فى أحلامى ..

كل الطرق بائسه .. بلا استثناء

*  *  *

قاطع جرس الهاتف حلمى , وبرغم ما أثاره من غضب داخلى , إلا أنى وبآليه شديده أمسكت بالهاتف .. امم sweetheart ..طيب cancel ثم shut down , وعدتُ باحثاً عن تكمله لحلم عجيب.

*  *  *

فى طريق مجهول بلا بدايه تُطل ناصيته على واجهة بيت قديم مهيب مهجور يحده حقل كبير لا أرى له نهايه به فلاح بوجهٍ مُكفّهِرْ أتحاشى النظر اليه , رهبة ما تمنعنى من ذلك , وحوله أبقاره بألوانها التليفزيونيه الجميله , بيد أن نظراتها شبه مرعبه , الاقتراب منهم سيكون خطير جدا حسبما أعتقد , لا أدرى , لِمَ يعمل هذا الفلاح بكل هذا الكد دون أن يُبدى وجهه علامات من غضب سوى ذاك الخارج من أعماقه , وكيف أكون أمامه دون ساتر هكذا دون أن يرانى , الأمر لا يحتاج سوى لحركه واحده منى , ربما خطوه واحده تفتح نحوى أبواب الجحيم , نظرات البقره بجواره تخبرنى بذلك , يبدو أنها ستكون فى طليعة الفاتكين بى وقتذاك. أعود بنظرى إلى البيت وأتسائل .. ما جاء بى إلى هنا فعلا؟. 

*  *  *

الحياه ليست معجزه , صدقنى يا ولدى الموت هو المعجزه . كلمات خالى المتوفى وقعت على مسامعى وأنا فى انبهار وخوف , بيد أنى أتبعه وأنا أتسائل , هل عاد للحياه من جديد؟. لا تشرُدْ .. اِبقْ معى فأنا أريد أن أخبرك الكثير , اتبعنى .. 

كيف ذاك يا خالِ . والدهشة لا تزال تكتنفنى بيد أنى أتبعه لخارج البيت وهو يُضيف دون أن يلتفت إلىّ , من الطبيعى أن تشعر بقدوم الحياه , الأمر يكون ظاهراً جداً , لكن أن تشعر بالموت قادماً فهذه معجزه وأنا شعرت بهذا حقاً وكان الأمر غريباً .. ثم ينعطف لشارع جانبى وأنا أتبعه لكن فجأه أنتبه لحبيبتى السابقه وعلى محياها تلك النظره التى تعلوا كل الوجوه بيد أنها تتظاهر بعدم رؤيتى وبجوارها قريبتها تلك ويبعدهما بقليل أخيها ولا يزال ذهولى محيط بى , ما جاء بهم إلى هنا , والواقع يتكشف تدريجيا , أنا اتبع خالى إلى الشارع المجاور لبيتها , وقبل طرح المزيد من الأسئله نظرت أمامى فتبدل كل شىء.

*  *  *

هذا اللون ..

ما بين الأحمر والأصفر ..

انه غريب حقا ..

ربما يبعث على البهجه عندما ترتديه زياً..

لكنه يبعث على الكآبه حينما تراه غروباً ..


*  *  *

فجأه اختفى خالى , لم أجده أمامى , عدت بنظرى أبحث عن اجابه فى عين حبيبتى السابقه لكنى لم أجدها ولم أجد البيت , لم أجد شيئاً أساساً , وعدت بنظرة تملؤها الحيره لحيثما كان خالى فوجدت طريقاً جديداً , تُرابى , ضيق , تَحُدهُ عن اليمينِ ترعةً صغيره , وعن اليسار حقل بلا نهايه , ملىءٌ بالتفرعات , لكن مشهد هذا الوحش أقلقنى , مختبىء خلف احد الأشجار التى لا تكاد تدارى ذيله , لاأدرى هل فى هذا بلاهه أم ثقه من وقوعى فى الشرك .!!

*  *  * 

هل كنت فعلا أحب تلك التى رأيتها على ناصية الشارع؟. هل لا زلت ؟. هل أحن لها أم لتلك الأيام السيئه التى عرفتها بها ؟. أم لهذا الشعور المقيت -غالبا- الذى شعرت به وأنا بجوارها ؟. أم .. أم لهذا الشعور الرائع الذى وجدته -نادرا- بالقرب منها؟.

هل حياتى أصبحت من التكرار بحيث أنى أختار أن أعود لنفس ذاك الاحساس طمعا فى شىء جديد ؟!!.

*  *  *

بالطبع اخترت الطريق المعاكس لطريق الوحش , لا أستطيع أن أمر من خلال وحش أبداً , خصوصا لو زاد حجمه عن حجم الأسد كهذا , لكن إلى أين سأذهب الآن؟ ..

بالراحه شويه يبنى .. انته مش عارف ان عمتك كبرت على المشى بسرعه كدا .., قالتها بغضب ولم ينتابنى الذهول , فكل شىء بتلك الليله باعث على الذهول .فى آخر الطريق دا , هنروح نزور واحده قريبتنا. دون سبب شعرت بخوف. وصلنا لذاك الشارع المطل على الحقل , نفس الفلاح ذو الوجه المُكفّهِرْ أبقاره المرعبه المُتَوَثِّبه والبيت المهجور لكن عمتى اختفت فقررت الدخول.

*  *  *

لا شىء مريب , لكن الخوف يقطر من كل أرجاء المكان , يصلح هذا لتصوير أفضل أفلام الرعب. فيما أعتقد , أن الرعب يزداد بريقه عندما يرتبط بالكآبه. شىء ما فى حقيبه وجدتنى أحمله , وصلت للدور الرابع فوجدت البيت مضيافاً إلى أبعد مدى , لِصاحِبَهْ جميله عليها علامات من شجن , ذات جسد هزيل اكله الزمن. أخذنا السَمَرُ والضَحِكْ , الهْزلُ والنَكَّت , الحَكْىُ مع الأكل , نَظَرتْ لِساعتها , ثم تغير كل شىء , ناشدتنى الرحيل فوراً , وقبل أن أتسائل , اقتحمت أخرى الغرفه , فقفزت من الشباك ونظرات متوعده من الأخرى ترقبنى .

*  *  *

-عايزه أفهم ليه لما بكلمك بتكنسل عليا؟ , لو مش فاضى رد وقول مش فاضى وهكلمك بعدين , مش تنفضلى كدا.

= معلش ..

- معلش ايه دا , ايه الـ لا مبالاه اللى انته فيها دى , دى مش أول مره وبعدين أول امبارح كنت …..

هل يعنى وجودى هنا الآن أنى حى؟. هل لو غبت سيعنى ذلك موتى؟. هل الأحلام من صناعة العقل الباطن؟. أم هى من رسائل من الموتى؟. هل هى وحى من الله؟. هل تعكس شخصيتى الحقيقيه أم شخصيتى الحقيقيه هى من تنعكس عليها؟. هل تُعبر عن حاضر أم تحكى ماضى أم تقصُ المستقبل؟. لِمَ تكون دوما بهذا التعقيد؟! ,  لِمَ أنساها دوما فور انتهائها؟! ,  لِمَ تصعب عملية تكرارها؟! ,  لِمَ ترتبط بالحياه؟! ,  لِمَ تكون مظلمه؟! ,  لِمَ تتوقف فجأه؟! ,  لِمَ لا تُستكمل مرة ثانيه؟! ,  لِمَ تحتاج لمفسر؟! ,  لِمَ يحبها الجميع؟! ,  لِمَ يكرهها البعض؟! ,  لِمَ تكتب عنها الأساطير؟! ,  لِمَ لا تتوقف البته عن المجىء؟! , لم ..

- انته سامعنى ؟ .. انته نمت ولا ايه !! , رحت فين ومبتردش عليا …

ما تصحى ياعم انته بقى ..

= ايه !! فى ايه ؟ كنتى بتقولى ايه ..؟

- كنت بقول ايه؟ يعنى انته فعلا مسمعتنيش؟ بقالى نص ساعه بتكلم وانته سايبنى وسرحان , انته عارف دا معناه ايه ؟ دا معناه ان …

= مش مهم معناه ايه ,فعلا مش مهم. عيدى تانى من الأول , ومش مشكله نص ساعه , كام نص ساعه من العمر اتعادوا من غير أى سبب ولا أى لازمه ولا أى جدوى , ماجتش على النص ساعه دى يعنى ..

نَظَرتْ بِتَعجُب , وعادت لشكواها وعقلى يسأل ” كم نصف ساعه من العمر فعلا نتمنى أن تتكرر؟!!” 

*  *  *

نفس الطريق , نفس الفلاح , نفس البقر , تلك المره توقفت , متسائلاً عن ماهيته , يفعل الشىء ذاته فى كل مره , أبقاره تُقْدِم على الحركات عينها , نفس المكان لم يغادره , نفس درجة الانهماك فى العمل , دققت النظر عَلّى أفهم ما يفعل بالضبط ..

الظاهر يخبر بشىء لكن التفاصيل ربما تخبر بالعكس

رباه ,  هو لا يفعل شيئاً , لا يمسك حتى فأساً ولا مِنجَل , أبقاره لا تأكل مما أمامها , هل هو خدعه , هل أشاهد شيئا لا يحدث , فجأه وجدته أمامى يرفع مِنجلاً , يهم بالنزول به فوق رأسى , تجمدت , توقف تفكيرى , أغمضت عينى , دعوت الله أن ينجينى ..

-أبله , الله لا يستجيب الدعوات .. على الأقل بهذه الطريقه , اهرب 

=لا أستطيع

-قاوم 

=لن أستطيع 

-إذاً استسلم لمصيرك 

-وما سيكون 

=الذبح كالخراف 

-ألا يوجد مفر 

=لقد أخبرتك به سلفاً 

-لكنى .. ضعيف , مسلوب الاراده , لا أقوى حتى على الحركه , لن أستطيع مقاومة هذا الفلاح , ولن أستطيع مجابهة ضعفى , لن أستطيع طرد الأوهام من عقلى ولا الوهن من جسدى .

-هنالك قوه دائما فى كل انسان يا ولدى , حاول أن تستحضرها 

=وماذا لو فشلت , سأموت , ولن يبقى منى ما يبكينى 

-ولو لم تفعل ستموت يا أبله , الوقت ينفذ منك 

=ساعدنى .. أرجوك 

-لا أستطيع 

=لماذا ؟

-لو كنت حقاً أستطيع لما كنت ميتا اليوم

وتنقشع الغيوم كاشفة عن وجه محدثى , خالى ..! , والفلاح يهوى بمِنجله.   

*  *  *

أعود إلى ذات البيت لا أدرى كيف دخلت ولا  لِمَ , وجدتنى به , أتسامر مع ذات الشجن , لكنها شاحبه , تنظر لى بشفقه وحزن , ولحالها بأسى ويأس , متى ستأتى العاهره , متى سيعرف المسكين مصيره , متى سيعرف ما جرى له , هل أنا لعنه , هل أنا ضحيه , هل حلمى كابوس انسان , هل كابوسى قَتْلْ , هل حياتى هم , هل موتى سرور , هل انا ميته الآن , هل أنا على قيد الحياه , بالأحرى لست كذلك ولو حتى كنت , لا يمكن أن تسيطر عاهره على حياة حره , لا يمكن أن أكون حره وأنا مسجونه , القصر يصبح سجن إذا حُرِّمَ الخروج منه , يصير قتلاً إذا فُرِضَ البقاء فيه .

=فيم شرودك

- فى كل شىء

= سنصل لحل 

- سنلقى مصير 

=لم التشاؤم

- فيم الأمل 

=أنتِ لستِ بمزاج لائق للحديث اليوم , ربما آتيك غداً تكونى أفضل حالا

- لا .. انتظر 

= أرينى ابتسامتك 

انقبض قلبها وصرخت فى فزع “لااااااااا” 

= لا تريدى أن ترينى ابتسامتك 

- اهرب حالا , انها خلفك 

خلفه بالضبط , بيدها مِنجل , لا لن أموت اليوم , الآن لديه من أسباب الحياه ما يمنع من الموت , لا أريد أن أموت , لا أقوى على الموت وفى انتظارى الحب , الحب؟!! , هل أحببتُ ذات الشجن , لا وقت للتفكير , علىّ القفز كالمره السابقه , من شباك الدور الرابع وأنجو بحياتى كالمره السابقه و …

من شباك الدور الـ ماذا ..؟ 

 تشبثت بالحاجز , هل أقفز من الموت لموتة أفظع , وكيف يكون فى القفز موتٌ اليوم وكان فيه سابقاً حياه , ألم يكن نفس الفعل , ألم تكن نفس الشخص , ما الذى تغير , هل اخترت الحياه حينما اختارنى الموت , هناك ماسورة صرف , قديمه , متهالكه , ربما تنهار فور امساكى بها , أنا أريد خيار الـ 100% , لا أريد أية أخطاء , أريد الحياه , أريد نصف ساعتى الأفضل , المخيفه العاهره تقفز على الشباك فأقفز للماسوره مستسلما لمصيرى , انها متماسكه ربما لبعض الوقت , كم أتمنى لو كنت “حرامى غسيل” يجيد تسلق مواسير الصرف , لكنى سأحاول , بصعوبه تخطيت متراً للأسفل , ذات الشجن تصرخ , ما أصابها , هل أعود ,الآن أنا أحيا من أجلك فلا تموتى من أجلى أرجوكِ , خرجت للنافذه صارخه , ستطاردك من الأسفل , نظرت تحتى فوجدتها تتسلق الماسوره بسرعه هائله , أنا بطىء وأتحرك للأسفل , وهى سريعه وتصعد إلىّ ماذا أفعل الآن , رباه , سأموت , قلبى توقف عن النبض , ليس وقت هذا الآن , لو لم تنبض ستتوقف تماماً قريباً . هل اخترت الحياه حينما اختارنى الموت , هل يُريدُ أن يحرمنى من نصف ساعتى الأفضل , الماسوره تتمايل , هل اختارتنى الحياه , وجهُ “خالى” يُطل : قاوم .. اهرب .. , حركت جسدى لدهليز الثالث , جذبت الماسوره إلى ثم أبعدتها , الماكره تقترب, ثانية , تقترب أكثر , ثالثة , سقطت الماكره أرضاً وجن جنونها , صرخت ذات الشجن فى سعاده , ازداد غضب الماكره قفزت نحوى فى غضب فوصلت يدها للأول , ثانية فمرت يدها للثانى , عاد الرعب , أنا فى الثالث , لو قفزت الثالثه لقتلتنى , تَراجعتْ , تتأهب ,انطلقت , تقفز ..

امسك الحبل , ارسلته حبيبتى , ارسلته ذات الشجن , بدون نقاش تسلقت , جائتنى قوه من حيث لا أعرف , أفلتت قدمى من يد الماكره , تَأَمَلتْ الوضع ثم اِنْطَلَقَتْ للأعلى .

- اهرب الآن

= وأنتِ 

- سأنتظرك

= ألن تؤذيكِ

بمراره قالت

 - إن أى عذاب فى الحياه لا يساوى ألمى 

نزلتُ عن البيت , ودعتها بنظره , اللئيمه تربت على كتفى ذات الشجن , هل تعاطفت معنا , ثم هذه النظره الكريهه عاودت الظهور , نظرة المنتقم العابث , جذبت ذات الشجن من شعرها للداخل , ثم أشارت لى متوعدة بما ينتظرنى .أسفل البيت لم يعد مهجور , امتلأ بأطفال , يحملون نِبَل يصوبونها نحوى , وجدت بيدى مسدس , فأطلقت النار عليهم , لم أستثنِ أحداً , لم أترك حياً , مع كل رصاصه تخترق قلب أحدهم أشعر بمثيلة تصيب قلبى ألما , لكنى لم أتوقف حتى انتهيت منهم. نظرتُ للطريق الذى اعتدت المجىء منه , طريق الفلاّح , وهتف فى قلبى من هتف , لا ليس هذه المره , لن أمشى عبر هذا الطريق أبداً , اخترتُ الآخر , مع علمى بوجود الوحش , والآن فقط عرفت لِمَ لم يكن هذا الوحش يختبىء ,الآن فقط عرفت.

The Cranberries – Dreams