من يحكم بإسم الله و يعتبر نفسه مؤيدا من السماء في كل تصرفاته و قراراته، يتميز بمستوى لا مثيل له من الغباء اللامحدود و جنون العظمة، و لذلك تجده يسعى إلى المستويات النهائية في محاولته تكريس السلطة المطلقة و الطغيان على الأرض، فاعتقاده العميق بأنه يمثل سلطة الله على الأرض يمنعه من فهم الواقع بكل تفاصيله و مكوناته، و هذا ما يدفعه لإرتكاب الأخطاء الكارثية بالجملة, معتقدا في صميم دواخله أن ما يفعله ليس إلا تطبيقا لإرادة الله التي وضعته في ذلك المكان، و في هذه النقطة بالذات ظعونا نتفق أن الله لا يحتكم في إرادته لمفاهيم الديموقراطية.
أبلغ مثال على هذا التوجه هو ما يفعله الآن لص حلب رجب باشا السفاح، إنه يستعدي قطاعات كاملة من المجتمع التركي، و يمعن في إهانة و تفتيت الجيش المؤسسة التي بنت تركيا الحديثة، يطرد آلاف القضاة و المدعين العامين و ظباط الجيش و صف الظباط و الجنود، يطرد آلاف الأساتذة و المعلمين و عمداء الجامعات، يطرد آلاف الموظفين الإدرايين من المحافظات و جهازي الشرطة و الدرك، هذا المعتوه ينتشي بعودته من النقطة صفر لزمام السلطة بعد الإنقلاب الفاشل الذي نجا منه، عبر خلق الآلاف من الأعداء الحقيقيين في مختلف قطاعات الشعب و مؤسسات الدولة في سعي محموم للسيطرة على كل مقاليدها و تغيير المسار السياسي الذي قامت عليه خدمة لأجندة الجماعة الدينية الفاشية التي ينتمي إليها، و هو ما يؤكد حقيقة نعرفها جميعا و إن كانت تجهلها قطعان اليسار المخصي المازوخي، و هي أن الكائن الإسلامجي لا يعترف في دواخله بالديموقراطية و لا بالعلمانية كأسس تبنى عليها الدولة الحديثة، و أن خضوعه لهما كمفهومين سياسيين راجع لكونه يعي جيدا أنه لا مجال لديه للوصول للحكم دون ذلك، و لهذا يلتزم بهما في إطار من التقية التي يتقنها طبعا تبعا لإلتزامه الديني أولا.

في بداياته السياسية قام أدولف هتلر بمحاولة إنقلاب فاشلة سميت بانقلاب بير هول Beer Hall Putsch كانت محاولة انقلابية فاشلة نفذها هتلر مع أعضاء الحزب النازي و أهمهم هيرمان غورينغ حينها، و ذلك  من أجل الاستيلاء على السلطة في مقاطعة بافاريا وألمانيا، ابتدأت المحاولة الانقلابية في مساء يوم 8 نوفمبر حتى ظهيرة يوم 9 نوفمبر عام 1923، وكان أدولف هتلر قد قرر استخدام اسم الجنرال إريش لودندورف كواجهة سياسية و عسكرية يحترمها الألمان لتاريخه المشرف خلال الحرب العالمية الأولى، و قد إنتهت المحاولة بالفشل الذريع و تسببت في مقتل 16 عضوا من الحزب في مواجهات مع الشرطة الألمانية وسجن رئيس الحزب النازي آنذاك أدولف هتلر.

بعد خروجه من السجن فهم هتلر أن طريق العنف و المواجهة المفتوحة لن توصله لسدة الحكم في ألمانيا، فبدأ العمل على تقوية أسس الحزب النازي و زيادة أتباعه و أعضاءه و تقوية رصيده الشعبي، و بعد عدة مراحل إنتخابية وصل هتلر إلى أغلبية نسبية في الرايخستاغ دفعت رئيس الجمهورية بول فون هيندنبورغ لتعيينه مستشارا ظنا منه أنه يستطيع السيطرة عليه، لكن ما لبث رئيس الجمهورية العجوز و المريض أن توفي ليقوم هتلر بضم صلاحياته لمنصب المستشارية و يصبح الزعيم الأوحد للرايخ الألماني، و ذلك إبان خطاب ألقاه في جنازة تأبين الزعيم الراحل، و في لحظة فارقة من التاريخ، أصبح جنود الجيش الألماني يؤدون قسم الولاء لشخص الفوهرر أدولف هتلر و يبايعونه على الطاعة حتى الموت، بعد أن كان قسم الولاء العسكري يؤدى لألمانيا، للوطن أولا.

هذا أبسط مثال ترويه كتب التاريخ عن الديموقراطية العمياء التي قد تسمح لقطعان من الناخبين الأغبياء بإيصال حزب يميني فاشي متطرف حد الجنون للسلطة، لتصبح صناديق الإنتخاب طريقا ممهدا و معبدا للوصول للديكتاتورية المطلقة في أبشع صورها، لكن من يقرأ التاريخ و يتعظ، الشيء المؤكد هو أن أتباع اليسار المازوخي المخصي هم أبعد ما يكون عن ذلك.

مهدي بوعبيد
20/07/2016