في كاليفورنيا مختلفة كليّةً عن جودة الشاي الأول، والذي غالبًا لا يدركه المستهلك الصومالي أبدًا، ليس تمييزًا من شركة الشاي، ولكن بسبب القدرة الإنتاجية لكلٍّ من المستهلكين، والتي تنعكس على قدرتهما الاستهلاكية.
قد تكونا الشركتان مختلفتين، ولكن في بعض الأحيان تنتج نفس الشركة منتجًا واحدًا لمستهلكين متباينين كليًا في الشريحة الاقتصادية، أحدهما في السيدة زينب والآخر في جاردن سيتي، ولكن هذه الشركة الواحدة تلتف حول هذا التحدي لإشباع أكبر حيّز من الشرائح الاقتصادية المختلفة، سواء بتقليل السعر، أو الكمية، أو الجودة، بما لا يضير باسم هذه الشركة، أو تقليلهم جميعًا معًا. وعلى سبيل المثال، فأنا شخصيًا أقود سيارة ڤولكسڤاجِن مصنّعة في الآرچنتين، وأنا فخور وسعيد بتجربة قيادتها لأقصى حد، ولكن نظيري الألماني الذي يركب ڤولكسڤاجِن ألمانية هو من يدرك الفارق، لأنه هو الذي اختبر الجودة الأعلى ولست أنا. وبالرغم من أن الشركة المصنّعة واحدة، فإن هذه الشركة قد راعت، أول ما راعت بفطنة وذكاء ودراسة مضنية، الظروف الاقتصادية المتدنّية في مصر قبل تصدير مركباتها إليها. فنحن قد نستمتع بقيادة سيارة، ولكن ليست كمثيلاتها الآروپية على أي حال. قد يتضح هذا المثال أكثر إذا قارنّا جبن رديئة الصنع والتعبئة بأخرى فرنسية فاخرة، فكلاهما جبن، ولكن تجربة تذوق الجبن في كلا الحالتين مختلفة كليًا. رغبات المستهلكين وقدرتهم الشرائية وشريحتهم الاقتصادية هي كلها عوامل تسهم في هذا التباين القاسي. وقد يمتد ابتكار شركة عالمية متعددة الجنسيات مداه في كلٍّ من السوقين، فتغرق مستهلكي كاليفورنيا بخمس وسبعين نوعًا مختلفًا من الشاي، أو هواتف نقّالة مثلًا، في الوقت الذي لا توفر في السوق الصومالي سوى نوع أو اثنين على أكثر تقدير وبتكلفة وجودة أقل. وكل هذا يقودنا لفقرة عن الوعي الاستهلاكي في سوقين متباينين اقتصاديًا.
الوعي الاستهلاكي لدى المواطن الأمريكي، أو قاطن جاردن سيتي، هو قطعًا أعلى من نظيره الصومالي، أو قاطن السيدة زينب، لأن لدى الأول مرونة أكبر في اختبار جودة منتجاته، والاختيار فيما بينها بعناية ودقة فائقتين، وهي القدرة المفقودة لدى الثاني الذي لم يختبر منتجات متباينة ومتنوّعة الجودة من قبل، لاختيار أفضلها وأرخصها، في حياته. الأذكى هو من يبحث عن الأجود، لأنه وإن كان السعر عاملًا هامًا في المقارنة المُزمعة، فإن “حرب المنتجات،” أو الخدمات، إن جاز لنا أن نطلق عليها هذا الوصف، هي حرب قائمة على الجودة وليس على أي معيار آخر. وإذا كان هذا الوعي يعدّ ذكاءً استهلاكيًا ثمينًا لانتخاب المنتج الأفضل، وتمرير هذه الخبرة، الناتجة عن الوعي والإدراك الكاملين بالنظرية الرأسمالية في مُجملها فيما يتعلّق بالإنتاج أو الاستهلاك أو سلوك كل منهما النفساني، للأجيال القادمة، فإن الرأسمالية تاج فوق رؤوس الأذكياء.
وإن كنت أحثّ الجميع بدايةً من أصغر عامل لأكبر مدير على الإنتاج، فإني أحثّ الجميع على الاستهلاك كذلك. لأنه لا غنى عن معادلة الإنتاج-الاستهلاك في السوق الحرة. كل مُنتِج، لمُنتَج أو خدمة، لديه القدرة المادية على استهلاك المُنتجات والخدمات الأخرى. ومن العدالة التي تفترضها الرأسمالية، كفكرة جوهرية وبديهية لها، هي أن مكافأة الاستهلاك ليست مُتاحة إلا للمنتجين الذين بذلوا من الجهد الفكري والعقلي ما يؤهلهم لاستهلاك منتجات الغير، وهي ليست متاحة للعاطلين والكسالى والضعفاء بأي حال وتحت أي ذريعة. وإذا كنا نبرز الإنتاج، فإننا نبرز الاستهلاك على الجانب الآخر وبشدة، وبإمكانك الإطلاع على نظريتي حول الاستهلاك الكبير (Hyper-consumerism) في مقالة ثقافة الاستهلاك الكبير من هنا.
أطرح تساؤلًا يبدو صعبًا، وهو لماذا تتجه آروپا وأمرِكا وكندا وأُسترِليا باطّراد نحو اليمين السياسي الجديد؟! هناك شقّان لدى أحزاب اليمين الجديد، يجدر بنا فصلهما لتحليل كل منهما على حدى. أولًا، اقتصاديًا، لأن أحزاب اليمين قائمة بالتأكيد على النظام الذي يضمن العدالة الحقيقية، وهو النظام الرأسمالي، لكلٍّ حسب قدرته (To all according to their abilities). ثانيًا، سياسيًا واجتماعيًا، لأن أحزاب اليمين الجديد تحديدًا هي حائط الصدّ الأول ضد المدّ الإسلامي الرجعي الزاحف إلى الغرب. هذا بخلاف أن اليمين الرأسمالي يضمن خفض وتقليص الضرائب، التي تعدّ قمعًا حكوميًا ضد حرية السوق، وهو النظام الذي “ينتشل” أموال المنتجين والمفكرين والنبغاء، على غير إرادتهم الحرة، ليعطيه للكسالى والعاطلين، سواء مهاجرين أو سكان أصليين. تقليص الضرائب للحد الأدنى يمكّن أصحاب الأعمال والعمال على السواء من مراكمة رأسمالهم أو ثرواتهم (Accumulation of Wealth)، وهو حجر الزاوية لتكوين الثروة، القائمة على تقليص الضرائب الحكومية وترشيد النفقات الخاصة (Parsimony)، كما قدّمها آدم سميث في كتابه ثروات الشعوب**، لكل رأسمالي في مشروعه الخاص. تقليص الضرائب يسمح بمساعدة المعوزين، عبر الإرادة الحرة (Voluntary Choice)، وليس نظام الضرائب القسري العبودي، للأغنياء عبر تكوين وإنشاء المؤسسات الخيرية، أو التبرّع لها. ففكرة المؤسسات الخيرية، أو الصدقة بمفهومها العام (Charity)، هي فكرة رأسمالية بحتة، لأن تراكم الثروة، لدى الغالبية العظمى من البشر، يُفضي للتفكير في الكائنات الأخرى المعوزة. ولعل عهد بيل جيتس (The Giving Pledge) هو خير دليل على ذلك، وهو ذلك العهد الذي وقّعه نخبة من أكثر رأسماليي العالم ثراءً، وينصّ على التبرّع بنصف ثروات المتعاهدين، سواء أثناء حياتهم أو بعد موتهم، للفقراء. ومن ناحية أخرى، أعتقد أن العالم سوف يتجه لحكومات جديدة تتبنّى سياسات ليبرتارية، أقرب باليمين الكلاسيكي، حيث الحريات الاقتصادية والاجتماعية مكفولة أكثر على جانب وعلى جانب الآخر تقل، أو تزول، المحافظية (Conservatism) السياسية والاجتماعية والقومية، فور انتهاء معسكر الحضارة الغربية من الحرب الباردة الثانية، الدائرة رحاها ضد الإرهاب الإسلامي الأصولي، سواء الوهابية/السلفية أو الحكم الثوري الإيراني الشيعي وأتباعه، والتي سوف تنتهي بفوز معسكر الحضارة والرأسمالية تمامًا مثلما أسفرت نتيجة الحرب الباردة الأولى بالنصر الساحق لنفس الفريق حليف القيم الأكثر تماشيًا مع المنطق العقلاني والتطور الإنساني.
رسالتي في نهاية هذه المقالة لكل قارئ، سواء رأسماليًا أو غير ذلك، ممن يطّلع على بعض من توجهاتي القوية، والتي اكتسبتها ورسّبتها منذ سن صغيرة جدًا حتى أثقلتها فيما بعد بهذه الأدبيات الرأسمالية البديعة والقوية التي أوردتها في معرض مقالي، ثِق بنفسك لأقصى حد! وثِق بقدراتك إلى منتهاها! الإنسان هو الأساس على هذا الكوكب، وسعادتك لن يجلبها إلا أنت شخصيًا، وجلب هذه السعادة (Pursuit of Happiness)، العصيّة على إنكارها، لا يمكن بلوغه إلا عبر طريقه العمل والإنتاج لمراكمة الثروة. لأن الثبات المادي هو الطريق الأول للثبات الاجتماعي والعلمي والثقافي للفرد، والحضاري لمجموعة من الأفراد. إذا كان لديك قدرة أو كفاءة أو موهبة، إبحث بعناية لتوظيفها في المكان المناسب الذي يقدّرها، وإن لم تجد فكّر في مشروع شخصي صغير تحمله على عاتقك وتشهد على نموه كل يوم. استثمر قدراتك ووقتك جيدًا، واستفد بخبراتك وخبرات السابقين عليك، للخروج بربح قائم على المصلحة المشتركة، فهي أساس أي نشاط إنساني. لا تتهم الآخرين بالمسؤولية عن فشلك أو إخفاقك، جرّب مرة أخرى! وعندما تنجح، لا تنسب نجاحك لأي شخص، أو قوة خارقة للطبيعة، غير ذاتك. إعمل! وسوف تجني مقابل عملك. إنتج! وسوف تستهلك لإرضاء غرورك كإنسان في المقابل. ولكن إن تكاسلت، لا تسأل أحد، لأنه لن يلتفت إليك أحد، وسوف تعيش فقيرًا وتموت فقيرًا مثل منتَج ضعيف لم يقو على المنافسة أمام المنتجات الأجود والأقوى. ليس بالضروري أن تكون واعيًا تمامًا بآليات السوق الحرة أو الرأسمالية أو حرية التجارة العالمية لكي تنتج وتستهلك وتتفوق، إنما مدركيها، ثقافةً وتطبيقًا، هم قطعًا الأذكى والأقوى؛ لأن، مرة أخرى وأخيرة، الرأسمالية تاج فوق رؤوس الأذكياء.
“Capitals are increased by parsimony, and diminished by prodigality and misconduct.” **
Adam Smith, An Inquiry into the Nature and Causes of the Wealth of Nations, Book II, Ch. III, page 143, Modern Library Edition, New York
16 تعليقات على الرأسمالية تاج فوق رؤوس الأذكياء
عزيزي
يعجبني أسلوبك
ويقينك
رغم الاختلاف معك
…..
ولكن هذا حديث أخر
فعلي أن أتابعك أكثر
احتراماتي
متميز ومثير للتفكير استمر بالابداع
أشكركما صديقيّ طارق ووميض. الاختلاف شيء شيّق، صديقي طارق، إذا تم في إطار من الاحترام المتبادل.
تحياتي
تبني أطروحتك على افتراضات أغلبها غير صحيح، و تقدم بعضها الآخر على أنها مسلمات.
مبدئيا، كتابات سمث و لوك و هيوم يجب النظر إليها في حدود النموذج الذي كانت تفترضه عند طرحها، و كذلك حدود المعرفة التي كانت متاحة وقتها، مثل الكتب المقدسة التي يؤمن بها المتدينون. لا شيء يصلح لكل زمان و مكان. كتبات الشوفينيين و العنصريين مسألة أخرى، و لا تنتمي إلى نطاق النماذج الاقتصادية التي طرحها هؤلاء السابقون، و الرابط الفكري بينهما ليس أصيلا و لا يقوم سوى على علاقة متخيلة قائمة على رشد اقتصادي خوارزمي يستبعد بطبيعته البشر الأغبى و الأضعف و الأقل شأنا، و هي علاقة وليدة ضلالات العنصريين، فلم يدفع به أي اقتصادي ممن ذكرتهم، و بخاصة المتأخرين من أمثال ملتن فريدمان بأن الرُّشد الاقتصادي هو إجابة حدية لأي مسألة، بل فقط بأنه “مُحتمل الصحة”. أي عالم يُدرك أن نموذجه ليس محاكاة كلية للواقع.
فإن أخذنا هذا في الحسبان وجدنا أن واقعنا يُبين لنا أنه توجد متغيرات عديدة لا تأخذها تلك النماذج الاقتصادية الكلية الكلاسيكية في الحسبان، و هي مسائل مطروحة دوما للبحث على موائد الاقتصاديين ا لمحترمين. وحدها الدعاية الرأسمالية الديماجوجية تصور أن لديها نماذج تحل كل المسائل يا عزيزي.
على سبيل المثال لا الحصر، لم تبدأ مفاهيم المحاسبة البيئية و محاسبة الاستدامة في الظهور سوى في العقدين الأخيرين، كانت قبلها الشركات تستغل الموارد الطبيعية كا،ها بلا ثمن، و بالتالي كانت مثل الطفيل الذي يقضي على عائله. و لا أظن أنه يُمكن إنكار أهمية تلك المتغيرات في أي نموضج اقتصادي، و لو حتى من باب المنفعة المادية المباشرة، و بعيدا عن أي مثاليا أخلاقية قد نختلف فيها.
كذلك فإن معيار نوعية الحياة الذي يقترن بالدخل السنوي الإجمالي للدولة وضح فشله. هل بي حاجة لتوضيح أن مجتمعات عديدة لا تنساب فيها ثمرة الإنتاج الاقتصادي للمستويات الدنيا من البشر الذين لولاهم ما كان يمكن لتلك المؤشرات الاقتصادية الكلية أن تصل إلى ما وصلت إليه؟
و غير صحيح ان الشركات الكبرى تختار اﻷفضل لأداء الأعمال بغض النظر عن الجنس و اللون، و العوار في اختياراتها متعدد الأبعاد: عادة ما تكون الشركات الكبرى متداخلة مع حكوماتها الأم، و حكومات أسواقها الأهم في مستويات عدة، مما يُحتم اختيار أفراد القادرين على التواصل مع تلك الحكومات على أفضل نحو، و في حين قد تدفعُ بأن هذا في حد ذاته نجاح و تطبيق م باشر لنظرية اختيار الأصلح للمهمة، فإن الواقع أن الاختيارات تظل تحكمها مسألة انتماءات الجنسية و الولاء الوطني و هي مُحددات لا يُمكن التأهل لها و اكتسابها، هذا إن قبلنا مرحليا و لأجل الجدل أن الفرص تكون متساوية أمام الجميع من الأصل و أن الأغبياء فقط هم من يضيعون فرصهم و لهذا لا تحق لهم الشكوى. كل من عمل في شركة عالمية عابرة للقارات بدرك تماما أن المستويات الإدارية العليا قصر على أبناء الوطن الأم للشركة، تزداد صرامة هذا المعيار و تنخفض مستوى وجوبيته في سياسات الشركات التي تعمل في صناعات استراتيجية.
كما أن سلوك الأفراد داخل الشركات تحكمه نفس محددات السلوك البشري التي تحكم حركة الافراد في المجتمعات، بمعنى أن المدير قد يختار المساعد الذي يضمن ولاءه، و المديرة قد تختار الشاب الذي يعجبها جسديا، و الموظف سيكون عليه التصدي لخوازيق زملائه الطامحين في تقليل المنافسة بقدر الإمكان. و ضاع الرشد الاقتصادي يا ولدي. أنت تنتقد معاييرا أخلاقية تراها غير واقعية و لا عملية، و عاطفية غير رئيدة، و تتصور ان آليات التفاعلات الاجتماعي داخل الشركات ستختلف عما في المجتمعات الأوسع أو الحكومات أو عشائر المجتمعات التقليدية!
الاقتصاديون يدركون كذلك أن سوق المنافسة الكاملة هو نموذج افتراضي لا يتحقق أبدا، و بالتالي فإن ادعاءات المساواة الكاملة في دخول السوق غير صحيحة، لا على مستوى الأفراد و لا الجماعات.
مثال آخر، في معظم الشركات الدولية لا تتساوى أجور الرجال و النساء العاملين في نفس الأدوار و المستويات التنفيذية، و تزداد صعوبة ترقي النساء في الوظائف، مما يدعو الجميع إلى الاحتفاء بتبوء امرأة المنصاب التنفيذية العليا في الشركات، لأنها مسألة نادرة و عسيرة التحقق.
هنا يمكننا إما أن نتطرق إلى نقاش الداروينية الاجتماعية، أو أن نلزم حدود أطروحتك الأصلية، حسبما فهمتها.
افتراض أن المشروعات الاقتصادية ستكون اختياراتها دوما هي اﻷفضل ينكره العالم الذي نعيش فيه اليوم، فمن شركات أدارت مستعمرات بالوكالة عن الجيوش التي غزتها، إلى شركات تجاوزوت حدود الأخلاق و القانون بكثير لتمنع اكتشاف فظائع ارتكبتها في حق البشر و البيئة، ليس فقط في حق أمم قد ترى أنت أنها أغبى و أتعس من أن تنافس اﻷأمم الأذكى، و بالتالي فهي كذلك لا تستحق الرثاء لها، بل كذلك في حق الأمم التي خرجت منها تلك الشركات.
حتى اتخاذ الاستهلاك كمعيار للنجاح الاقتصادي لم يعد اليوم مقبولا بهذه البساطة في العالم. فالأمم الأكثر استهلاكا ليست بالضرورة هي الأكثر تقدما اجتماعيا، و أنماط الاستهلاك لا تقتصر على مؤشرات الحجوم، بل يوجد كذلك معيار الكفاءة، و إلا لكان علينا أن نقبل الدعاية الحكومةي الفجة التي تقيس إنجازاتها بقدر ما أُنفق على المشروعات من ثروة، و ليس بمقدار ما ستحققه تلك المشروعات من وفورات و تسده من حاجات، و هي بهذا تتجاهل
إن اليمين السياسي ليس دالة في اليمين الاقتصادي و حسب، بل توجد متغيرات أخرى في المسألة، مثل تصاعد قيم القومية و معاداة الأجانب (مع أن الأجانب في بلاد المهجر حسب نموذجك هم الأرشد اقتصاديا لأنهم يعملون بأجور أقل)، و مركبات أيديولوجية أخرى. نحن في منطقتنا نعيش في مجتمعات يمينية أيديولوجيا و سياسيا لكنها لا تحقق الازدهار المطلوب؟
و ليس صحيحا أن اليمين الاقتصادي مرتبط شرطيا بالحريات الاجتماعية، و إن كان لنا أن نضرب مثالا بالرحيات المدنية و الاجتماعية اليوم فإننا نجد أنها تتحقق في الدول الاسكندنافية التي تتبى في معظمها سياسات أقرب لليسار الانقتصادي منها إلى اليمين الاقتنصادي على النمط اﻷمريكي، و لذا يتندر العالم على العوام الأمريكيون الذين يرون فيها شيوعية كافرة ملحدة، و على النقيض من ذلك نجد أغلب الغرب الأوسط الأمريكي المحافظ أخلاقيا رجعي القيم يعيش في قلب نظام يُفترض أنه يميني اقتصاديا في حين أنه في الحقيقة لا تخلوا حملات الفلاحين الامريكيين من طلب المعونة و الحماية و الدعم من الحكومة، التي بدورها لا تمتنع عن تقديمه إليهم في أغلب الأحوال، بدرجات متفاوتة حسب الظرف السائد.
و هنا نعود إلى سؤال أساسي؟ ما الهدف الشركة أم مخرجاتها؟ هل يُفترض بالشركة أن تفيد نفسها و من يعملون فيها و يقدرون على تسلق درداتها السياسية التنفيذية و حسب، أم أنها مجرد وسيلة لتنظيم العمل و تعظيم المخرجات؟ و إن كانت الأولى فكيف تختلف الشركة عن الدولة و الانتماء إليها عن الانتماء القومي الذي تبشر بزواله؟
أظنك تعلم، فإن سيناريوات المستقبل الكابوسية لا تقتصر و حسب على عوالم تسودها الدولة الشمولية المركزية على الطراز السوفييتي التي تقهر حرية اﻷافراد و تستعبدهم في آلة جبارة، بل كذلك تضم نماذج تكون فيها السيطرة لشركات شبه كليّة القدرة لا تقيم وزنا لأي قيم سوى استمرار وجودها نفسه، مثلها مثل الحكومة الشمولية.
ماذا ترى؟
عزيزى احمد غربية
من البداية يتضح انك منطلق من مفاهيم قيمية مغايرة للتى ينطلق منها احمد زيدان وانا ايضا. وبالتالى فأن كل منا يأتى من خلفية قيمية تختلف عن الاخر.
فكما هو واضح انك لا ترى غضاضة فى حجم الدولة وترى انه يمكن ان يستقيم حجم الدولة الكبيرة و حريات للافراد. كما هو مذكور فى مثالك عن الدول الاسكندافية
ولكنك يا عزيزى لم تبلغنا، لماذا تتدخل العديد من الدول الاوربية فى تحديد حريات الافراد؟ فعلى سبيل المثال لا الحصر تجد ان فرنسا وهى احد دول الغرب الاوربى تحد من حرية الملبس ؟ ودولة مثل سويسرا تحد من حرية الملكية؟ وبالرغم من ان الوسط الامريكى “رجعى القيم” على حد تعبيرك لم يقم بأى من خطوة على هذا النهج الذى تقوم به الدول ذات الاغلبية “متقدمة القيم”.
واذ ارى ان اليمين الاقتصادى يفرض بدورة مساحة اكبر للافراد منها للدولة للتدخل فى حرياتهم المجتمعية، وفى ذلك العديد من الامثلة على مدار التاريخ. بداية مما نعيشة الان فى ظل ان الدول ذات الحجم الاكبر فى تدخل الاقتصادى تفرض على مواطنيها العديد من القيود فى الحريات المجتمعية، بداية من انجلترا فى سياسية تدخل الدولة فى التأمين الصحى خاصة سياسية الدولة فى سرطان الثدى، مرورا بالتشريعات التى ارتداء ملابس دينية فى اماكن عامة، انتهاءا الى منع بناء المأذن فى سويسرا. وبما اننى احد اشد المؤيدين لوجهة نظر فريردك فون هايك فى كتابة “الطريق نحو العبودية” ووجهة نظرة فى ان الطريق الى العبوية يبدأ بتدخل الدولة فى الحريات الاقتصادية. انتهاءا الى الامثلة اليسارية وهى كثيرة حتى لا نستطيع حصرها من تدخل الدولة فى الحريات الاقتصادية الذى انتهى بدول شمولية ادت الى فقدان الافراد لكافة الحريات المجتمعية.
رجوعا الى بداية تعلقيك على انه ينبغى ان نأخذ نظريات كل من سميث ولوك فى الاطار الزمنى والحدود المعرفية لكل منهم، وانتقلت بعدها الى ان “كتابات الشوفينين والعنصريين” -وفى الحقيقة لم افهم من تقصد بالعنصريين والشوفينين- لكن ما اود ذكره هنا ان الادبيات لفكره اقتصاد السوق لا يعنى ان نتركها ونحددها فى زمنها وهو امر اتفق معك فيه وهو انه لا ينبغى علينا اخراج مضمون هذه النظريات من الاطار الزمنى الذى طرحت فيه، ولكن ذلك لا يعنى بالضرورة فساد هذه النظريات خاصة وانها النظريات الوحيدة التى اثبتت انها قادرة على الاستمرار نظرا لكونها اقرب الى الطبيعة البشرية. وبالرغم من ذلك هناك نظريات اقتصادية حديثة وواضحة للعيان والمهتمين بامور اقتصاد السوق، وهم على سبيل المثال المدرسة النمساوية مرروا بالمدرسة النقدية مدرسة شيكاجو انتهاءا بمدرسة جانب العرض. فكل هذه المدارس يا عزيزى تقدم حلولا للمشكلات التى تنشأ نتيجة النظرية الاصلية وهى اكبر مساحة للافراد واصغير مساحة للدولة.
واذا رجعنا الى مثالك فى مفاهيم المحاسبة البيئية ومحاسبة الاستدامة، -بالرغم من اختلافى الكلى لفكرة ان يكون للدولة الحق فى التدخل للحفاظ على البيئة او غيرها من المفاهيم التى تستخدم كل عقد من الزمان لاحداث هلع عام واستخدام هذه الوسائل لفرض قيود من الدولة على مساحة الحرية الاقتصادية للافراد- حتى الحلول التى اقترحت لهذه التساؤلات كانت من رحم النظريات الاصلية وهى ان كل السلع التى تطرح فى السوق تباع وتشترى ولذلك فأن هناك قيمة للاستغلال البيئة وهناك قيمة لكل يجب ان تدفع نتيجة لنسبة التلوث التى تنتجه هذه الشركات وتقوم او ان هناك نسبة محددة للتلوث لا يجوز ان تزيد عنها وتتحصل الدولة على قيمة هذا التلوث ليعود بعدها بطريقة او بأخرى للحفاظ على البيئة!
رجوعا الى تعلقيك على ان الشركات نفسها لاتختار الافضل. لنقل فرضا ان الشركات تتضمن الشر كما تشير فى مضمون تعليقيك ، رغم ان ذلك ليس صحيحا فى مجمله، ولا انكر ان هناك العديد من الشركات والتى تعمل فى ظل انظمة اما نظم شمولية او سلطوية وتعمل على ان تكون علاقتها بالحكومات على افضل ما يكون حتى تستطيع العمل ولكنك ايضا يا عزيزى لم تحدثنا عن وضع نفس البشر دون هذه الشركات؟ وهل توفر لهم بالفعل هذه الشركات حياة افضل ماديا ومعنويا ام لا؟ وهناك العديد و العديد من الامثلة التى يمكننى ان اسوقها اليك تثبت ان هذه الشركات توجد حياة افضل للعاملين بها وللمجتمع بشكل عام مقارنة بالحكومات والانظمة ذاتها.
رجوعا الى مثالك عن ان الشركات لا تختار الافضل وانما تختار القادرين على التواصل مع الحكومات، عزيزى اذا كان المطلوب فى الوظيفة الافضل فى التواصل مع الحكومة اذا فهى بالفعل اختارات الافضل للوظيفة، اذا كانت الشركة تريد افضل فرد يستطيع التواصل مع الحكومة فهى بالفعل تختاره قد يكون حكمك على الامر انها فى تعاملها مع الحكومات امر غير اخلاقى وهذا يرجع بالاساس للمنطلق القيمى التى تنطلق منه والذى نختلف عنك فيه.
اما عن كون ان هناك شركات قامت بأفعال مشينة اخلاقيا، فلا اعتقد ان هناك ليبراليا يمكن ان يوافق على اى من الامور التى تقوم بها اى فرد او شركة او مجموعة افراد وتكون مشينة اخلاقيا، فقط علينا ان نتفق على ان الامر فى حد ذاته لا اخلاقى وليس فقط رفض لافكار ليبرالية.
نهاية وجهة نظرك ان المستقبل تسوده افكار من سيطرة الشركات المتعددة الجنسيات او دول شمولية بالرغم من انى مختلف مع هذه الرؤيا الا اننى لا ارى حلا لها الى استمرار العمل على تقديم وجهات نظر تحمل افكار الدولة الصغيرة.
عزيزي محمود فاروق،
مع قرائتي تعليقك في أوله تساءلتُ عما تعنيه “بحجم الدولة الكبيرة”؟ كبيرة المساحة؟ كبيرة الناتج القومي؟ كبيرة السكان؟ كبيرة النفوذ في حياة أفرادها؟
كما بحثت فيما كتبتُ عما استنتجت منه أني مؤيد لحجم الدولة الكبيرة، و علاقة ذلك بالدول الاسكندنافية (من أي نحو هي كبيرة؟)
من نهاية تعليقك استنتجت بأن ما تقصده هو تقليل دور الدولة في حياة اﻷفراد. أي “الدولة الحارسة”، و هذا هو ما أويده أنا بدوري، على أسوأ تقدير، فربما لم أوضح، لكني غير معني بتاتا بالدولة و لا أدافع عن وجودها.
ما أدفع به هو أن الشركة التي تتصرف بلا قيود ليست بديلا جيدا، و لا هي البديل الوحيد الممكن للدولة، و أنها لن تكون أفضل منها. ما أطرحه هو أن تصرفات الشركة يجب أن تحكمها منظومة قانونية و رقابية من المجتمع الذي تعمل فيه، و أن الرُشد لا يمكن أن يتحقق بمعايير “اقتصادية” و حسب.
ما أدفع به كذلك هو أن زيادة الإنتاج و الاستهلاك و تعظيم دورات رأس المال إن اتخت أهدافا في حد ذاتها ليست معيارا على التقدم و لا محفزا له و لا هي وسيلة لتطوير المجتمعات، و لا ضرورية و لا مفيدة.
لكن إن عدنا إلى أسئلتك عن تدخل الدول الأوربية في تحديد حريات الافراد، و لأجل الجدل – فطبيعة أمريكا كدولة تقدم ذاتها على أنها مهجر متعددة الثقافات تختلف جذريا عن سوسيسرا و فرنسا، التي كانت تتوقع فرنسة مستعمراتها فإذا بالمستعمرين يمغربونها. تطوّر تاريخي مختلف، و تركيب سكاني مختلف، و نظام حكم مختلف. و مع هذا فالتغيرات التي تشهدها أمريكا اليوم و زيادة دور الدولة ليتجاوز الدور التقليدي الذي كانت تقوم به فيما يتعلق بما تراه حماية لها من العالم الخارجي يجعل من المبكر التيقن بأن أمريكا لن تشهد تغيرات مثل التي تشهدها دول أوربا التي تشعر بالتهديد من المهاجرين.
مقالة غثة تماما و غوغائيّة في ثوب الحكمة و الاتزان، لا تعكس أي قيم أو أفكار قيّمة من أي نوع، باستثناء نرجسية كاتبها و زيفه و غروره، و لا أفهم كيف تورطت شخصيات محترمة مثل أحمد غربية و فاروق في الجدل حولها بهذه السهولة؟! أنظروا كيف يتحدث زيدان عن نفسه “نظريتي حول الاستهلاك الكبير”؟! و “انتظروا مقالتي العظيمة عن اقتصاديات التمييز؟ و أنا لست فقيراً و أقود سيّارة”؟! أنت في حالة سيئة جدا من الشعور بالانحطاط، و ثقافتك كلها ليست معبرة عن واقعك و لا واقعنا، الجميع يعلمون أنك لص أفكار لا أكثر و لا أقل، و أنك تريد تقليد مدحت محفوظ الذي يتحدث عن عاطف عبيد بصفة (اللي ما يتسماش) و عن أوباما بصفة (العبد الأسود أبي امه) فلا تتحدث عن اليسار و تصف اليساريين بصفة (إخوانا البعدا). أنت جاهل و غوغائي، كيف تتحدث عن حي السيدة زينب بهذا الاحتقار و تقارنه بحي جاردن سيتي بينما أنت خارج من واقع متدن إلى هذا الحد؟ أنت لا تفهم كيف أنّ الأحياء القديمة بالقاهرة تحوي اكبر العائلات العريقة من الطبقة الوسطى العليا و العليا ممن صنعوا الاقتصاد الحقيقي، و أنهم يحافظون على بيوتهم الأصلية طوال الوقت و يعودون إلى جذورهم في القاهرة القديمة في السيدة زينب و الغورية و شبرا و غيرها، انت لا تفهم هذا لأنك وضيع الأصل و بلا جذور، و تعاني بسبب ذلك و تحاول الظهور بمظهر الغني عن طريق تبني أفكار يمينية بينما الكل يعلمون أنك مفلس و مرتزق أفكار، تخرجت من مدرسة حكومية و أن أبوك و أمك مجرد موظفين رديئين على المعاش، تدعي أنك من سكان المعادي بينما أنت تقطن أسوأ أطرافها، أنت لا تعرف الرأسمالية يا صاحب الأفكار المنقولة و المسروقة و المجمعة لأنك لا تمارسها، لا أنت و لا أي من أسرتك يمارس الرأسمالية، تحدّث عن عائلتك إن كنت تجرؤ، لكنك لا تجرؤ لأن عائلتك متواضعة، ولو كنت تمارسها لأدركت عيوبها و أنها ليست بهذا النقاء و أن استمرار الرأسماليات الكبرى و الرأسماليين العظماء مرهون دوما بالتنازلات التي يقدمونها للمجتمع من تبرعات و رعاية و اهتمام، و لفهمت أيضاً أن اليساريين الكبار في مصر و العالم لم يكونوا دائماً فقراء و إنما كان منهم من تركوا عائلاتهم الثرية من أجل مبادئهم، حتى أيان راند هذه الجائعة المسكينة، تعرضت لانتهاك شديد و فقر شديد أفسد نفسيتها و عقلها مما أدى بها إلى تبنّي موقف منتهكيها بالكامل المتمثل في الأنانية و الفردانية، أفكارها تصلح لأمثالك من الفقراء و المعوزين و الجوعى لأنها تساعدهم فعلا على بناء أنفسهم، لكنك لا تفهم أن الغني الممتليء و المُكتف بثروته، بالتعبير العامي الغني الـ”شبعان” عن أصل يعطي و يعطي و أن الشركات التي تستمر حقا هي الشركات التي تساهم في الأنشطة المجتمعية الخيرية و البيئية.
أحمد زيدان الطفل المعجزة نموذج فج للإنسان المريض بجنون العظمة و النرجسية، أنظر إلى نفسك! “الأفكار التي اكتسبتها في سن صغيرة ثم أثقلتها؟!” “الأدبيات الرأسمالية البديعة و القوية”؟! كل دي مجاملات مجانية لنفسك و لأفكارك؟! أنت لا تروج لأي أفكار و إنما تروّج لنفسك، بل و تجرؤ على نصح الآخرين في صورة الناجح بينما أنت مجرد محرر في موقع على الإنترنت، موقع ينضح بسذاجة الأفكار و الغثائية و الغوغائية و الكتابات الطفولية، و لعل أسوأ ما تفعله هو اختيارك الدائم لمقالات ذلك المختل مايكل نبيل الذي يعاني مثلك شعورا مروعا بالاضطهاد و الرغبة في لفت الأنظار، أنت تعاني شعوراً مروعا بالنقص بسبب وضعك الاجتماعي المتدني، أنت ملفق و مزيف و استعراضي، و تنتقي من وقت لآخر صحبة الفتيات الجميلات الغنيات كي تضيف لنفسك بريقا من خلالهن عبر إدعاءاتك الجنسية العجيبة، ولو أن اختيارك الحالي يدل على ذوقك الأصلي، لقد قرأنا نثر صديقتك الضحلة أنا و أصدقائي و تعليقاتك المجانية تحتها و متنا من الضحك، و استغربنا كيف عبثت برأسها إلى هذا الحدّ المخزي، لقد أجبرتها على الكتابة عن البكارة حتى تثبت للجميع غرضا في نفس يعقوب، أنت مهتز و تعس و لست واثقا كما تحاول أن توحي للآخرين عبر مواعظ الثقة في النفس و القدرات، و حين ترغب في التنظير يجب أن تخرج نفسك من الموضوع تماماً، لماذا لا تفهم؟! انا أتابع صفحتك من وقت لآخر منذ عامين كاملين من وقت لآخر على فيسبوك أنا و أصدقائي و نسخر من تدويناتك و صورك و ملابسك و استاتوساتك الاستعراضية المثيرة للسخرية .
المقال لا يستحق النقاش إطلاقاً، لكن ما دفعني إلى التعليق هو الانزعاج من زيفك، الكل ضجر من أمثالك الذين ابتلعوا الأبواق و راحوا يصرخون بها في أزقة الانترنت، لا نضج و لا ثقافة و لا جذور، أنت بحاجة إلى التصالح مع وضعك الاجتماعي و الاقتصادي، و تصفير قناعاتك ثم البدء في بنائها من جديد، بحاجة إلى معرفة ماذا تريد حقا من هذه الحياة بخلاف الاستعراض و التباهي الأجوف و التمويه و الادعاء، انت في آخر فقرات المقال الغث هذا لا تخطاب أحداً ، و إنما تخاطب نفسك “ستعيش فقيراً و ستموت فقيراً إن لم تؤمن بكذا و كذا” و هذا هو رعبك الأزلي .
عزيزى احمد غربية
اولا متشكر على ردك، فقد اوضح لى العديد من الامور، بالفعل انا اقصد الدولة الحارسة، وانا لم اتحدث يوما عن الشركات يمكنها ان تحل محل الدولة، فلكل اهدافة المختلفة، فالدولة لها ادوار محددة قد نختلف فيما بيننا على الدور الذى ينبغى على الدولة القيام به قد يزيد وقد يقل تبعا للتيار السياسى ومدى قربة او بعده عن السياسيات اليمينية. ولكن وبكل الاحوال لا اعتقد ان هناك من الليبرالين من يؤيدون ان تختفى الدولة من الوجود غير الليبرتارين وهو ما اختلف معه تماما. فطبيعة الشركة والدولة مختلفين بالاساس هذه قامت على تحقيق اكبر قدر من الربح وتلك قامت للقيام بالادوار التى لا يمكن ان يقوم بها فرد او مجموعة افراد ولاحتكار العنف.
وبالتالى فأن فكرة ان تقوم شركات اى كان حجمها بالاحلال محل الدولة فأانا اعتقد ان وجهة النظر هذه جانبها الصحة الى حد كبير.
اما فكرة الاختلاف فى الحالة بين دول اوربا وامريكا وانها تعود الى ان احدهما قائمة بالاساس على انها دولة مهاجرين وهو ما له طبيعة مختلفة فى التعامل مع الاقليات وغيرهم. انا مختلف مع التحليل بالاساس يا عزيزى قد يكون عنصر من العناصر ان الولايات المتحدة بطبيعتها دولة مهاجرين ولكن ذلك لا يعنى ان نتجاهل ان الدولة بالاساس بنيت على ان تكون دولة ليست لها مساحة طبيرة للتدخل فى حياة الافراد.
وذلك على عكس فرنسا على سبيل المثال. فالاسباب التى جلعت من دول اوربا تتدخل يوما بعد يوم فى حياة الافراد وحرياتهم هو انه لا يوجد تحديد ما هو المسموح للدولة ان تتدخل فيه ام لا و ما هى المساحة التى يسمح للاغلبية ان تتدخل فيها فى حياة الاقلية
فالدول فى اوربا فى معظمها ان لم يكن كلها تميل الى ان تتدخل الدولة فى التعليم والصحة والنقل والبطالة وتوقير حياة “امنه”بعد التقاعد وغيرها وغيرها وهو ما يسمح للدولة ان تتدخل يوما بعد يوم للحد من حرية الافراد فى المجالات التى تقدمها. وهذا ما ارفضة. واعتقد انه ينبغى علينا النقاش دائما فيما اذا كان ذلك يوفر بالفعل حياة افضل للافراد ام لا.
اخيرا فكرة انه من المبكر الحكم على انه من المبكر الحكم على ان امريكا ستشهد تغيرا فى الاتجاه ام لا، هذا يضعنا امام سؤال وما الذى يجعل الدول تتدخل بالاساس فى حياة الافراد. ما الذى يجعل الدول والانظمة تتحول من دول ليبرالية الى دول شمولية ؟
واذا توصلنا الى اجابات وقتها يمكننا ان نمنع حدوث ذلك. وهناك بالفعل العديد من الاراء والاسباب التى قيلت فى ذلك وهناك العديد من الاراء التى قيلت فى كيف نجت الولايات المتحدة من الموجة الشمولية التى ضربت العالم فى اوائل القرن الماضى. على كل الاحوال هذا نقاش طويل ربما جائت لنا فرصة يوما ما لنتحدث عنه مطولا
اشكرك مرة اخرى على ردك
كتبت يا محمد فاروق “قد يكون عنصر من العناصر ان الولايات المتحدة بطبيعتها دولة مهاجرين ولكن ذلك لا يعنى ان نتجاهل ان الدولة بالاساس بنيت على ان تكون دولة ليست لها مساحة كبيرة للتدخل فى حياة الافراد. ” و هذا أتفق معك فيه و أشرت إليه بما كتبت من أن أمريكا تشهد اليوم تغيرات يزيد فيها تدخلها في حياة الأفراد بما “يتجاوز الدور التقليدي الذي كانت تقوم به“، لكن أعترف أني لم أوضح هنا كذلك؛ عن تكاسل. ففعلا، نشأة الولايات المتحدة سياسيا كانت مرتبطة بالحريات و حمايتها و تقليل دور الدولة (مع أن هذا كان يمكن أن يتغير لو انتصر الجنوب المحافظ في الحرب الأهلية).
لكن هل تتحول الدول من ليبرالية إلى شمولية فعلا؟ لا أدري. لكن الديمقراطية يمكن أن توصل لأشي شيء. فإن كانت دول أوربا قد فتحت أبوابها للمهاجرين من منطلقات ليبرالية، فإن تزايد النزعة القومية و الخوف من الأجانب فيها قد يؤدي لوضع تؤدي فيه الديمقراطية إلى تحولها إلى دول أقل ليبرالية، أو فاشية، بدرجة ما أو أخرى.
لكن ربطك توفير الدولة بالحياة الآمنة بعد التقاعد و خدمات التعليم و الصحة المجانية بدرجة الحرية المتاحة للأفراد غير صحيح، لا نظريا و لا عمليا. فالدول الاسكندنافية مرة أخرى تصل لأقصى ما يمكن من الرعاية الاجتماعية دون تدخل يذكر في حياة الأفراد و حرياتهم المدنية.
حتى بريطانيا التي تراقب فيها الحكومة الجميع بكاميراتها لا تنتهك الحريات الخاصة للأفراد منهجيا.
عفوًا للعزيزين غربية وفاروق على تأخري في الردّ، ولكن هذا لا يعني عدم متابعتي لحواركما الشيّق. وأتذكر أنني تحدثت مع غربية عن أمور ذات صلة في الآرابيكاست الرائع الذي سجلته معه، ولكن لم يحالفنا تسجيلًا صوتيًا جيد للأسف! حلقات الآرابيكاست الآن تسجّل بصوت أفضل مما كان عليه في الماضي.
سوف أعود إليكما هنا لأردّ عليكما قريبًا جدًا لانشغالي تمامًا الآن، وعفوًا مرة أخرى عن التأخير!
سنة سعيدة عليكم جميعًا!
عزيزى احمد غربية
بداية انا مازلت مختلف معك فى ان الدولة عندما توفر الخدمات لا تأخذ من الحرية الفردية للمواطنين، ولكنى ساعود لها فى نهاية تعليقى.
بداية ردا على سؤالك حول ما اذا كان يمكن للدولة ان تتحول من ليبرالية الى شمولية، نعم يا عزيزى التاريخ لم يشهد ولا دولة شمولية او نظام شمولى دون ان يسبقه نظام ليبرالي فالمانيا على سبيل المثال لا الحصر كانت فى اوج حضارتها فى جمهورية فايمار وخرج من رحمها المانيا النازية، ومصر التى كان بها نظام مشوه لليبرالية انتج نظام مشوه للشمولية لم يكن كلاهما ناجح، ولكن على المستوى النظرى كان هناك نظام ونخبة ليبرالية استبدلت بنظام شمولى فى ٥٢. ان الشمولية فى حد ذاتها لم تظهر الا ردا على الليبرالية وعلى قصور فى الافكار الليبرالية، لم تعالج حتى يومنا هذا.
رجوعا الى ان الولايات المتحدة وفكرة ان الدولة تقوم بادوار مخالفة لما بنيت عليه، اتفق معك فى ذلك. وهذه ليست المرة الاولى فالولايات المتحدة مرت بتجربة مشابه للتجربة الحالبة وهى تجربة (new deal) ولكن نظرا لكون الدولة فى حد ذاتها مختلفة فى الافكار السياسية التى تطرح مع ووجود تيارات قوية تنطلق من فكرة ان ( الدولة شر لابد منه) فهذا جعل ان تظهر الجماعات المحافظة مع رونالد ريجان وظهورها بقوة فى ثمانينات القرن الماضى والعمل على تحجيم وتصغير حجم الدولة بشكل كبير وهذه الافكار مطروحة بقوة فقط فى الولايات المتحدة وبريطنيا وهو ما لا يقارن باى حال من الاحوال مع دول اوربا التى تنطلق اغلب التيارات السياسية المسيطرة على انه ينبغى على الدولة ان توفر حياة امنه او رفاهة للمواطنين .
رجوعا الى ان الدول الاسكندافية بها مساحات كبيرة من الحرية الفردية والدولة تقوم بالعديد او تقريبا بكل شيئ، بالرغم من اننى من غير المؤيدين للاخذ بالامثلة لاننى من المؤيدين على اصل الامور لا على الامثلة و على اصل الافكار دون امثله التطبيق
على كل الاحوال، يمكن ان يكون صحيحا ان الدول الاسكندافية لم تقم بأى خطوة فى ذلك الاتجاه ولكنك يا عزيزي لا تستطيع ان تنفى ان هناك تيار قوى داخل هذه المجتمعات يبث حالة من الرعب حول فكرة وجود مسلمين فى هذه الدول، بالاضافة الى ان المسلمين يتعاملون مع هذه الدول على انها ليست دولهم وهذا الشعور لا يمكن ان تجد مثله فى الولايات المتحدة. هذا اولا
اما ثانيا: لا تنكر يا عزيزى ان هناك بعض الدول بالفعل قامت ببعض الاجراءات والتى لا يمكن ان نتخيلها فى وجود دوله تضم اغلبية “متقدمة القيم” على حد تعبيرك، فدولة مثل سويسرا يا عزيزى لا يمكن ان نعزل ما تم عن السياق العالم الموجود فى اوريا “المتقدمة القيم” عن حجم الدولة. فنظرا لانه لم يكن هناك من البداية حجم للدولة لا يجب عليها ان تتخطاه فنجد ان تدخل الافراد او تدخل الاغلبية من خلال الدولة فى حريات الافراد لا حدود له وهذا يا عزيزى بداية الدول الشمولية.
اضافة الى ذلك لا يمكننا ان نقلل من الاطروحات الدائمة والموجودة فى اوربا بالاساس عن زيادة حجم وتعداد المسلمين، المسلمين بالاساس وليس المهاجرين، وهو ما يتم اساسة زيادة مساحة التدخل فى حريات الافراد والانتقال بعدها لنجد انفسنا بين ليلة وضاحها امام شمولية اخرى.
i think this video might help to let you get what i mean
http://www.youtube.com/watch?v=mkz9AQhQFNY
مايحصل اليوم هو احتجاج ضد النظام الراسمالي، لان المسالة تتعدى زيادة الاجور وهي تراكم عمره حوالي 15 سنة من الحياة الفعلية ومناهضة الحروب وتقسيم العالم
http://www.alalam.ir/news/764724
ذكّرني الأستاذ منعم بهذه المقالة، والتعليقات التي لم أرد عليها بعد. أولًا، عذرًا لعدم الرد في وقت مناسب، وثانيًا كان للزميل محمود فاروق تعليقًا مطولًا وتساؤلات على هذه النوت على موقع فيسبوك، وعندما ذهبت لأرد عليها، لم أجد التعليق. قد يكون حساب محمود القديم أُغلق، وهو ما يزيل معه كل التعليقات. على العموم، أنا مازلت موجود، إذا كان لديك نفس التحفظات، أو التعليقات، أرجو كتابتها مرة أخرى، ولو أني أعلم كم أن كل منّا منشغل في شيء. أنا أتذكر جيدًا أن أول تعقيب لك كان حول خلط ريجان مع رون بول، بحكم أن الأول محافظًا اجتماعيًا مقارنةً بالثاني، والذي يصف نفسه بأنه ليبرتاري.. ما ربط ريجان مع بول في بداية هذه المقالة هو آرائهما الاقتصادية، وليست السياسية أو الاجتماعية. اعذرني إذا لم أتذكر تعقيباتك الأخرى، ومازلت أود مناقشتها معك مرة أخرى ولا شك.
أما الزميل غربية،
يبدو أننا ننطلق من قواعد مختلفة مثلما أشار محمود، ولكن لا مانع إطلاقًا من النقاش المثمر.
النماذج النظرية لم تكن يومًا لا حدية ولا محاكاة كلية للواقع، ولم أعتقد أن أي دارس أو باحث اجتماعي قد أقر يومًا بهذا. إذا كانت كتابات سمث وهيوم حاكت واقعهم، وليس واقعنا، فلا غروّ من قرائتهما والاستفادة بخبراتهما، على الأقل في النسق الفكري لحل المشاكل الاقتصادية، وليس في الحلول نفسها.
ولكن لا أريد النقاش أن ينحى إلى جانب تنتقص فيه المختلف بأنه عنصري أو شمولي أو شوفيني أو ديماجوجي. معظم من ذكرتهم لم يكن قوميًا ولم يهتم بأي مسألة قومية، إلا لو كنت تتحدث أنت عن شوفينية من نوع آخر كشوفينية العِرق أو الجنس مثلًا… لم أقل أن الرأسمالية في حد ذاتها هي الحل لكل المشكلات، فهي ليست عصا سحرية، ولكن مرة أخرى، النسق الفكري “الحر”، وأنا أدعي أن الحرية هنا هي حرية الفرد من شمولية الدولة وهيمنتها على الاقتصاد. وأعتقد أن الحرية الاقتصادية تسبق الحرية الاجتماعية، لأنك كونك مالك لأدوات إنتاجك، أو عامل بعقد وافقت عليه بمحض إرادتك، يجعلك حرًا اقتصاديًا ومن ثم حرًا اجتماعيًا وثقافيًا، لأن الدولة التي تتحكم في وسائل الإنتاج هي حتمًا سوف تقف حائلًا وحريات الأفراد، لأن الدولة الكبيرة تتوسع وتتوسع حتى تبتلع حريات الأفراد ومن ثم الأفراد أنفسهم.
كونك تصف الرأسمالية بالديماجوجية، فهذا سيضعنا في حلقة مُفرغة، لأن بالنسبة لي، توصيف يساري أو شيوعي في القرن الحادي والعشرين هو توصيف ساذج جدًا، ولكني لن أنشر هذا في مقالة، لأنه يعتبر رأيًا ذاتيًا وشخصيًا جدًا، وليس له معيار قيمي بقدر معياره الذاتي.
أن تطالب الدولة برعايتها للاقتصاد، وفي نفس الوقت تطالب بحريتك الفردية، أدّعي أن هذا عد اتساق وتضارب مصالح، لأن ما أفهمه أنا هو إما أن تكون مع الدولة على طول الخط، يعني أن تحرس المال والاقتصاد والأخلاق والدين والوطنية… إلخ… أو أن تكون مع مفهوم الدولة الحارسة أو حتى انعدام وجودها على طول الخط، لا تطالب بتدخلها اقتصاديًا ولا أخلاقيًا، أما أن تطالب بتدخل الدولة اقتصاديًا، بينما تعفيها من “مهامها” التي نصبتها أنت لها أخلاقيًا، فهذا اختلاط وتشوش بالنسبة لي.
أنا لم أتحدث عن المثالية الأخلاقية، وفي نفس الوقت لم أتحدث عن التعدّي على الآخر أو حقوقه، وتلويث البيئة من قِبل أي شركة أو فرد هو اعتداء على حقوق كل الأفراد المحيطين بموقع الشركة أو موقع التلويث، بل وقد يتعدى هذا الضرر لما لا يمكن حصره. بل وكل الأدبيات الرأسمالية التي ذكرتها تنفي تمامًا وقوع أي ضرر على الآخر، من جراء مكسبك أو منفعتك، لأن مكسبك لن يوضع تحت بند مكسب إذا تم الاعتداء على الآخر، بل يندرج تحت بند الاعتداء.
أما عن “انسياب” الثمرة الاقتصادية كما أشرت للطبقات الدنيا، فهذه نظرة شمولية للأمور، تختلف كليًا عن نظرتي الفردية للأمور. أنا لم أذكر على مدار أي مقالة كتبتها غير أني أعتقد في أنه من المفترض أن يتقاضى كل عامل حقه تمامًا بلا زيادة ولا نقصان وحسب العقد المبرم بينه وبين صاحب العمل.
أنا لم أذكر في أطروحتي أن الأرشد هو من يتقاضى راتبًا أقل، وموضوع الرواتب يرجع أولًا وأخيرًا للسوق، وليس للمنتج نفسه، فلعبة مثل “Angry Birds” حققت أرباح خيالية، ويزيد الطلب عليها يوميًا، سوف يتقاضى مبرمجها ضعف مبرمج ابتكر لعبة أعقد وقضى في صنعها وقتًا أطول مثل “Hulk” مثلًا، ولكنها لم تحقق نفس النجاح. قس على ذلك منتج آبل، ومنتج آخر HTC أو Samsung
و هنا نعود إلى سؤال أساسي؟ ما الهدف الشركة أم مخرجاتها؟ هل يُفترض بالشركة أن تفيد نفسها و من يعملون فيها و يقدرون على تسلق درداتها السياسية التنفيذية و حسب، أم أنها مجرد وسيلة لتنظيم العمل و تعظيم المخرجات؟
الإجابة هو أن دور الشركة متصل، يصل بشقيّ سؤالك.
Pingback: عنِ العَرَق ولا مبالاتي | آورانچوس