الإسلام ليس إلا يهودية معربة، قد يبدو هذا القول غريبا بالنسبة للبعض و مرعبا بالنسبة للكثيرين، لكنها الحقيقة التي ينضح بها التاريخ، ذلك التاريخ الذي لا نقرأه و حتى إن حدث و تصفحنا شيئا منه، نعتبره مجرد أكاذيب و ضلالات تدخل في إطار مؤامرة كونية على الإسلام.

القول بأن الله قد أنزل اليهودية كديانة سماوية إلهية مخالف تماما للحقيقة، فاليهودية هي ديانة خاصة بأحفاد إبراهيم من قبائل اليهود، أولئك الذين وعدهم الله بأرض كنعان (أرض فلسطين)، و هي ديانة خاصة بهؤلاء القوم و أحفادهم، و لهذا لن تجد مفهوم التبشير في اليهودية حتى اليوم، أما التوراة و التلمود فهي ليست كتبا منزلة من الله، بل كتبها أحبار اليهود إبان السبي البابلي على يد الملك العظيم نبوخذ نصر الذي حاصر و دمر أورشليم و هدم المعبد الأول بين عامي 589 و 587 قبل الميلاد، و في هذا السبي أخذ نخبة القبايل اليهودية كعبيد معه لبابل، و هناك كتبت التوراة و جاءت مشبعة حد التخمة بروايات و أساطير و تفاصيل المرويات التي كان يتناقلها كهنة و رهبان عشتار و مردوك و بعل و إنانا و هي كلها آلهة بلاد الرافدين التي توارثت عبادتها و تقديسها عدة حضارات مرت من تلك الأرض، و بقيت أساطيرها منتشرة بين شعوب المنطقة منذ عهد السومريين، هاته الأساطير في مجملها هي قصة الطوفان و الخلق الأولي و هي مأخوذة من ملحمة جلجامش و ملحمة إينوما إليش كلمة بكلمة و سطرا بسطر.

اللوحات الطينية السبع التي إكتشفت في شمال غرب العراق قرب الموصل في بداية القرن العشرين و هي تروي قصة الخلق الأولي كما روتها ملحمة إينوما إليش ...

اللوحات الطينية السبع التي إكتشفت في شمال غرب العراق قرب الموصل في بداية القرن العشرين و هي تروي قصة الخلق الأولي كما روتها ملحمة إينوما إليش.

بالنسبة للمسيحية فهي تاريخيا لم تكن ديانة، بل مجرد مذهب هرطوقي منشق عن الديانة اليهودية و لم تعترف به إلا قلة ضئيلة من الأتباع. هذا المذهب نفسه إنشقت عنه عدة مذاهب و توجهات أخرى، و لم تنتشر هاته المذاهب خارج بعض مناطق الشرق الأوسط الموزعة بين شمال سوريا و جزء من باديتها عند مدخل الصحراء و شمال الجزيرة العربية، و لم تكن تعرف حينها لا بالمسيحية و لا بالنصرانية، ففي الجزيرة العربية مثلا سميت بالنسطورية نسبة للراهب نسطور و في مصر عرفت بالآريوسية نسبة لآريوس و طيلة أكثر 3 قرون بعد تاريخ موت المسيح المفترض ظلت المسيحية ديانة شبه منسية في العالم و لا يؤمن بها إلا جماعات قليلة يتعرض أغلبها للإضطهاد و القتل و التنكيل من الرومان و الفرس و من القبائل الوثنية، و كانت الديانة الميثرائية و هي ديانة هندو-إيرانية قديمة تنتشر أكثر من مذاهب المسيحية و ذلك على إمتداد العالم المعروف آنذاك، حيث وجدت معابد عديدة للإله ميثراس بدءا من شرق إيران و وصولا لشمال إسبانيا، فرنسا، ألمانيا وصولا لإسكتلندا, و إستمرت الميثرائية كأكثر الديانات إنتشارا في العالم بين القرن الأول و الرابع الميلادي، و لولا أن الإمبراطور الروماني قسطنطين قد إختار المسيحية كديانة رسمية للإمبراطورية الرومانية و قام حينها بعقد مجمع نيقية في العام 325 ميلادية لكي يضع الأسس الرسمية لهذه الديانة الجديدة لما عرف العالم شيئا عن المسيحية بكافة مذاهبها، و لظلت طي النسيان حتى اليوم. و قد دعى قسطنطين لهذا المجمع رهبان و قسيسين و كهنة يمثلون مختلف مذاهب المسيحية الموجودة في المناطق التي تقع تحت حكم الإمبراطورية الرومانية، و قد إجتمعوا طيلة أكثر من شهرين و هم يناقشون مختلف تفاصيل الديانة الرسمية الجديدة التي سوف يعلنها قسطنطين الأول، بما في ذلك حقيقة المسيح و مريم و الولادة العذراء و الحديث في المهد و نبوته و صلبه و قيامه من الموت و صعوده للسماء و بعثه من جديد، و اللاهوت و الناسوت و الثالوث المقدس، و بما ان روما كانت لا تزال وثنية حينها و يمتد حكمها بين القارات الثلاث، فقد جاءت شخصية عيسى المسيح خليطا من عدة شخصيات نجدها في عدة ديانات في شكل أساطير تعود لآلاف السنين قبل مجيء المسيح المفترض مثل ميثراس، حورس، كريشنا، أدونيس، و كلها تمثل آلهة و ديانات كانت لا زالت موجودة و منتشرة بين الشعوب التي تحكمها روما آنذاك، …، كما قام المجمع بإختيار الأناجيل الرسمية الأربعة و أمر الكهنة و الرهبان بمنع و إحراق باقي الأناجيل المنتشرة بين الناس. و عند نهاية المجمع المسكوني أعلنت المسيحية ديانة رسمية للإمبراطورية الرومانية (رغم أن قسطنطين قد بقي وثنيا حتى موته و لم يؤمن بها)، و هي في جزء كبير منها نفس المسيحية الكاثوليكية التي نعرفها الآن.

مشهد تخيلي للمجمع المسكوني في نيقية في العام 325 بعد الميلاد ..

مشهد تخيلي للمجمع المسكوني في نيقية في العام 325 بعد الميلاد

مما يعني منطقيا أنه لولا أن إمبراطورا وثنيا كان يبحث عن توجه جديد يوحد به الإرادة السياسية و العسكرية لإمبراطوريته لما كان أحد قد سمع بها اليوم و لبقيت ديانة غابرة منسية في الزمن مثل آلاف المعتقدات التي عرفها البشر و طوتها صفحات التاريخ.

الإله ميثراس و هو يقتل الثور، منحوتة وجدت في منطقة Heidelberg جنوب غرب ألمانيا.

الإله ميثراس و هو يقتل الثور، منحوتة وجدت في منطقة Heidelberg جنوب غرب ألمانيا.

في مسألة الأناجيل يجب أن نحدد نقطة مهمة، فهي ليست كتبا مقدسة نزلت بها الملائكة على عيسى المسيح ثم حرفت فيما بعد كما يخيل للمسلمين اليوم؛ بل هي في مجملها قصة حياة عيسى و كلامه و أسفاره كما كتبها رفاقه و حواريوه و رهبان كثر من بعدهم و فيها تفاصيل عديدة متناقضة و غير مترابطة أو متشابهة بين إنجيل و آخر، و إلى جانب الأناجيل الأربعة الرسمية هناك عشرات الأناجيل الأبوكريفية الأخرى (راجع إكتشافات مخطوطات البحر الميت و مخطوطات نجع حمادي).

مخطوطات البحر الميت

مخطوطات البحر الميت

في مسألة الشعائر و الأدعية و الصلوات و القصص و الروايات و التفسيرات الدينية للخلق الأولي، نجد أن المسيحية تأخذ نفس التفاصيل عن اليهودية التي أخذت بدورها عن البابليين و السومريين و الأكاديين و الإسلام جاء في القرن السادس الميلادي و أخذ عن كل هؤلاء، و خاصة عن اليهودية فيما يخص التشريعات و الأحكام المتشددة.

بردية  تبين مشهد الإله المصري حورس و هو يقدم شخصا ميتا للحساب أمام أوزوريس ..

بردية تبين مشهد الإله المصري حورس و هو يقدم شخصا ميتا للحساب أمام أوزوريس

الحقيقة المرعبة في كل هذا هو أن علماء التاريخ و الأركيولوجيا و بعد أبحاث و حفريات إستمرت منذ نهاية القرن التاسع عشر و حتى اليوم، لم يجدوا نقشا واحدا أو بناء أو قطعة عملة أو فسيفساء أو تمثال، او بوابة أو عمود واحد يتحدث نبي واحد من أنبياء اليهودية او المسيحية كما جاء ذكرها في التوراة و الإنجيل، و هم يجمعون اليوم رسميا على كون قصص إبراهيم و إسحق و إسماعيل و يعقوب و موسى و غيرهم، هي مجرد أساطير تم تجميعها من مرويات اقدم توارثتها شعوب و قبائل الشرق الأوسط و آسيا الوسطى و الصغرى، و هذا ما تؤكده دراسة الأناجيل الأربعةو الأناجيل الأبوكريفية و التوراة و التلمود و المدراش اليهودي، كما يؤكده القرآن الذي أخذ نفس القصص و الروايات و أعادها بنفس الشكل و بمجمل ما إحتوت عليه من أخطاء تم تكذيبها اليوم بشكل فعلي.

الإله الهندوسي كريشنا، الذي تتشابه أسطورته مع قصة المسيح عيسى في عدة جوانب، مثل الولادة العذراء و الحديث في المهد و الحواريين الإثنا عشر، و علاج المرضى و المشي على الماء ...

الإله الهندوسي كريشنا، الذي تتشابه أسطورته مع قصة المسيح عيسى في عدة جوانب، مثل الولادة العذراء و الحديث في المهد و الحواريين الإثنا عشر، و علاج المرضى و المشي على الماء

إذن دعونا نتساءل و بعيدا الغيبيات المقدسة، لو لم يختر الإمبراطور قسطنطين الأول المسيحية كديانة رسمية لدولته و لو لم يقم قبل ذلك الملك البابلي العظيم نبوخذ نصر بسبي اليهود و أخذهم عبيدا لبلاده، من أين كان سيجد الإسلام منابعه التي كتب بها القرآن و وضعت بها الأحكام و التشريعات الدينية … ؟؟!!!

مشهد تخيلي للسبي البابلي لليهود على يد الملك العظيم نبوخذ نصر

مشهد تخيلي للسبي البابلي لليهود على يد الملك العظيم نبوخذ نصر

الشيء المؤكد هو أن الأديان أيا كان شكلها أو منبعها، سواء كانت وثنية او إبراهيمية فهي تبقى في الأصل مجرد تشكيلة من الغيبيات التي لا تستند لمنطق عقلي ثابت، فهي تعبير عن ذلك الجانب الميتافيزيقي الذي عاش الإنسان تحت سلطته لمئات الآلاف من السنين، و خلال الفترة التي يمكن تسميتها بطفولة البشرية، لم يسعفه وعيه المحدود في فهم العالم و الظواهر الطبيعية التي يواجهها و بالتالي لجأ إلى التفسيرات الغيبية كوسيلة وحيدة لتعويض هذا العجز عن الفهم. و عندما تخضع هاته المفاهيم الغيبية للعقل و المنطق و تدرس سيرورتها التاريخية بموضوعية و تجرد فمن الطبيعي تماما أن تجد نفسك أمام مشهد يختلف تماما عن ذلك البناء الميتافيزيقي المغلف بطبقات سميكة من القداسة و الخوف من المجهول.

مهدي بوعبيد
18/06/2016