عهدت الولايات المتحدة الأمريكية على تفريغ القرارات الدولية من مضامينها.
ولكنها اليوم تفتح باباً للفساد والمحاباة والصراعات العرقية والإثنية على الصعيد المحلي بشكل غير معهود، مما من شأنه أن يضعف المجتمع المدني بصورة كبيرة.

الرئيس دونالد ترامب الذي لم يتول أي منصب رسمي قبل توليه الرئاسة، له أيديولوجيا إمبريالية لا تخفى على كثيرين. وهو بالضبط (خطر على أمريكا والعالم)، كما وصفه الرئيس السابق باراك اوباما وبرغم المآخذ على الأخير.
كما نعلم أن الولايات المتحدة الأمريكية لم تلجأ لتوطيد سيطرتها عالمياً إلى الترسانات العسكرية وحسب بل إستخدمت كل أدوات توجيه الإقتصاد العالمي لمصالحها.
و الرئيس ترامب منذ قدومه قال أن من أولوياته تجديد البنية التحتية للبلاد ومضاعفة نموها الإقتصادي. غير مدرك لإنه لا يحمل الوعي السياسي الكافي لذلك.

المساعي الإقتصادية

في سبعينات القرن المنصرم قام الرئيس الأمريكي ريتشارد نيكسون بإلغاء النظام الإقتصادي الذي نشأ عن إتفاقية بريتون وودز عام 1944 في نهايات الحرب العالمية الثانية. ومهد للعولمة الليبرالية التي حررت رؤوس الأموال.
واعتمدت في عهد الرئيس ريغان نظريات الفكر الإقتصادي ل’مدرسة شيكاغو’ بقيادة عالم الإقتصاد ميلتون فريدمان. وكان الهدف القضاء على مدرسة الإقتصاد الكنزية لصاحبها عالم الإقتصاد جوهان ماينارد كينز، وهي تدعو إلى التدخل الإقتصادي والإجتماعي للدولة.
وفي الثمانينات ظهر المنهج الإقتصادي الذي يعرف ب “توافق واشنطن” حيث تبنته شركات كبرى بمختلف جنسياتها والمؤسسات المالية العالمية وبنوك وول ستريت. وبالحديث عن وول ستريت، فإننا نتحدث عن الحاكم الفعلي للبلاد والذي بدونه لا يوجد إقتصاد منتعش.
لكنه جهل ترامب أو بالأصح تجاهله لكل هذا وبعنجهيته ونزعته الإستعمارية. ترامب رجل أعمال معروف قبل كونه رئيساً لأمريكا لذا صرح رئيس اللجنة الوطنية لحزبه الجمهوري وحسب ظنه وظن سياسيين آخرين، أن بمقدور ترامب عقد الصفقات التي ستمكنه من تسريع مضاعفة النمو الإقتصادي، تماماً مثل الذي فعله مع دول الخليج العربي.
في الحقيقة، الواقع شيء آخر، لأن الرئيس ترامب داخل في خلافات وصراعات مع عدد كبير من رجال المال والأعمال الأمريكيين. وليس هذا فقط بل مع زعماء وول ستريت!. ناهيك عن القطيعة مع وسائل الإعلام، من علاقاته المتوترة بأشهر الصحف مثل الإندبندنت و واشنطن بوست و نيويورك تايمز والجارديان وغيرها إلى تصرفه الفظ مع مؤسسة CNN.

حين لا تمثل الدولة مصلحة جميع المواطنين ودورها يتضاءل أمام إجراءات الحد من الإنفاق على الصحة والتعليم والبيئة لصالح شركات الإستثمار الدولية التي تمسك بزمام الأمور.. دعونا نتأمل بعضاً من سياسات دونالد ترامب الإقتصادية:

دور الإنتليجنسيا

واضح أن الرئيس اليميني المتطرف خارج دائرة اليمينيين المثقفين. إذ أن من مكن الثورة الإقتصادية بشكلها هذا، تاريخياً هم المثقفون اليمينيون، الذين بلا أدنى تحفظ أخذوا أطروحة المفكر الشيوعي أنطونيو غرامشي وأفكاره التي تدعو لممارسة الهيمنة الثقافية لتوطيد السلطة الإقتصادية والسياسية، وإضفاء الشرعية عليها.
أجدني أنحو للمقارنة بينه وبين الرئيس السابق بل كلينتون مثلاً، حيث نجد أن كلينتون بكاريزماه قرب بين الحزب الديموقراطي والسياسات الليبرالية الجديدة للحزب الجمهوري!.

من جانب آخر تظهر جلياً سياساته غير الناضجة في معاداته لدول مثل كوريا الشمالية والصين وكندا والمكسيك ألمانيا كذلك بالرغم من أن شركة ترامب مدانة لدوتشكا بانك الألماني بما يقارب 30 مليار دولار!
وأيضاً دول من أمريكا اللاتينية التي برغم ‘مبدأ مونرو’ المسجل بالأمم المتحدة بتمكين من توازن القوى العالمي سنة 1919، جعل من أمريكا اللاتينية منطقة نفوذ تابعة للولايات المتحدة الأمريكية إلا أنه توجد بها تحولات ديموقراطية مناهضة للإمبريالية الأمريكية.
لا يمكننا أن نغفل عن إمكانيات كوريا الشمالية والصين الإقتصادية. ومثلما قاد الخوف سابقيه لحرب العراق، يقود الرئيس ترامب كذلك الخوف من تنامي الطموح الإقتصادي لدول شرق آسيا. وكان قد كتب المفكر دومينيك موازي عن هذا النوع من الخوف في كتابه (صدام المشاعر).

كذلك تجدر بنا ملاحظة أن الأزمة الإقتصادية تعود إلى ما قبل ترامب، إذ ترجع لعام 2008 لذا لا يوجد ذلك التهديد المرعب للإقتصاد العالمي وبالتضخيم الذي نصوره، جراء قراراته التي يظن معها أن بمقدوره إكمال الطريق منفرداً.

من هذه القرارات:

إلغائه لإتفاقية التبادل الحر.
وإنسحابه من قمة باريس للمناخ.
هذا القرار يجمل ضمن فشله في إدارة المجتمع خارج الولايات المتحدة.
ومع النزوع الأمريكي للقضايا المناخية، سيجد دونالد ترامب نفسه مجبراً للعودة لإتفاقية باريس التي قال قادة ألمانيا وإيطاليا وفرنسا أنهم لن يعيدوا التفاوض حولها وفقاً لرغبة ترامب. فهل سيختار العدول عن قراره الذي وصفه المفوض الأوروبي للتحرك حول المناخ، بالأحادي؟.

كذلك صرح بعد إنسحابه من قمة باريس بأنه سوف يقف في وجه أي شيء يقف في طريق الإقتصاد الأمريكي، متحججاً بالقيود المالية والإقتصادية التي تفرضها إتفاقية باريس.
وصف رئيس المفوضية الأوروبية جان كلود يونكر القرار بأنه خاطئ لحد خطير. وصرحت أنجيلا ميركل المستشارة الألمانية أنها آسفة لقرار ترامب. وإعتبره كثيرون، قراراً غير أخلاقي ويرمي بعرض الحائط بالإنسانيات وحقوق الإنسان.
وكما يسعى العالم لإصلاح البيئة، يسعى كذلك لمحاربة الإرهاب. لكننا نحتاج لتحديد دقيق لمصطلح ‘ الإرهاب’ يتفق عليه دولياً.

هذا الرئيس تصوراته عن معاني الهوية قاصرة جداً، كما هو حال قصورنا عن تصور غراباته، على الأقل كنا قادرين على الضحك من مبادرة رئيس فرنسا السابق نيكولا ساركوزي لإنشاء وزارة للهوية الوطنية.

المظاهرات المناوئة لسياسات ترامب:
دونالد ترامب الذي كثرت منذ قدومه المظاهرات، وكانت بدايتها، التظاهرات المحتجة على إنتخابه والتي حملت شعارات مثل (ليس رئيسي)، وكان قد بدأ غراباته بسياساته في الهجرة، وكذلك طريقة فضه للمظاهرات. التي كانت آخرها مظاهرات بوسطن، أكثر مدن أمريكا ليبرالية رغم أن حاكمها من الجمهوريين، بوسطن الموالية للديموقراطيين معروفة تاريخياً بأنها مقر للمناوئين للعنصرية وهي أول ولايات ماساتشوستس إستقلالا ً عن التاج البريطاني وبالتالي ليس غريباً نزول 30 ألف متظاهر إلى منتزه المدينة الأثري إستباقاً لمظاهرة لممثلي اليمين المتطرف والنازيين الجدد التي كانت من المفترض أن تكون ضد السود بإسم حرية التعبير. بالطبع هم يسيئون فهم ليبرالية الفصل الراديكالي. وما كان منهم إلا الإنسحاب أمام صيحات إستهجان المناهضين للعنصرية. ترامب أشاد بالمظاهرة السلمية بالرغم من الشرطة إستخدمت أدوات مكافحة الشغب لمنع متظاهري بوسطن المناوئين للعنصرية من الوصول إلى تجمع القوميين البيض.
وبالرغم من تصريحات سابقة له في مظاهرات سبقتها بفرجينيا بعد تصاعد الجدل حول المواقف العنصرية، واصفاً القوميين البيض بأنهم أشخاص طيبون جداً!!. بالطبع هي إهانة لمشاعر مناهضي العنصرية، رافعي شعارات (لا مكان للحقد)
(عودوا من حيث أتيتم أيها النازيون)
يصفهم – ترامب- بالطيبين وقد قام أحد اليمينيين المؤمنين بتفوق العرق الأبيض بدعس مجموعة من المناوئين بسيارته وقتل المتظاهرة هيذر هير وأصاب آخرين!!.

هذا بالإضافة لتظاهرات الآلاف في مدن الولايات المتحدة الشرقية إحتجاجاً على إستهداف الشرطة للسود عقب موت شاب أسود إثر إعتقاله في بالتيمور بماريلاند. حيث شهدت بالتيمور أكبر المظاهرات وتوجهت مسيرتها نحو مقر الحكومة المحلية وتضامنت معهم مظاهرات بواشنطن ونيويورك وبوسطن وتفرقوا قبل موعد حظر التجول. علماً بأن التظاهرات أقحمت بعدد من الشرطة السرية المتخفية وسط المعارضين.

هل يعزل ترامب؟

هذا موجود بالدستور الأمريكي حيث يمكن للكونغرس عزل الرئيس. علماً بأن أغلب الأعضاء من الجمهوريين.
وأول طلب عزل جاء من نائبين في مجلس النواب، براد نيرمان وآل غرين. حينها عين المدير السابق لمكتب المخابرات الفيدرالية “إف بي آي” محققاً في مزاعم تدخل روسيا في الإنتخابات وبالفعل بدأت إجراءات المحاكمة ، إلا أن مجلس النواب لم يتمكن من حصد أدلة كافية ليوجه إتهامات ليصوت عليها. وكذلك لا أدلة كافية حول ما أشيع عن محاولته عرقلة التحقيق بشأن أحد مستشاريه.

تاريخ العزل

الجدير بالذكر هذه هي محاولة العزل الرابعة في
التاريخ الأمريكي، أولها كانت ضد الرئيس أندرو جونسون بتهمة جرائم شنيعة وسوء التصرف ونجا بفارق صوت واحد.

أما الرئيس كلينتون فكان قد قدم نقداً ذاتياً للكونغرس وإعتذر من الشعب الأمريكي و واصل بعدها فترته الرئاسية بعد
تهمة حنث اليمين وإعاقة العدالة. وهذا ما لا يملكه ترامب، لا المقدرة على النقد الذاتي ولا غفران الشعب الأمريكي بعد كل هذه الإنتفاضة عليه.

و وفقاً لعقليته، لا أظنه كذلك يستقيل مثلما فعل نيكسون مستبقاً قرار عزله، عقب فضيحة ووترجيت.
طرائف التوقعات

بالبيت الأبيض مكتب للأسترولوجي Astrology رغم الجدل المثار حول هذا التخصص و هو دراسة طاقة الكواكب حسب مواقعها على حياة الناس والطبيعة وهو أشبه بعلم التنجيم القديم ويستند على معلومات مأخوذة من الرصد الفلكي للفلكيين ممزوجة بملاحظات الحضارات ، ومتخصصي الأسترولوجي توقعوا منذ بداية العام أن تهتز صورة ترامب أمام الرأي العام ﻷن الكسوف الحادث يوم 21 أغسطس والذي حسب الرصد الفلكي لعلماء الأسترونومي Astronomy ، لم يحدث له مثيل منذ قرابة المائة عام بالولايات المتحدة. .
وكذلك يحدث متزامنا مع القمر الجديد في مجموعة نجوم الأسد أو برج الأسد الذي يقول عنه أهل الأسترولوجيا، أن طاقة نجومه، تمنح بعض البشر المولودين بفترة محددة
بين يوليو وأغسطس روحا قيادية في مرحلة من مراحل حياتهم أو طيلة الحياة، ولأن طاقة هذا البرج معنية بالقيادة ومع الكسوف، فإنه حسب توقعهم لن يفلت أحد القادة في الولايات المتحدة من التضرر و غالباً هو دونالد ترامب.. في الفترة الممتدة من تاريخ الكسوف حتى إمتداد تأثيراته على طول الستة أشهر المقبلة أو حتى سنة من تاريخه.

هل بعد كل أنواع التحليلات هذه وكم المعطيات والمؤشرات بعدم صلاحيته، سيعزل ترامب؟

يقول كثير من المحللين السياسيين أن هذا ممكن على المستوى النظري فقط، وفي تقديري و من تحليلي البسيط أن هذا ممكن عملياً
وقد يحدث بشكل مفاجئ للكثيرين كما كان مفاجئاً لهم فوزه بالإنتخابات الرئاسية والتي كنت قد توقعت فوزه بها و لحيثيات معينة أخذتها بعين الإعتبار.

الأشهر المقبلة ستسفر عن الكثير على المستوى السياسي والإقتصادي و على مستوى أكبر و هو المصير الأمريكي و من ثم الدولي.