ما زلت أصر على أن تزايد أعداد المؤسسات الاجتماعية التي تهدف إلى نشر ثقافة المدنية وخدمة الإنسانية على أسس تنموية هي ظاهرة صحية رغم وصول تلك المؤسسات للآلاف, إلا إنني وبالمقابل أتحدث عن “التغيير الاجتماعي” الذي أحدثته على الأرض تلك المؤسسات كنتائج لسنوات من عملها في المجتمع اليمني.
في الحقيقة مؤسسات المجتمع المدني في اليمن لا يمكن بسهوله الجحود ونكران عملها بل والاعتراف ضمنياً بأنها ساهمت إلى حد معقول في إحداث تغير بنّاء في الفكر والممارسة للمجتمع اليمني، إذ نلتمس اليوم وعيا أفضل تجاه تفاصيل الحياة المدنية والحقوقية من قبل السلطة والمجتمع إذا ما تمت المقارنة في السنوات السابقة من عمر اليمن الموحد في عام 22 مايو 1990م.
بيد أن ثمة اختراق حقيقي يشوه الهدف الأخلاقي والإنساني الأسمى لمنظمات المجتمع المدني في إحداثها “للتغير الاجتماعي البناء في المجتمعات” من خلال ما تم الاصطلاح على تسميته بـ”الاسترزاق التنموي”.
في الواقع، يبدو وبوضوح الخلل المصاحب للظاهرة الصحية في تزايد عدد مؤسسات المجتمع المدني المتخصصة, حيث يتضح ذلك الخلل عبر تحريف الآلية الأسمى للعمل التنموي واستبدالها كمصدر حقيقي للرفاه والثراء وكمصدر للرزق, بالإضافة لتعرض ذلك الازدياد الصحي في العدد لمؤسسات المجتمع المدني للاقتحام السياسي والإثني والمناطقي أيضاً مما يجعل ذلك الازدياد من كونه صحيا إلى آخر مشوها, ويستحق وضع تساؤل عن الجدوى من زيادة تلك المؤسسات بالمقارنة مع فاعليتها وتأثيرها في الأرض على الإنسان اليمني!!؟
إلا أن ذلك التحدي لا يقف عن الحد الذي تم ذكره سابقاً بل يتعدى ذلك الحد وصولاً للداعمين أو المانحين للمنح المالية والتي الغرض منها إحداث تغيير بناء في المجتمع, بموجب ذلك يتم منح تلك الأموال لمؤسسات المجتمع المدني حيث ظاهرياً يتم الحديث عن معايير وتصنيفات تبدو مثالية إلا أنها وللأسف الشديد لا تخرج عن دائرة المعرفة الشخصية والفساد المالي والأخلاقي واللذان في كثير من أعمال هؤلاء المانحين هما المعيار الحقيقي لتحديد أحقية منح مؤسسة مجتمع مدني عن أخرى !!
وبالإجمال يمكننا اختزال الحالة الراهنة لعمل مؤسسات المجتمع المدني في أنها “قضية أخلاقية” تمثل القيم الأهم والموجة الحقيقي لعمل تلك المؤسسات وارتباطها مع ما تقوم بتحقيقه من تنمية…تغيير أو إصلاح على الأرض.
وأتصور أن برنامجا يعني بالبناء المؤسسي الصالح, القائم على التوعية بالقيم التنموية وأخلاقية العمل التنموي بالإضافة إلى الإدارة الرشيدة والإصلاح المؤسسي لمؤسسات المجتمع المدني هو ضرورة ملحة على الداعمين أو المانحين تبنيها لإشاعة “التغيير الاجتماعي البناء”. إلا أن مثل هذه الخطوة تتطلب أيضاً خطوات إصلاحية سابقة تتخذ في داخل منظومة الداعمين أو المانحين ذاتهم لضمان أن منحهم المالية سيتم منحها وفق معايير ومصنفات المنافسة الشفافة الشريفة البعيدة عن صور الفساد الذي تعيشه معظم الجهات المانحة أو الداعمة للتنمية في اليمن.
وفي الأخير… الوصول إلى التغيير الاجتماعي البناء ليس “بالمهمة المستحيلة” إذ يمكن تحقيقه إذا ما تم إشاعة “القيم والأخلاقيات” التي منها ينطلق العاملون في مجال التنمية المجتمعية ولعل الأهم ترشيد منظومة المانحين أو الداعمين العاملين في اليمن في عملية اختيارهم لمنح مؤسسة مجتمع مدني عن أخرى. حينها فعلاً نكون أسسنا لمرحلة جديدة من التأثير الحقيقي للعمل المؤسسي والاجتماعي نحو التنمية المستدامة والتغيير الاجتماعي البناء.
3 تعليقات على الاسترزاق التنموي…التحدي الحقيقي للوصول إلى التغيير الاجتماعي
صديقي علاء،
مرحبًا؟
أيناك يا رجل؟! صار لك مدة ما بتكتب؟! شو حصل؟!
أولًا، أحييك على فتح هذا الملف الهام جدًا.
ثانيًا، أتفق معك تمامًا في ما ذهبت له، ولو ضمنيًا، على أن العمل التطوعيّ يتميز بالمثابرة، ويكون الحقوقيّ مؤمن بما بفعل في مجاله المدنيّ، ولا ينتظر مقابلًا. ولكننا في الوقت ذاته، لا نعيب على المؤسسات التي تهدف للربح، أو تستثمر أموالها في أعمال وأنشطة قانونيّة لتدعمّ نشاط الجمعيّة. قل لي من أين ستأتي برواتب العمال والموظفين؟! فالجمعيّة لا تقوم على سواعد المتطوعين فقط، ولكن هناك عمال ومؤجرون وموظفون ومحامون سيتقاضون أموالًا، وهذا قد يأتي من أموال التبرّعات أو كما قلنا الاستثمار في أنشطة مشروعة.
ثالثًا، أما من يفتتح مؤسسة هدفها الأول إخفاء نشاطها الرّئيسيّ، بلا ولا تخدم الهدف الذي فتحت من أجله، تحولت لشركة تجاريّة، أكرم لها أن تفتتح شركة خاصة أكرم لها، وأكثر آمانًا، فتكون بعيدة عن الشّبهات والمساءلات القانونيّة.
رابعًا، أنا ضد ما تفضلت وذكرت حول اقتحامها للحقل السياسيّ والمناطقيّ والإرثيّ والإثنيّ، فهي جمعيّة مدنيّة يجب عليها مراعاة عدم التمييز، وليست حزبًا سياسيًا.
خامسًا، ولكني في الوقت ذاته، ضد فكرة أن تفرض الحكومات حظر على إنشاء هذه الجمعيات، أو حتى أن تراقب أنشطتها، فنحن ننشد مجتمعًا صحيًا تقل فيه صلاحيات الحكومات، وليس العكس.
سادسًا وأخيرًا، أنا معك في أن المانحين هم الأساس والحالة هذه، ولكن ما باليد حيلة، فالمانحون الأجانب يعطون للمؤسسات التي يريدونها بالتحديد، والتي تدعم فكر وخطط وأهداف المانحين، وهذا تعانيه جمعيات العمل المدنيّ في كل دول الشّرق الأوسط، فمثلًا في مصر يغالي المانحون في دفع أموالًا طائلة، لنشر الوعي عن الإيدز، كل عام نفس الموضوع، مع أن الإيدز ليس منتشرًا في مصر بهذه الدرجة، وفيروس سي على سبيل المثال أكثر انتشارًا وفتكًا منه، ولكن الجمعيات المدنيّة ترفع شعار “ما باليد حيلة” فهي أموال المانحين، وكما تعلم فالاقتصاد يوجه السّياسة.
تحياتي
Pingback: Tweets that mention شباب الشرق الأوسط » أرشيف المدونة » الاسترزاق التنموي…التحدي الحقيقي للوصول إلى التغيير الاجتماعي -- Topsy.com
شكراُ صديقي… فحتى أنا إفتقدت كثيراً وطني. و وطني هنا “موقع شباب الشرق الأوسط”.
أتفق في كل النقاط التي أوردتها… وهنا لدي بعض التفكر فيما يتعلق النقطة الأخيرة، بطبيعة الحال العديد من المانحين يهبون المنح المالية وفق اجندتهم وتوجهاتهم الخاصة. إلا اننا وبالمثل يمكن لنا ان نصوب تلك الأجندة او تلك التوجهات من خلال “العمل المشترك” والعمل المشترك ما أعني به هو التنسيق الكامل بين مؤسسات المجتمع المدني العاملة من خلال إعلان أجندة إصلاحات مشتركة مبنية على وجهة نظرهم وتقييمهم الخاص. مما سيدفع المانح إلى التفكير ملياً في تنفيذ أجندتة دونما النظر والتنسيق بالحد الأدنى مع منظمات “العمل المشترك” في بلداننا العربية.
الموضوع يحتاج إلى مزيد من التنقيح…مزيد من التداول… والنقاش، بالمقابل وضع كهذا الذي أقترحته يحتاج إلى عمل مكثف وعلى مسارين إثنين.
ربما أكتب عن ذلك في مقال منفصل… إلى ذلك الحين. لك كامل مودتي على مرورك ومداخلتك العطرة.
مع محبتي،،،