محاولة للفهم والاستنتاج
تقرير وملاحظة: زهير ماعزي
صورة لأطفال غزة قدمها الاعلام الاسباني على انها وقعت في العيون
كانت الصحراء المغربية موضع النزاع المعروف بين جبهة البوليزاريو الانفصالية والمغرب منذ حوالي شهرين موقعا للعديد من الأحداث، فقد انتقل المئات من الصحراويين إلى ضاحية مدينة العيون من أجل نصب مخيم. كانت أولى الأنباء تشير إلى أن لأصحاب الخيام مطالب اجتماعية واقتصادية حول الشغل والسكن والاستفادة من بطائق الإنعاش الوطني.
إذن، فالملف كان يضم مطالب حقوق اقتصادية واجتماعية. هذا ما يستشف من البلاغات الرسمية والتحقيقات الصحفية وإنتاجات المدونين وشهادات سكان المخيم التي نقلها التلفزيون المغربي والصحافة المغربية.
وهذا أيضا ما بلغ إلى علمنا من طرف فاعلين مدنيين وسياسيين شباب في منطقة الصحراء. نفس المصادر انتقدت سياسة الكيل بمكيالين التي تتعامل بها السلطات المغربية مع مواطنيها في الجنوب، وسياسة الانتقائية ومحاباة العائدين وتوزيع الامتيازات عليهم، في مقابل إهمال سكان العيون الأصليين، وقالوا أن عملية تنمية المنطقة يجب أن تكون شاملة.
بجانب هذا المعطى، كانت هناك مؤشرات أخرى توحي بأن النشطاء الانفصاليين غير بعيدين، ولا بد أن يحاولوا تسييس الملف. من هذه المؤشرات توقيت نصب المخيم الذي تزامن مع زيارة المبعوث الأممي لقضية الصحراء للمنطقة، واقتراب موعد جولة المفاوضات بين البوليزاريو والمغرب، وكذلك رفض إنهاء الاحتجاج رغم أن السلطات المغربية أبدت تجاوبا مع المطالب.
بعد ذلك، ستعمد السلطات المغربية على فك المخيم بالقوة، لتنطلق بعدها احتجاجات قوية في مدينة العيون قادها الشباب الانفصالي. مشاهد ما بعد الاحتجاج تظهر الدمار الرهيب الذي حدث.
وانطلاقا من حجم الاحتجاج وطريقته وطبيعة المراكز المستهدفة بالتخريب والنهب والإحراق سواء العامة أو الخاصة، وشهادات ما بعد الأحداث، ومقاطع الفيديو سواء التي نشرها النشطاء أو التي بثتها السلطات المغربية، نسجل بعض الملاحظات:
- حرب المعلومة كانت مستعرة بين النشطاء والسلطات المغربية. ويتضح أن النشطاء اعتمدوا أنباء غير مؤكدة نشرها إعلام البوليزاريو، مدعوما ببعض وسائل الإعلام الإسباني والجزائري حول سقوط ضحايا مدنيين أثناء تفكيك المخيم. والغاية الواضحة هي شحن الشباب وتعبئة الساكنة عبر خطابات التضخيم والتحريض وبث النعرات القبلية. وهو الشيء الذي لم يقع إثباته إلى حد الآن (وقوع العشرات من الضحايا المدنيين جثتهم تملأ الشوارع)، لكن الثابت هو وجود قنوات اتصال بين نشطاء في الداخل وإعلام البوليزاريو في الخارج.
- ثبوت استعمال صور لجرائم إسرائيلية في حق أطفال غزة، وصورة لجريمة بشعة في إطار الحق العام شهدتها مدينة الدار البيضاء المغربية وسبق أن نشرتها جريدة الأحداث المغربية، من طرف النشطاء الانفصاليين وبعض الإعلام الإسباني يطرح من جديد سؤال أخلاقيات مهنة الصحافة، بينما تقول الحكومة المغربية أنه “تواطؤ”.
- تحسن نسبي في طريقة تعامل الدولة المغربية مع الملف من الناحية الإعلامية، فهي لم تعمد إلى سياسة التعتيم كما كان عليه الحال سابقا في وجه الاضطرابات الاجتماعية، وسمحت بنقاش عمومي شمل حتى قبة البرلمان، ووفرت معلومات مدعومة بصور وفيديوهات وتصاريح شبه يومية لوزير الاتصال المغربي الناطق الرسمي باسم الحكومة. رغم ذلك، لم تصل إلا مرتبة الكمال، فهي لم تسمح بزيارات بعض الشخصيات الخارجية المعروفة بمساندتها للطرح الانفصالي ولا يبدو أنها مستعدة بعد لطرح وجهات الأطراف الأخرى.
- وجود نوع من التنسيق والتنظيم والاتصال عالي المستوى بين المحتجين في المدينة والمخيم. لا بد أنه يحتاج لوسائل مادية ضخمة لا يمكن توفيرها بالتبرعات الفردية فقط.
- حجم الاحتجاج وطريقة إدارته وتنسيقه والوسائل المستعملة (قنينات غاز، مواد قابلة للتفجير، سيارات رباعية الدفع، أسلحة بيضاء استعملها المحتجون موثقة بالصوت والصورة، الألبسة العسكرية، ذبح رجال الأمن المغاربة والتبول على جثتهم..) كلها تشير إلى أن القوات المغربية لم تكن في مواجهة حركة احتجاجية وشباب غاضب فقط، ولكن أمام عناصر مدربة تدريبات شبه عسكرية قد تكون متعودة على القتل، أغلب الظن أنهم من العائدين من مخيمات تندوف الجزائرية، يزكي هذه الفرضية حديث سابق للانفصاليين حول خلق “بوليزاريو الداخل” لإحراج المغرب عبر استغلال الهامش الديمقراطي والانفراج النسبي الذي تشهده المملكة في مجال حقوق الإنسان.
- لم يثبت أن السلطات المغربية أطلقت ولو رصاصة واحدة، وتتحدث عن أن التدخل كان بدون استعمال أسلحة. وتروم الاستراتيجية المغربية تفادي استعمال القوة المفرطة وبالتالي تفادي الانتقادات الدولية حول انتهاكات حقوق الإنسان. إلى حد كتابة هذه السطور، بلغت حصيلة الضحايا أحد عشر من رجال الأمن والوقاية المدنية وضحيتان مدنيتان قالت السلطات المغربية أن إحداهما مات نتيجة لصدمه من طرف سيارة مسرعة والثانية نتيجة مشاكل في التنفس.
إن ما حدث في المناطق الجنوبية للمملكة تجب قراءته في سياقه الدولي، وبواقعية، مع مراعاة المصالح الإستراتيجية لشعوب منطقة المغرب العربي الكبير، ولحقوقها التاريخية في الوحدة والاندماج وتحقيق التنمية والديمقراطية. مع الأخذ بعين الاعتبار درجة تطور كل المتدخلين في الملف.
وهو أيضا يطرح علينا في المغرب كنشطاء حقوق إنسان ومجتمع مدني وفاعلين سياسيين أسئلة تتعلق بحقوق الإنسان والمواطنة والإعلام والديمقراطية، والتعبئة من أجل تعزيز التحول الجاري حاليا في المغرب وعدم السماح بأي نكوص حقوقي محتمل يكون من مظاهره استعمال النزعة الانفصالية وحركات الاحتجاج لتبرير انتهاكات حقوق الإنسان في المغرب.
7 تعليقات على ماذا جرى في الصحراء الغربية وموضوع النزاع بين البوليزاريو والمغرب؟
أهلًا وسهلًا بك زهير،
مقالة رائعة وطرح متميز عن هذه القضية التي يعوزها التغطية الملائمة في الإعلام.
القضية شائكة منذ سبعينات القرن الماضي بعد الحرب الجزائرية المغربية، ولكننا سمعنا عن أخبار في الفترة الماضية تؤكد قرب حدوث مفاوضات بين الجانبين حول هذه المنطقة المتأزمة.
ولكن مقالك أوضح الكثير من هذا اللغط المتكاثر.
أنا لا أعرف الكثير عن هذه المنطقة، أكثر مما هو مكتوب على الإنترنت، ولكن بما أنك مغربي ومتابع لهذه القضية، ما رأيك بالانفصال؟ وهل ترى السلطات المغربية أو الحكومة المغربية مقصّرة في حقوق أفراد هذه المنطقة؟! وهل الحدود مع الجزائر مفتوحة عند هذه المنطقة؟! وكيف تُنقل المؤن العسكرية من تندوف إلى الصحراء الغربية كما تقول؟ ألا يوجد قوات أمن حدودية مغربية؟!
أنا متأسف إن قلت أني لمست بعض المحاباة للحكومة المغربية في مقالتك. ولكني كما قلت غير ملمّ بتفاصيل هذه القضية، ولذا أحب أن أسمع وجهة نظرك الشخصية بعيدًا عن المقالة.
تحياتي ومنتظر منك تحديثات قريبًا حول الصحراء الغربية!
أمّا معظم الروابط في هذا الصوت:
http://crowdvoice.org/moroccan-occupation-of-western-sahara
وهو صوت الاحتلال المغربي للصحراء الغربية، وهو موجود على صفحة مشروعنا كراود فويس.
فبها حقائق تناقض ما ذكرته في مقالتك حول عدم وجود أي ضحايا من جراء التدخل المغربي في الصحراء الغربية ضد الصحراويين.
ما ذنب الوطن في سوء سمعة الدولة؟
بهذا التسائل الذي أنقله عن احد كبار الوطن “مصطفى المانوزين رئيس منتدى الحقيقة والانصاف” افتتح تعليقي..
اما بالنسبة “للمحاباة”، فهنا تكون في اتجاه المغرب، وفي مكان اخر كانت في اتجاه البوليزاريو، لأن لفظ “الغربية” بدل ‘المغربية” في العرف المغربي أو كما أسميه انا العقدة المغربية تعني انك انفصالي أو تساند أطروحات البوليزاريو…
بالنسبة للانفصال، فهذه النزعة موجودة، مثلما يوجد الراغبون في الوحدة..
بالنسبة لحقوق الانسان، فلا شك ان المغرب حقق تقدما نسبيا ولا شك بذل جهودا لتنمية المنطقة.. لكن بشكل غير كافي وبأخطاء قاتلة في تدبير الملف وتوزيع الامتيازات وتسمين الأعيان (قد أعود لهذا لاحقا)
أما المؤن العسكرية فما ينقل منها للمنطقة هو ملك للجيش المغربي، ولم يثبت لحد الان تسليح عناصر بوليزاريو الداخل. لكن حرية الحركة مضمونة ولا شك انها تشمل بعض المدربين تدريبات شبه عسكرية، والبرهنة بالاستنتاجات اعلاه وعلى الفيديو التالي مزيد من التوضبحات لمشهد قتل رهيب وتبول على عناصر امن ووقاية مغاربة
http://www.hespress.com/?browser=view&EgyxpID=25084
مثال لنقاش مغربي داخلي حول قضية الصحراء، من أجل تحرير الانسان الصحراوي
ٍٍأصوات في ندوة «باهي محمد والصحراء المغربية» تدعو إلى فتح جسور الحوار مع «البوليساريو»
مراكش: علي أنوزلا دعا مسؤولون وسياسيون وباحثون مغاربة الى «تحرير الانسان الصحراوي» بعد ان تم «تحرير الارض». ولأول مرة في نقاش علني تم الحديث بصراحة عن مشكلة الصحراء.
وسجلت بعض المداخلات على هامش ندوة «محمد باهي وقضية الصحراء المغربية» عقدت نهاية الاسبوع الماضي بمدينة مراكش المغربية ان القضية اهملت في «جانبها الانساني» بينما تم التركيز على الجوانب العسكرية والامنية والسياسية. وتضمنت بعض مداخلات الندوة التي نظمتها «حلقة أصدقاء باهي» بتعاون مع اتحاد كتاب المغرب، ونادي الابداع بمراكش، بمناسبة الذكرى الثامنة لوفاة الصحافي المغربي محمد باهي، شهادات واعترافات لأول مرة يكشف عنها فاعلون اساسيون عايشوا القضية وأثروا في مجرياتها.
وقال مبارك بودرقة الملقب «عباس»، وهو مناضل حقوقي ظل يعيش معارضا في المنفى مدة ربع قرن وأحد منظمي الندوة، إن «اعضاء البوليساريو لم تكن لهم اية علاقة في البداية بالجزائر التي كانت تراهن على حركة «الرجال الزرق» بزعامة ادوارد موحا، الذي التحق بعد ذلك بالمغرب».
وأضاف بودرقة في شهادته انه عندما طرحت قضية الصحراء لجأ الجزائريون الى المعارضين المغاربة الذين كانوا يتخذون من الجزائر ملجأ لهم، ووضعوا امامهم كل الامكانات المادية والمالية لفتح جبهة في شرق المغرب. لكن اولئك المعارضين، يضيف بودرقة، اجابوا محاوريهم الجزائريين من رجال المخابرات العسكرية بالقول«نحن من يقود السلاح وليس السلاح هو من يقودنا»، في اشارة الى ان قرارهم يجب ان يكون بيدهم، وكان قرارهم آنذاك هو مساندة بلدهم المغرب في معركته الجديدة بالصحراء رغم الاختلاف مع السلطة ومعارضتها.
واضاف بودرقة ان المعارضين المغاربة آنذاك (عام 1976)، وقعوا وثيقة تدين كل المساعي الهادفة الى اقامة دولة صغيرة في الصحراء، حملت تواقيع محمد الفقيه البصري، ومحمد بن سعيد ايت يدر، ومحمد باهي حرمة، والعديد من المعارضين والمقاومين المغاربة الذين كانوا يقيمون بالجزائر.
وقال بودرقة ان كلمة «تقرير المصير» التي اتخذها الجزائريون مطية لهم لمساندة جبهة البوليساريو «كلمة حق اريد بها باطل»، مضيفا ان هذه القضية ظلت «قضية المخابرات العسكرية الجزائرية» ولم تتحول في يوم من الايام الى قضية لدى الراي العام الجزائري.
شهادة بودرقة ستجد ما يسندها في مداخلة الاكاديمي مصطفى النعيمي، الباحث في المعهد العلمي بالرباط والمتخصص في القضية، الذي قال ان جبهة البوليساريو لم تتحول الى «جبهة انفصالية» الا بعدما لم يجد اعضاؤها اي سند لهم داخل المغرب فلجأوا الى الجزائر للبحث عمن يساعدهم في تحرير الصحراء التي كانت آنذاك خاضعة للاحتلال الاسباني.
وعاد ابراهيم اوشلح، وهو معارض سابق قضى سنوات عديدة بالمنفى ما بين الجزائر وفرنسا وليبيا، ليؤكد ان القضية لم تعالج في بعدها الانساني منذ البداية لأن الدولة المغربية رفعت شعار «وحدة التراب الوطني» ونسيت توحيد البشر، واعتبر ان هذا المنطلق هو الذي ادخل المغرب الى «متاعب كبيرة».
اما محمد بن سعيد آيت يدر، احد ابرز قادة جيش التحرير بالجنوب المغربي، فتحدث عن «الفرص الضائعة التي لم يعرف المغرب أن يستثمرها في طي هذا الملف في بداية الاستقلال خلال عقد الخمسينات من القرن الماضي». وقال ان اسبانيا بعد خروجها من طانطان وطرفاية وايفني في الجنوب المغربي كانت مستعدة للتفاوض للخروج من الصحراء مقابل ان تتنازل قيادة جيش التحرير آنذاك عن مطالبها بخصوص مدينتي سبتة ومليلية المحتلتين شمال المغرب.
واعترف بنسعيد ان الدولة المغربية في بداية الاستقلال كانت تعتبر مشكلة الصحراء مسألة ثانوية، بينما كانت تولي اهمية كبرى لتثبيت اسس سلطة الدولة الفتية، وهو ما أدخل المغرب الى صيرورة من الصراع الداخلي ادى الى «اغلاق ثكنات جيش التحرير واغلاق الابواب امام الديمقراطية»، على حد تعبيره. وكان من نتائج هذا الصراع تجميد ملف الصحراء مدة 15 سنة (من عام 1960 حتى 1975) ، وعندما اراد المغرب فتح الملف من جديد كان قد اضاع الكثير من الفرص التي لا تتكرر.
تتمة
لكن مصطفى المانوزي، وهو مناضل حقوقي، قال ان هناك فرصة جديدة ما زالت لم تستنفد وتتمثل في رايه في «فتح الجسور مع جبهة البوليساريو ان كنا فعلا نعتبرهم مغاربة».
ولاحظ المانوزي ان المقاربة الامنية التي اعتمدها المغرب في معالجة الملف هي التي ادت الى تعقيده ورسخت الانطباع لدى جبهة البوليساريو وان ما يحمله لهم المغاربة هو العداء.
الباحث احمد الحارثي حاول ان يضع هذه الشهادات والانطباعات في اطارها الاكاديمي عندما تحدث عن ضرورة المعالجة الديمقراطية للقضية في اطار التطور الديمقراطي الذي بدأ يشهده المغرب.
وعاد النائب محمد لخصاصي للتذكير بأن الجزائر لم تدخل على الخط إلا عندما حضر بوتفليقة الذي كان آنذاك وزير خارجية بلاده الى مدريد(1975) ليكون احد الاطراف الموقعة على الاتفاق الثلاثي بين المغرب واسبانيا وموريتانيا، والذي بموجبه انسحبت اسبانيا من الصحراء الغربية، لكن مدريد رفضت آنذاك الطلب الجزائري باعتباره طرفا غير معني بالقضية.
ومنذ ذلك الوقت، يقول لخصاصي، حاولت الجزائر ان تفرض نفسها كطرف اساسي في المعادلة، فزجت بفيلق كامل من جيشها في معركة امغالة في الصحراء لمواجهة الجيش المغربي، مما ادى الى اسر العديد من افراد الفيلق الجزائري، وتدخلت السعودية ومصر آنذاك لاطلاق سراحهم مقابل عدم تجاوز الجيش الجزائري مستقبلا للحدود الدولية لبلاده التي تفصله عن الصحراء. لكن الجزائر ستلجأ هذه المرة حسب شهادة لخصاصي الى تسليح وتدريب مقاتلي «جبهة البوليساريو» لخوض حربها البديلة مع الجيش المغربي، واعلنت عن تأسيس «الجمهورية الصحراوية» على جزء من ارضها «تندوف» كأداة للتحرك العسكري والسياسي في صراعها المفتوح آنذاك مع المغرب. وعزا لخصاصي هذا «العداء» الجزائري للمغرب الى كون الجزائر العاصمة تخشى في حالة تسوية مشكلة الصحراء ان تلتفت الرباط الى مشكلة الحدود الشرقية مع الجزائر التي لم تسو بعد.
ووصف لخصاصي مشكلة الصحراء بأنها «مشكة استراتيجية بالنسبة لقادة الجزائر». واستشهد في قوله هذا بأن برامج الاحزاب الجزائرية خلال الانتخابات الاخيرة التي شهدتها الجزائر كانت خالية من اية اشارة الى قضية الصحراء، باستثناء خطب وحوارات الرئيس الجزائري عبد العزيز بوتفليقة مع وسائل الاعلام الاجنبية، معتبرا ان تصريحات الرئيس بوتفليقة كانت موجهة الى الاستهلاك الخارجي اكثر مما هي موجهة الى الرأي العام الداخلي في الجزائر.
وخلص لخصاصي الى القول ان حل القضية يبقى بيد المغاربة من خلال «تغيير وتحسين المناخ السياسي داخل اقاليم الصحراء والتخلي عن المقاربة الامنية والاستجابة لمتطلبات السكان الاجتماعية والاقتصادية لتحصين سكان المنطقة من كل النزاعات الانفصالية، وحل العقدة مع الجزائر من خلال اقتراح اقامة شراكة استراتيجية تعيد بناء الثقة بين البلدين وتنهي جميع النزاعات بينهما عن طريق الحوار الصريح».
محمد العربي المساري وزير الاعلام السابق وصف انعدام الثقة بين الرباط والجزائر بـ «التوعك المغربي ـ الجزائري» ، وعزا سببه الى «قضية الصحراء رغم انها ليست هي المحور الاساسي بين البلدين، لكنها هي التي ادت الى سوء تفاهم مزمن بينهما طال مدة 30 سنة». ووصف المساري العلاقات حاليا بين الرباط والجزائر رغم اغلاق الحدود بينهما وفرض التأشيرات على رعايا البلدين بأنها «طبيعية»، وقال ان«الاستثناء» كان هو عندما تفتح الحدود او يراد فتح باب الحوار.
شهادة مصطفى بوه الملقب «البرزاني»، احد القادة السابقين في جبهة البوليساريو جاءت لتزكي اكثر ما قيل عن كون جبهة البوليساريو لم تكن في بداياتها ذات نزعة انفصالية. ويتذكر البرزاني انه عندما التقى اول مرة عام 1973 في موريتانيا بالوالي المصطفى السيد، مؤسس الجبهة، لم تكن فكرة الاستقلال عن المغرب مطروحة، وقال ان ادبيات «البوليساريو» حتى عام 1975 تخلو من اية اشارة الى كلمة «استقلال» او «انفصال»، مضيفا ان النزعة الانفصالية عند اعضاء الجبهة لم تظهر الا بعدما دخلت الجزائر على الخط عام 1976، مع العلم ان ليبيا كانت هي اول من دعم اعضاءها بالسلاح، لكن ليبيا، يضيف البرزاني، كانت تهدف الى جعل الجبهة بؤرة ثورية لتغيير النظام في المغرب، وليس لتأسيس كيان جديد. لذلك، يضيف البرزاني، ظلت طرابلس ترفض الاعتراف بـ«الجمهورية الصحراوية»، التي اعلنها قادة الجبهة فوق التراب الجزائري.
واستشهد البرزاني بمقولة للوالي مصطفى السيد الذي اسر لأحد رفاق نضاله قائلا «لقد اجرمت في حق شعبي». وقال البرزاني «لو ظل الوالي حيا لما كان الوضع كما هو عليه اليوم»، مشيرا الى انه «لم يكن انفصاليا في بداية نضاله»، وان الجزائر هي من كانت تضغط عليه في هذا الاتجاه، بينما كان هو يحاول التخفيف من هذا الضغط بالتوجه نحو ليبيا الى أن انتهى نهاية وصفها البرزاني بـ «المغامرة الانتحارية» عندما حاول الهجوم على نواكشوط للاطاحة بنظامها لايجاد بديل للملاذ الجزائري وللتخلص من الضغوط الجزائرية. وكشف البرزاني ان كل اعضاء الجبهة الذين حاولوا بعد ذلك الخروج عن الخط الجزائري اعتقلوا او اغتيلوا.
وخلص البرزاني الى القول ان «لب الصراع في الصحراء حاليا هو البشر بعد ان حلت مشكلة الارض لصالح المغرب». وقال «علينا ان ننزع من الجبهة الادوات المؤدية التي ما زالت بيدها»، مشيرا الى ان «90 % من سكان الصحراء ضد البوليساريو، لكنهم في نفس الوقت ضد تصرفات السلطات الادارية المغربية في الاقاليم». وقال البرزاني «لا يمكن ان يفكر الآخرون بدلا من الصحراويين، لذلك لا بد من اعطائهم الفرصة لادارة شؤونهم بانفسهم».
وعاد القاضي ماء العينين ماء العينين ليؤكد ان «المغرب حرر الارض لكنه لم يحرر الانسان الصحرواي»، معتبرا ان المشكلة اصبحت اليوم «مغربية ـ مغربية» يمكن أن تحل من خلال الاهتمام بالانسان الصحراوي قبل الارض.
محمد الاشعري وزير الثقافة المغربي صادف ان كانت مداخلته هي آخر مداخلة عرفها اللقاء فجاءت عبارة عن استنتاجات لما خلص اليه اغلب المتدخلين في هذه الندوة. وقال الاشعري ان تدبير المجال الصحراوي بعد 1975 لم يثمر في مجال الادماج والوحدة، وتحدث عن بعض لقاءاته مع سكان الصحراء، وقال انه خلال هذه اللقاءات كان يكتشف دائما نوعا من «الحذر والمسافة في علاقتنا بالصحراء وعلاقتهم بنا». وتساءل الاشعري «لماذا يطرح الناس خطورة الاستفتاء من ناحية التصويت الصحراوي؟ لماذا الخوف من ان يكون الصحراويون مع الوحدة وضد السلطة؟ ليجيب عن اسئلته هذه بتساؤل اوسع مفاده «كيف يمكن لبلد متعدد اثنيا وثقافيا ان يبني وحدته واندماجه ويحافظ على تنوعه وتعدده؟»، قبل ان يخلص الى اعتبار ان «العزلة الثقافية تترك اثرا اكبر لدى الانسان لأنها تجعله يحس بأنه مندمج ومنعزل في نفس الآن». ودعا الاشعري في الختام الى «تدبير الاندماج من خلال اعادة النظر في مفهوم الوطنية بطريقة تجعلنا نبقى متوحدين وفي نفس الوقت متعددين».
هل من الممكن ان تكون مثل هذه النقاشات في تندوف حيث تعسكر ميليشيات البوليزاريو في الأرض الجزائرية؟
أترك لكم أمر الاجابة ورجاء من أجل اعادة قراءة الفقرة ما قبل الاخيرة.
أستاذ زهير،
هل ممكن أن تنشر تتمتك في مقالة منفصلة لأنها هامة جدًا ومتعلقة بالموضوع؟ ومن الممكن أن تجعلها الجزء الثاني لمقالتك.
تحياتي