في بحث جديد قدمه علماء تابعين لمعهد “ماكس بلانك” بخصوص ظاهرة التغير المناخي في منطقة الشرق الأوسط، اظهرت التوقعات الجديدة التي تم تسجيلها أن معدل درجات الحرارة في الأرض يرتفع بمقدار درجتين مئويتين عما كانت عليه قبل الثورة الصناعية، فإن درجات الحرارة الصيفية في هذه المنطقة ستزداد على نحو أكثر من الضعف في منتصف القرن الجاري ؛ مرد ذلك هو عدة عوامل بيئية و طبيعية هي موجات الحرارة طويلة المدى، الجفاف و ظاهرة التصحر.
و من المتوقع أن تبلغ درجات الحرارة الصيفية في شمال افريقيا و الشرق الأوسط قرابة 46 درجة مئوية نهاراً، أما في الليل فسيكون متوسطها 30 درجة مئوية، بالإضافة إلى زيادة عدد أيام الموجات شديدة الحرارة التي لا تطاق من 16 يوماً سنوياً إلى 80 يوماً سنويا، ما يعني أن 22% من أيام السنة سيكون الطقس فيها غير ملائم لمزاولة الأنشطة البشرية.
يمكننا الإشارة بصورة خاصة إلى أن كل من المملكة العربية السعودية و الجمهورية العراقية تشهد ارتفاعاً كثيفاً في درجة تشبع الجو بذرات غبار الصحاري؛ و يرجع سبب ذلك إلى زيادة العواصف الرملية كنتيجة مباشرة لفترات الجفاف الطويلة. و بشكل عام فإن الأبجديات الجديدة للحالة المناخية في شمال افريقيا و الشرق الأوسط ستضع قواعد تجعل عديد البقاع الجغرافية غير مناسبة لاستمرار الحياة؛ مما سيدفع سكانها إلى الهجرة إلى بيئات ملائمة للسكن.
لقد نتج عن حرق الوقود الأحفوري ارتفاع درجة حرارة الأرض ما مقداره 0.8 درجة مئوية، أما إذا ارتفعت درجة الحرارة 1.5 درجة مئوية فسيؤدي ذلك إلى 30 يوم سنوياً من الموجات الحارة في دولة كمصر، و تهديد متواصل لسكان المناطق الساحلية البالغ عددهم مليون و نصف المليون نسمة بالغرق جراء الفيضانات نظراً لارتفاع مستوى البحر.
أما إذا ارتفعت درجة الحرارة بمقدار درجتين مئويتين فسينتج عن ذلك 53 يوم سنوياً من الموجات الحارة بالإضافة إلى فساد ثُلث المحصول المصري من القمح. و في حال ارتفعت درجة الحرارة بمقدار 3 درجات مئوية فسنشهد 80 يوم سنوياً من الموجات الحارة، أي أن 88% من أيام فصل الصيف ستكون عبارة عن موجات حارة، بالإضافة إلى غرق 25% من مساحة منطقة الدلتا المصرية.
و قد أعلنت الأمم المتحدة في تقرير صدر عن برامجها المعني بشئون البيئة أن تكلفة مساعدة الدول النامية على التكيف مع تغير المناخ يمكن أن تصل إلى 500 مليار دولار سنوياً بحلول عام 2050، و أشار التقرير أيضاً إلى أن التكاليف سوف ترتفع بشدة حتى لو نجحت الدول في الوصول إلى هدف الحد من ارتفاع درجات الحرارة العالمية و المقدر بـ2 درجة مئوية، و الذي تم التوصل إليه في اتفاق قمة المناخ الذي عقد في العاصمة الفرنسية باريس في ديسمبر الماضي.
يبدو جلياً لنا جميعاً أن الشرق الأوسط محط الحضارات القديمة منذ بداية تسجيل التاريخ سيضطر بصفته أكثر المناطق تضرراً من ظاهرة التغير المناخي لتدوير عداده الزمني لبدأ العمل مرة أخرى من خانة الصفر.