آلان سوكال، وهو عالم فيزياء بجامعة نيويورك أصبح معنياً أشد العناية بهذا الجانب مما بعد الحداثة ، ما دفعه إلى أن يجري تجربة بسيطة : جمع عدداً من الصفحات لبحث يحمل عنوان “اختراق الحدود: نحو تأويل تحولي للجاذبية الكوانتية ” . ونلحظ أن ورقة البحث مكتوبة باسلوب ما بعد الحداثة المتغطرس والمسيَّس ، ومن ثم كان محاكاة سافرة . وبدا مثيراً للضحك لأقصى حد .وأذكر للحقيقة أنني لا أعرف عالم فيزياء تأتى له أن يقرأ أكثر من فقرة من دون أن ينفجر ضاحكاً ، حتى الهوامش كانت مضحكة . وعلى أي حال أرسل سوكال ورقة البحث إلى صحيفة تنتمي بفكرها إلى فكر ما بعد الحداثة اسمها “سوشيال تكست ” social text وهي التي قبلت نشرها . وبعد أن ظهر المقال مطبوعاً كتب سوكال مقالاً اخر عنوانه ” تجارب عالم فيزياء مع الدراسات الثقافية ” وارسله الى صحيفة منافسة هي صحيفة “لينغوا فرانكا” lingua franca . وأعلن سوكال في مقاله هذا ان الامر كله خدعة واوضح ان الصحيفة كانت سعيدة جدا لحصولها على مقال لعالم فيزيائي جشم نفسه مشاق تعلم لغتها ، ما حداها على نشر المقال من دون السؤال عما اذا كان فيما يقوله أي معنى مفهوم .
ولكن ما أذهلني من عواقب هذه المغامرة كلها هو رد فعل محرري صحيفة سوشيال تكست ومن يدعمونها . إنهم بدلا من ان يشغلوا أنفسهم باستبطان حالهم وفهم انفسهم على سبيل المثال : لماذا لم يعرضوا المقال على عالم فيزياء- قنعوا بلوم سوكال لأنه “أساء استخدام ثقتهم” وأكدت هذه القصة -في نهاية المطاف- الرأي السائد داخل المجتمع العلمي وهو ان النقد بعد الحداثي برمته غير جدير بأن نأخذه مأخذا جادا. (لماذا العلم ص92 ـاليف جيمس تريفيل ترجمة شوقي جلال ، عالم المعرفة السلسلة 327 )
لم يحدث كتاب نقدي في السنتين الأخيرتين مثل الضجة التي أحدثها كتاب “دجالون مثقفون”….لمؤلفيه ألن سوكال وجان بريكمون فقد نقدا مثقفي المابعدية.
نستطيع بوضوح ان نرى انه لايوجد توافق ثنائي -احادي المعنى بين الروابط الخيطية ذات المغزى او الكتابة – الرئيسية ، بما يعتمد على المؤلف ، وبين هذا الحفز الماكيني المتعدد المرجعية ، والمتعدد الابعاد . وما يوجد من سمترية في المقياس ، وخطوط مستعرضة ، ومن خاصية تمددها على نحو مؤثر غير منطقي : كل هذه الابعاد تنقلنا بعيدا عن منطق الوسط الاستبعادي وتزز وضعنا في رفضنا للثنائية الانطولوجية التي سبق ان انتقدناها.
هذا الاقتباس هو نص للمحلل النفسي فليكس جواتاري وهو واحد من كثيري من “مثقفي الموضة ” الفرنسيين الذين كشفهم آلان سوكال وجان بريكمونت في كتابهما الرائع “دجالون مثقفون” الذي احدث ضجة عند نشره في فرنسا والذي تمت ترجمته واصداره للانجليزية “اتمنى ان اجده بالعربية ذات يوم او على الاقل وجود كتاب ممثال لنقد الشواهد العربية الغير واضحة ” يواصل جواتاري الى ما لانهاية هذا الاتجاه ويطرح حسب راي سوكال وبريكمونت “مزيجا من رطانة العلم والعلم المزيف والفلسفة وهو من أذكى ما يلقاه المرء من هذا النوع ” وكان لجواتاري شريك حميم هو الراحل جيلز ديلويز ولديه موهبة مماثلة في الكتابة : -
نجد في المقام الاول ان الاحداث المفردات تناظر تتاليات لا متجانسة تنتظم في منظومة ليست مستقرة ولا غير مستقرة وإنما هي بالاحرى “ما بعد المستقرة” وقد أضفى عليها طاقة كامنة حيث يحدث اضطراب في الاختلافات التي بين المتتاليات … وثانيا فإن المفردات تمتلك طريقة معالجة للتوحيد الذاتي ، هي دائما متنقلة ومزاحة الى حد ان عنصرا من المفارقة يمر عبر المتتاليات ويجعلها في حالة رنين ، ويطوق النقط المفردة المناظرة في نقطة واحدة تصادفية ويطوي كل الانبعاث ، وكل قذفات النرد ، في رمية واحدة.
لم أفهم ما يقصده فهل فهمتم ؟!.
يعمل سوكال وبريكمونت كأستاذين للفيزاء في جامعة نيويورك ولوفان حسبت الترتيب ، وهما قصرا نقدهما على تلك الكتب التي غامرت بالاستشهاد بمفاهيم من الفيزياء والرياضة ، وهما هنا يعرفان ما يتحدثان عنه ، وحكمهما واضح لا لبس فيه : كما بالنسبة “للاكان” مثلا الذي يبجل اسمه في الكثير من اقسام الانسانيات في كل الجامعات الامريكية والبيرطانية ، ولاريب ان هذا في جزء منه بسبب انه يعمل على محاكاة طريقة فهم عميقة للرياضيات ، وهما يقولان عنه:-
على الرغم من ان لاكان يستخدم عدة كلمات رئيسية من النظرية الرياضية للدموج الا انه يخلط بينهما خلطا تعسفيا دون أدنى اعتبار لمعناها وتعريفه للدموج ليس فحسب زائفا ، وانما هو هذر بلا معنى
,وهناك موقع كلما تزوره فانه سيعطيك عدة مقالات رائعة بالكلمات لكن لا معنى لها ، جرب ان تقرأها وتحدث الصفحة ليعطيك غيرها (لا تنسى نصيبك من الضحك ).
وهذا اقتباس من مقال لاحد الكتاب الاسلاميين الشيعة :
إن قوانين ميكانيكيا “الكوانتوم” تؤكد على إن آلكون ما هو إلا نتاج للفكر , و كل ما يحيط بنا من المواد ما هي إلا نتاج للافكار (4) . و ما نحن (إن إستقمنا) إلاّ حقيقة و مبدأ الوجود (5) , و لو قدرنا عبر تجاربنا الخاصة إدراك هذه آلقدرة الحقيقة .. يمكننا آلبدء بالاستفادة من هذه آلطاقة العظيمة و هذا آلسر المكنون, و كلما كان التوفيق و النجاح كبيراً و واسعاً كان آلخلق و الابداع أكبر و أوسع . كلّ ما تريده يمكنك تحقيقه إبتداءاً من خلال أعماق وعيك و تركيزك و التي في النهاية تمثل وعي الوجود و الكون آلممتد إلى ما شاء الله.
ألقضية إجمالاً يتعلق بمدى و كيفية آلاستفادة من تلك القدرة و آلسر آلكامن فينا , سلبياً أو إيجابياً , صحيحياً أو سقيماً , فالواقع السلبي أو الايجابي .. ألأوضاع آلتي أحاطت بنا بعد أن إختلقناها .. كلّ ذلك تُبيّن و تدلل على حقيقة ما نحن عليه.
إذن نحن الذي نخلق و نكوّن و نوجد ليس فقط أقدارنا .. بل مصير آلوجود كله . و من هنا إنطلقت صيحة الحلاج عندما نادى : أنا الحق بعد أن تجلى فيه. و هكذا تبعه إبن عربي و السهروردي و آلفارض والكرخي و غيرهم ،إن الموجود الحقيقي المطلق هو العقل الكلّي آلنافذ في كل شئ , فلو أستطعنا الحلول في ذلك المدار فأننا سنتفاعل معها و سنمتلك تلك القدرة و نكون بمثابة المطلق في الوجود . سواءاً بالأشتراك أو الوحدة أو الاصالة.
فالخزرجي تغافل عن ان فيزياء الكوانتم لا تعترف بالافكار اصلا بل هي أول نظرية وحدت المادة والطاقة في رؤية مادية مطلقة للكون ، وحينما قدمت بمراسلته لاخبره بهذه الملاحظة ، اتجه الى سؤالي عن مفهوم الطاقة ، فاخبرته أن الطاقة هي كمية فيزيائية عددية تصف كمية الجهد الذي تؤديه قوة وهي صفة للأشياء والأنظمة الخاضعة لقانون الحفظ. الا انه قال بحلقة اخرى من نفس ا المقال ذكر باني تهربت واني لم اعرف الطاقة :-
ألكوانتم لا تعترف بالأفكار أصلاً, بل هو أول نظرية وحّدت المادة و الطاقة في رؤية مادية مطلقة للكون , و أنا مُلحد و قد أكملت دراستي الحوزوية) و عندما طالبته بالدليل , إنسحب و تعذّر بالقول إنه ليس من إختصاصي , و أنني في الوقت آلذي أعذرهُ .. بل و أحترم رأيه فأنني أوصيه و من على شاكلته بأن يتعامل مع الفكر و آلعقيدة بالادلة آلعلمية على الاقل و بشكل أكثر جدية و عُمْقاً , و إلاّ فيستحيل الوصول إلى الحقيقة ! و آلغريب عندما طلبت منه أنيُعرّف الطاقة و يُبين علاقتها بخمسة محاور طرحتها عليه : إعتذر قائلاً ان الطاقة ليست من إختصاصي , و أستغربت لأمره كيف إنه أقْحَمَ نفسهُ في موضوع يجهل تعريفه . لكنّ الانسان عموماً عدوّ ما جَهلْ. و لعلّ هذا هو حال الكثير من الكتاب آلعاجزين على آلأسفار في آلآفاق والأنفس.
ان الخزرجي هنا بخلطه بين العرفاني والعلمي ، يريد ان يعطي بعداً علميا لهذه الامور التي اشتهر بها اشخاص لم يقدموا للانسانية اي شيء يذكر .بالحقيقة اجد صعوبة كبيرة بفهم الدراسات النقدية لبعض الاشعار ، لا اعرف لماذا التشفير المتعمد للنصوص ، ويخيل لي باني اقرا بمكانيكا الكم لا بمقال نقدي منشور على موقع كتابات ، هناك مقولة رائعة لراسل : – من لايتكلم بوضوح لايملك شيئاً . متى نتخلص من هذه العلوم الزائفة ؟ ومن التفكيكين والماورائيين وكل شخص يشكك بالعلم والمنطق ، ومتى نتخلص من الطب الزائف (البديل ) لا نريد الا احترام للعلم الذي بنى التكنلوجيا وصنع الحضارة . ولا عزاء لدريدا ولا لفوكو من ما نحن عليه .!
واشكر الصديق حيدر السعدي على ترجمته الرائعة لمقال موت الحس السليم سيعلن نهاية المجتمعات الحرة والتي الهمتني بان اكتب هذا المقال
يرجى ملاحظة ان الشواهد الغير محالة الى مصدر في هذا المقال تم اخذها من كتاب العلم والحقيقة لريتشارد دواكنز .
9 تعليقات على مقالة الشهر: الضحك على الذقون : ما بعد الحداثة نموذجًا
الخزرجي هو واحد من مئات علماء الدين المسلمين الي حاولوا ان يضفوا السمة العلمية لايات و فكر قراني في محاولة لسد ثغرة كبيرة في الفكر الاسلامي الغير قادر على استمالة العقول العلمية لجانبه. فهو غيض من فيض. من عمرو خالد و ابراهيم الفقي اللذان استخدما علم البرمجة اللغوية العصبية و قدموها على انها فكر و سنن نبوية حتى زغلول النجار صاحب الاعجاز القراني و اخيرا فوزية الدريع و هبة قطب الي قدموا نظريات الفرد كينسي على انها الفطرة! لم يتجرا اي منهم حتى على ذكر ان ما يقدموه هو فكر علماء غربين ملحدين و ليس “كلمات مشفرة” غامضة لكتب قديمة.
المابعديون هم أكثر ناس مضحكين في العالم.
ألقِ نظرة على هذا المولِّد المابعدي للبرادعي المصري:
http://elbaradei.mandoz.com/
نفس فكرة مولِّد ما بعد الحداثة، ولكن مع اختلاف أن مولِّد البرادعي هو ما بعد السياسة.
شكرا احمد على هذا الموقع التحفة ، جربت ان اكتب احمد زيدان عدة مرات فخرجت لي هذه النتائج
احمد زيدان مثال صارخ لنظام يقوم على وأد الحريات. كفانا خداعا للشعب.
احمد زيدان مثال صارخ لنظام يقوم على وأد الحريات. الديمقراطية والحرية هما الخلاص.
احمد زيدان امر حتمي. النظام يغلق الباب امام التغيير السلمى.
وحينما استخدمت كلمة الله خرجت لي الجملة التالية :
الله مثال اخر على تخبط النظام. الديمقراطية والحرية هما الخلاص.
ونتيجة كلمة البرادعي هي
البرادعي أمر منفر وغير إنساني ويجب أن يتوقف فورا. سيصبح الحلم حقيقة.
:d
بالفعل أتفق مع أخى أحمد زيدان إنهم فعلاً أكثر ناس مضحكين فى العالم … بالمصرى عالم فاضية
هو موقع تحفة فعلًا، وقد استخدمت أنا كلمات أكثر إباحية من هذا. وخرجت بنتائج مذهلة!
إبحث في تويتر في هذا النطاق:
#BaradeiQuoteGenerator
هههههه فعلاً عالم فاضية إيه ده عاملين موقع Quote لأى حاجة
هو ده اللى هيخليه يكسب الإنتخابات ربنا يشفى cinmanet
أرشح علي شان 14
ههههههههههههه مقال ممتع وفعلا انا مؤمن بجملة (من لا يقول شيئا واضحا لا يقول شيئا على الاطلاق) .. تحياتي
اود ان اعرف اي فرع من فروع الفيزياء يدرسها طالب المرحلة الثانوية لها علاقة بالتصوير الضوئي لو سمحت ز شكرا