(1)
بيروت, لبنان إبريل 1975، مجموعة من المسلحين التابعين لمنظمة التحرير الفلسطينية تحاول إغتيال الزعيم الماروني بيار الجميل ليرد الأخير بمذبحة عين الرمانة إيذاناً ببدء الحرب الأهلية اللبنانية.
لبنان عبارة على رقعة جغرافية صغيرة يعيش عليها لفيف متنوع دينياً و ثقافياً و إيدلولوجياً، التيارات السياسية الرئيسة التي تتقاسم السلطة طائفياً هي الكتائب اللبنانية”مسيحيين” و الكتلة الوطنية” سنة و يساريين” و منظمة التحرير الفلسطينية.
مما يعني أن أي تغيير ديموغرافي قد يؤدي إلى زيادة قوة على حساب قوة أخرى، و هو ما حدث بالفعل مع موجة اللجوء الفلسطيني خصوصاً بعد طرد منظمة التحرير الفلسطينية من الأردن عام 1970، فانتقلوا إلى لبنان و انتقل معهم مقاتليهم و مليشياتهم و قادتهم العسكريين. هذا الوضع لم يرضي أحزاب اليمين المسيحي التي كانت ترتأي جمهورية لبنان كدولة مستقلة ذات سيادة، الأمر الذي لم يرضي لا سوريا ولا الفلسطينيين ولا اليسار اللبناني.
(2)
سوريا, حماة فبراير 1982، الجيش السوري بقيادة رفعت الأسد يحاصر المدينة و يقصفها قرابة الشهر موقعاً 30 ألف قتيلاً معظمهم من المدنيين بهدف القضاء على تمرد الإخوان المسلمين.
تبدأ كل نزاعات الشرق الأوسط من منطلق واحد فقط يتبناه اليساريين في تارة و الإسلاميين في تارة أخرى، ألا و هو “العداء للغرب الديمقراطي”، و ما يتبع ذلك من نظريات المؤامرة و الإمبريالية و استغلال الكادحين.
هم لا يدركون حقاً -سواء بقصد أو غير قصد- أن الشعارات الشوفينية الدينية لدى الإسلاميين أو الوطنية عند اليساريين لم تعد قادرة على إحلال السلام أو تبني قيم العدالة و الحرية، حيث أن العالم ليس على النفس الحال التي كان عليها حتى أوائل القرن العشرين. لقد استبدل العالم القيم القديمة بتلك التي تعتمد على المصالح المشتركة و حرية التنقل و تبادل المعلومات مستهدفين بذلك غاية واحدة هي حياة أكثر رفاهية للإنسان.
و لكن لدى كتلة معروفة رفضت ذلك بفعل دوافع ثيوقراطية أو إيديولوجية سياسية، و هو أمر معتاد الحدوث و لكن ما هو غير معتاد أن نرفض الرفاه الإنساني و نرضى بالنُظم البدائية على الرغم من حُكم التجربة و الواقع.
(3)
سركلو, العراق مارس 1988، الحرس الجمهوري العراقي بقيادة علي المجيد يبدأ عملية الأنفال ضد الأكراد العراقيين بهدف التطهير. لتنتهي العملية بعد 5 أشهر مخلفة 100 ألف قتيل على الأقل و تدمير 2000 قرية.
الحالة الثورية و ما ادراك ما الحالة الثورية، إنها محصلة إلتحاق عديمي الخبرة مراهقي التجربة إنفعاليي التصرف بالحياة السياسية، هؤلاء لا يبنون أحكامهم سوى على عدة مشاهدات غير دقيقة متوارثة من الأباء الروحيين للعصور ما قبل الالة، يتشاركون نفس العداء للإقتصادات الحرة و يدافعون باستماتة على الكسالى عديمي الإنتاجية إذا ما تسائل أحدهم مجرد تساؤل عن جدوى وجودهم في المصانع و المكاتب.
و من ناحية أخرى ستجده محاطاً بجو من البارانويا حيث العم سام يخطط لتجفيف الآبار من القاع و السير كوهين يجهز سرب من الرُخ و العنقاوات للهجوم في جنح الليل و مستر وينستون سيقوم بنفخ بالون بهدف حجب أشعة الشمس عن أرض الوطن.
من الجدير بالإشارة إن في حرب العراق 2003 سقط المدنيين العراقيين و ما زالوا يسقطون بعبوات ناسفة صنعها جيرتهم في كربلاء الشيعية أو الموصل السنية، في حين أن العمليات الأساسية للجيش الامريكي في العراق انتهت بسقوط بضع مئات من المدنيين.
(4)
دارفور, السودان فبراير 2003، بدأ المعارك بين الجيش السوداني و حركة تحرير السودان التي ما زالت مستمرة حتى الان و التي خلفت 300 ألف قتيل و أكثر من 2 مليون مشرد.
يعود أصل النزاع في غرب السودان لأسباب عرقية، النظام السوداني المتحالف مع قبائل الجنجاويد ذوو الأصول العربية في مقابل السكان ذوو الأصول الافريقية، دعم عمر البشير الجنجاويد بالسلاح و العتاد و تم على إثر ذلك حدوث عشرات حالات التطهير العرقية و إبادة قرى ذوي الأصول الافريقية.
في عام 2009 صدرت مذكرة توقيف بحق البشير من قِبَل محكمة العدل الدولية لاتهامه بإرتكاب جرائم حرب في دارفور، رد عمر البشير على ذلك بطرد عشرات وكالات الإغاثة الاجنبية التي تمتلك مكاتب في السودان.
حدثت حالة من النشوة لدى الإسلاميين و اليساريين في آن واحد، لدى الإسلاميين لأنهم يرون في البشير رجل ذو ميول دينية يطبق الشريعة في بلاده، و لدى اليساريين لأنه وقف في وجه الإمبريالية على حد زعمهم.
(5)
حلب, سوريا إبريل 2016، في الأسبوع الأخير من هذا الشهر انهارت الهدنة بعد أن قامت طائرات النظام السوري بقصف المناطق الخاضعة لسيطرة جبهة النصرة “تنظيم القاعدة” في حلب. و استهدفت مشفى قُتِل فيه 20 مدنياً في رسالة واضحة من النظام السوري أنكم لن تكونوا حتى قادرين على مداواة جرحاكم، في إشارة ربما إلى حملة عسكرية كبيرة لإستعادة المدينة الإستراتيجية.
و لكن علينا مراجعة الأمور لبرهة، المدينة بالفعل محتلة منذ أعوام من قِبَل الميليشيات الإسلامية و حدثت فظائع لربما فاقت ما حدث على مدار الأسبوع الماضي، السبب في ذلك الزخم و الهياج هو التعاطف الجماعي من أشخاص لم يقربوا يوماً بأعينهم سطراً على واقع منطقتهم، فليس عجيباً أن نرى اليوم صدامياً أو قاعدياً أو ممانعاً أو خلافنجياً متعاطف مع المدينة التي تستحق بالفعل كل التعاطف و لكن ليس من هؤلاء الذين يشعرون بالوخز فقط لأن الضحايا من معسكرهم. لأن بالنسبة إليهم من المهم أن يكون الضحية إسرائيلياً أو كتائبياً أو لحدياً أو ناتوياً.
هؤلاء جميعاً لا يريدون سلاماً دائماً في المنطقة بل يريدون عوضاً عن ذلك أن يتم تحويل فوهة البنادق من حلب إلى تل أبيب و من بغداد إلى مرجعيون و من الخرطوم إلى اللاذقية.
وسط كل حمامات الدم هذه سيقف البعض مرة أخرى أمام الغرب الديمقراطي رافضين للتدخل العسكري كما حدث من قبل، و لكن أنا سأقبل ذلك ليس من أجل الرفاه الإجتماعي بل من أجل حقي في الوجود و الحياة، سأقبل ذلك إذا قام رئيس دولتي بنحر الأقليات و وطأ الحريات و إحتلال دول الجوار و التعدي عليها و دفن المعارضين أحياء كما حدث في سوريا و العراق و السودان.
ساسأل فقط الواقفين على الجهة الأخرى. يا من تعادي إسرائيل و أمريكا و الأوروبيين، ما الذي من الممكن أن يفعله هؤلاء أكثر مما حدث من حلفائك بالفعل؟!
3 تعليقات على على ايقاع السوخوي
الخيانه ليست وجهة نظر ,ولا يمكن تبريرها
بسم الله الرحمن الرحيم
قال الله تعالى : ولا تحسبن الذين قتلوا في سبيل الله أمواتا بل أحياء عند ربهم يرزقون
بسم الله الرحمن الرحيم
قال الله تعالى : مِنْ أَجْلِ ذَٰلِكَ كَتَبْنَا عَلَىٰ بَنِي إِسْرَائِيلَ أَنَّهُ مَن قَتَلَ نَفْسًا بِغَيْرِ نَفْسٍ أَوْ فَسَادٍ فِي الْأَرْضِ فَكَأَنَّمَا قَتَلَ النَّاسَ جَمِيعًا وَمَنْ أَحْيَاهَا فَكَأَنَّمَا أَحْيَا النَّاسَ جَمِيعًا ۚ وَلَقَدْ جَاءَتْهُمْ رُسُلُنَا بِالْبَيِّنَاتِ ثُمَّ إِنَّ كَثِيرًا مِّنْهُم بَعْدَ ذَٰلِكَ فِي الْأَرْضِ لَمُسْرِفُونَ (32)
لايوجد مثل هذه الأياية في جميع دساتير أو قوانينها الوضعية، ولو أقام الناس كتاب الله لحلت جميع المشاكل