(الطريق الى أرض الدلنـــج)
“مرحبا بكم في محلية الدلنـج ” هكذا حدثت نفسي بعد رحلة دامت عشر ساعات بعيداً عمن تركتهم خلفي في الخرطوم .. شكرنا مساعد السائق ونحن في طريقنا إلى الترجل من البص ولكنه كان مشغولا بستائره الأثيرة فلم يكلف نفسه عناء الالتفات ورد التحية.
وللمساعد وستائر البص قصة طريفة ، حيث ما كدت استقر داخل البص وكلي شوق لرؤية الطريق إلى الدلنج الذي لم أره من قبل حتى أتى المساعد بكل همة ونشاط وبدأ في إسدال الستائر دون استشارة أي راكب/ة ، وعند وصوله إلى ستارتي اخبرته – بكل ظرافة – من فضلك أود النظر من النافذة فـــدع عنك وضع الحواجز بيني وبين طريق أنا وهو على موعد … هل توقعتم كيف انتهى الحوار ؟؟؟
اعتقد نعم بعد مجادلة و(تحنيس) سمح لي بمساحة صغيرة من النظر لأتبادل الحديث خلسة مع رفيق موعدي .
تقع الدلنج في غرب السودان وللوصول اليها عليك أن تسلك/ي طريق النيل الأبيض مروراً بالقطينة وعسلاية حتى ربك ثم كوستي… حيث الطبيعة الجغرافية هناك هي أراضي السافنا الفقيرة لذلك تجد/ين اغلب هذا الطريق تزينه شجيرات نحيلات صائمات في انتظار عيدهم الخريفي ليفطروا من رزق الله بأمطار تزيدهم بعض الانشات طولا وتهديهم ألوان زاهية ليزدان عيدهم بها .
بداية من تندلتي وصولاً إلى الدلنج تتحول طبيعة الأراضي إلى خليط من السافنا الفقيرة والغنية لذلك من الأشياء المدهشة التي تجذبك إلى الدلنج احتوائها على عدد كبير ومتنوع من الأشجار مثل الدوم ، التبلدي ، شجر ابيض وأنواع أخري عديدة أحزنني جهلي بها ، ويعتبر شجر ابيض من الأشجار المحمية الطبيعية وممنوع قطعه منعا باتا ويرجع اسمه إلى لون جذعه الأبيض .
المساحات الفارغة في الطريق مذهلة حيث يمكنك أن تغفو/ي ثم تصحو/ي لتجد/ي بعض القطاطي المتفرقة متناثرة هنا وهناك لتطمئنك أنت وراكبي/ات البص أنكم/ن لستم/ن وحدكم/ن تماماً .
هناك قرى لم أسمع بها من قبل وقرى لم تحظ بأسماء ( أو ربما لا توجد لافتات للإعلان عن أسمائها ) ولا تسعفني الذاكرة حالياً لتذكر القليل ممن أنعم عليهم بالتسمية ، ربما لأن وجه الشبه في كلٍ هو القطاطي … والمسافة ما بينهم وبين الطريق الاسفلتي كبيرة كشوقهم لشبكة مياه تغنيهم عن انتظار المطر أو ركوب الحمير لمسافات طويلة للحصول عليها من المضخات أو شرائها بمبالغ كبيرة رغم القليل الذي يجنوه .
فبالله عليك إذا تكرر عليك مشهد حملهم ( لجركانات الموية ) الفارغة كثيرا فلا تدعه/يه يعكر عليك صفوك حاول/ي أن تنشغل/ي عنهم/ن بالتمتع بالفيلم المعروض علي الشاشة داخل البص السياحي.
تعتبر المضخات في الدلنج من المصادر الأساسية للحصول علي المياه لأغلب السكان “غايتو المضخات دي جابوها لشقا النسوان والشفع ديل” والجملة الأخيرة لأحد المواطنين فالاثنان السابق ذكرهما هما المعنيان بإحضار المياه لافراد الاسرة في الغالب الأعم…
(تضطلع الدولة بحماية الأمومة ووقاية المرأة من الظلم وتعزيز المساواة بين الجنسين وتأكيد دور المرأة في الأسرة وتمكينها في الحياة العامة – المادة 15-2 من الدستور الانتقالي لجمهورية السودان للعام 2005 ) (للأمومة والطفولة حق في رعاية ومساعدة خاصتين ولجميع الأطفال حق التمتع بذات الحماية الاجتماعية سواء ولدوا في إطار الزواج أو خارج هذا الإطار – المادة 25-2 من الإعلان العالمي لحقوق الإنسان).
اما الذين يقطنون بجوار الجبال فلديهم مصدر آخر موسمي حيث يقومون بتخزين مياه الأمطار في سفوح الجبال لاستخدامها أثناء وبعد انتهاء فصل الخريف . بالطبع بعض البيوت تتوفر فيها المياه بواسطة الانابيب ولكنها قليلة كعدد المرات التي نتذكر فيها من يعانون فعلاً للحصول علي أبسط مقومات الحياة…
(لكل شخص حق في مستوى معيشة يكفى لضمان الصحة والرفاهة له ولأسرته، وخاصة على صعيد المأكل والملبس والمسكن والعناية الطبية وصعيد الخدمات الاجتماعية الضرورية – المادة 25-1 من الإعلان العالمي لحقوق الإنسان) (تضع الدولة استراتيجيات وسياسات تكفُل العدالة الاجتماعية بين أهل السودان كافة – المادة 12-1 من الدستور الانتقالي لجمهورية السودان).
في وطن مترامي الاطراف غني بثروات متنوعة أهله يعانون من نمط تنمية غير متوازن وسوء توزيع للثروة ما يزال هنالك الالاف الذين لا يحصلون على ابسط حقوقهم في العيش التي كفلتها لهم المواثيق الدولية والفطرة الانسانية ، الحكومة في الخرطوم تغض الطرف عن هؤلاء وتصم اذنيها مع انها تمتلك من الامكانات ما يؤهلها لتقديم خدمات أفضل للمواطنين \ات فالإمكانات التي بذلت لمد شبكة انابيب البترول من اقصى الجنوب لبورتسودان لتصديره لماذا لا تسخر لتقديم مياه شرب نقيه لهؤلاء ؟؟؟؟
ورغم هذا كلة وقعت في غرام الدلنج .. ولكن هذا حديث اخر…
2 تعليقات على رحلات في ولايات سودانية
أشكرك أستاذة هدى على هذا التحديث وهذا المقال الشيق.
رحلة موفقة!
شكرا يا أحمد … هي محاولاتي للحديث عن سوداني الذي أحب .