عند الحديث عن الإسلام يصبح من الضروري التأكيد على نقطة مهمة جدا، و هي أنه منذ البداية لم يكن لينتشر بدون الإعتماد على حد السيف، فعند بداية الدعوة في مكة لم يؤمن برسالة محمد سوى بضع عشرات من الناس، كان أغلبهم من أراذل القوم من أدنى طبقات المجتمع المكي و القرشي و كانوا في مجملهم عبيدا و موالي تابعين لسادة قريش و كبريات البيوت المكية ممن لا يملكون شيئا، و إستمرت الدعوة طيلة 13 سنة بدون تغيير لا في عدد المؤمنين بها و لا في مكانتهم وسط القوم، و لم يؤمن بمحمد من كبار أغنياء و سادة قريش سوى أبو بكر و عثمان و عمر بن الخطاب بعد ذلك، و لولا التحالف مع قبيلة بني النجار من يثرب و هم من قبيلة الخزرج لما تمكن النبي من الهجرة من مكة إلى المدينة.

و رغم كل ما يقال عن الإستقبال الضخم الذي حضي به محمد و أتباعه في المدينة من طرف من سموا بالأنصار، فالتاريخ يذكر خلاف ذلك، فالتحالف مع بطون الخزرج و هم أخوال محمد قد سبب حساسية شديدة لبطون قبيلة الأوس و هم كما نعرف على صراع طويل و حروب لا تنتهي مع الخزرج، بالإضافة إل  كون اليهود حينذاك قد كانوا يسيطرون على النسيج الإقتصادي ليثرب من فلاحة و تجارة و صناعة و خاصة صناعة السلاح، و فور وصوله للمدينة كان لا بد لمحمد من أن يحصل على مصدر دخل مادي ثابت و كبير يكفيه لضمان ولاء من هاجروا معه و هم من فقراء مكة و من إتبع دعوته من قبائل المدينة، و هنا كانت غزوة بدر التي يرجع سببها الأساسي إلى رغبة محمد و أتباعه في نهب قافلة لقريشٍ متوجهةٍ من الشام إلى مكة يقودها أبو سفيان بن حرب، وقد نجح أبو سفيان في الفرار بالقافلة، وأرسل إلى مكة يطلب النجدة. لم يكن عدد ُالمسلمين في غزوة بدر يتجاوز  317 رجلاً، معهم فَرَسان وسبعون جملاً، و يلح على العقل هنا سؤال بديهي جدا، كيف لنبي هاجر من مدينة إلى أخرى و إستقبله أهل يثرب خارجين عن بكرة أبيهم كما تذكر كتب التاريخ الإسلامي، و من ثم ملكوه على أمرهم و جعلوه سيد القوم بيده قرار الحرب و السلم و الدين، كيف له أن يجد نفسه و هو خارج للحرب على رأس جيش من 317 رجلا فقط، هل كان هذا هو العدد الحقيقي لأتباعه، أم أن دعوته لم تكن حينها قد حصلت على ما يكفي من الدعم و الولاء من طرف قبائل ألفت أن تمنح ولاءها لسادتها و كبار أغنيائها ممن يجزلون العطاء لأتباعهم، ثم كيف لنبي مبعوث من الله كخاتم الأنبياء و الرسل، برسالة كونية شاملة جامعة لما سبقها و سيليها، رسالة تتمم مكارم الأخلاق، أن يلجأ لهذا الأسلوب البدوي الذي لا يليق لا بالنبوة و لا بالقيم النبيلة التي تدعو لها الأديان عادة، فهذا رجل جاء بدين يدعو للخير و النبل و عبادة إله واحد لا شريك له، لكنه يخرج في غزوة سلب و نهب على الطراز البدوي الأصيل تماما كما لو كان شبح قبيلة تحترف غزو باقي القبائل سعيا وراء السلب و النهب و السبي .. ؟؟!!!

عادة السبي متأصلة عند القبائل العربية

عادة السبي متأصلة عند القبائل العربية

على الجانب الآخر خرجتُ قريش في جيش من ألف رجلٍ معهم مئتا فارسً. و قد إنتهت غزوة بدر بانتصار محمد و من معه على قريش وقتل قائدهم عمرو بن هشام، و هو عمرو بن هشام بن المغيرة المخزومي الملقب بأبي جهل أحد كبار سادة قريش ممن كان محمد في مكة يدعو الله لينصر الإسلام بأحد العمرين، هو أو إبن الخطاب، و النصرة المرغوبة هنا مادية بحتة، فالدعوة حينها لم يتبعها إلا ضعفاء مكة و قريش و عبيدها و مواليها، وكان عدد من قُتل من قريش في غزوة بدر سبعين رجلاً وأُسر منهم سبعون آخرون، أما المسلمون فلم يُقتل منهم سوى أربعة عشر رجلاً، ستة منهم من المهاجرين وثمانية من الأنصار.

و قد كانت النتيجة الأساسية عن غزوة بدر بالنسبة للمسلمين، هي أنهم قد أصبحوا مهابين في يثرب وما جاورها من ديار العرب حينها، خاصة و قد أصبح لدولتهم مصدر كبير للدخل المادي وهو غنائم الغزوات و المعارك، و هي الغزوات و السرابا التي لن يتوقف محمد عن إرسالها في كل أنحاء جزيرة العرب، تارة للسلب و النهب و تارة أخرى لقنل المعارضين و إغتيالهم غيلة و غدرا بغية تخويف القبائل و بعث رسالة مفادها أن لا أحد بعيد عن سيفه و خاصة منهم الشعراء الذي كانوا يهجونه بقوة في الأسواق و مواسم الحج لمكة و باقي كعبات شبه الجزيرة العربية.

الرق بقي مأساة أبدية عند العرب حتى النصف الثاني من القرن العشرين

الرق بقي مأساة أبدية عند العرب حتى النصف الثاني من القرن العشرين

أما مسألة الغنائم هذه فهي ثابتة في القرآن و الحديث نصا واضحا لا لبس فيه بكونها حلال بينا لا شبهة فيه :

1- قال الله تعالى: {فَكُلُوا مِمَّا غَنِمْتُمْ حَلَالًا طَيِّبًا وَاتَّقُوا اللَّهَ إِنَّ اللَّهَ غَفُورٌ رَحِيمٌ [69]} [الأنفال: 69].

2- وَعَنْ جَابِر بن عَبْدِالله رَضِيَ اللهُ عَنْهُ أنَّ النَّبِيَّ صلى الله عليه وسلم قالَ: «أعْطِيتُ خَمْساً، لَمْ يُعْطَهُنَّ أحَدٌ قَبْلِي: نُصِرْتُ بِالرُّعْبِ مَسِيرَةَ شَهْرٍ، وَجُعِلَتْ لِيَ الأرْضُ مَسْجِداً وَطَهُوراً، فَأيُّمَا رَجُلٍ مِنْ أمَّتِي أدْرَكَتْهُ الصَّلاةُ فَلْيُصَلِّ، وَأحِلَّتْ لِيَ المَغَانِمُ وَلَمْ تَحِلَّ لأحَدٍ قَبْلِي، وَأعْطِيتُ الشَّفَاعَةَ، وَكَانَ النَّبِيُّ يُبْعَثُ إلَى قَوْمِهِ خَاصَّةً، وَبُعِثْتُ إلَى النَّاسِ عَامَّةً». متفق عليه.

و يدخل في ذلك كل ما يملكه أعداء المسلمين سواء ممن واجهوهم في حرب أو قتال أو ممن عاهدوهم على أداء  الجزية و منها :

1- الأموال المنقولة كالنقود و الذهب و الفضة والحيوان والطعام.
2- الأسرى والسبايا كالنساء والأطفال.
3- الأرض و المزروعات.
4- السلاح و الدروع و لباس المقاتلين.

و هذا ما لم يكن بجديد على العرب حينها، فقد كانت القبائل تحترف الغزو الدوري على بعضها البعض بحثا عن المال و قطعان الإبل و الغنم و السبايا. و قد زاد القرآن و السنة عن ذلك بأن وضحا كيفية تقسيم الغنائم بين المقاتلين فهناك سورة الأنفال التي توضح هاته القسمة بالتفصيل.

فالغنيمة أيا كانت مكوناتها من حق من حضر و شارك في القتال، وكيفية قسمة الغنائم هي كما يلي:

1- يُخرِج الإمام خمس الغنيمة، ويقسمه على خمسة، سهم لله ولرسوله يُصرف في مصالح المسلمين العامة كالفيء، وسهم لذوي القربى، وهم بنو هاشم، وبنو المطلب، الذين آزروا النبي صلى الله عليه وسلم وناصروه، وسهم لليتامى، وسهم للمساكين، وسهم لأبناء السبيل.

2- الباقي من الغنيمة وهو أربعة أخماس يُقسم بين الغانمين، للراجل سهم، وللفارس ثلاثة أسهم، سهم له، وسهمان لفرسه.

3- قال الله تعالى: {وَاعْلَمُوا أَنَّمَا غَنِمْتُمْ مِنْ شَيْءٍ فَأَنَّ لِلَّهِ خُمُسَهُ وَلِلرَّسُولِ وَلِذِي الْقُرْبَى وَالْيَتَامَى وَالْمَسَاكِينِ وَابْنِ السَّبِيلِ إِنْ كُنْتُمْ آمَنْتُمْ بِاللَّهِ وَمَا أَنْزَلْنَا عَلَى عَبْدِنَا يَوْمَ الْفُرْقَانِ يَوْمَ الْتَقَى الْجَمْعَانِ وَاللَّهُ عَلَى كُلِّ شَيْءٍ قَدِيرٌ [41]} [الأنفال: 41].

4- وَعَنْ عَبْدالله بْنِ عُمَرَ رَضِيَ اللهُ عَنْهُمَا أَنّ رَسُولَ الله صلى الله عليه وسلم قَسَمَ فِي النّفَلِ: لِلْفَرَسِ سَهْمَيْنِ وَلِلرّجُلِ سَهْماً. متفق عليه.

و فيما يخص السبي هناك أيضا أحكام واضحة لا لبس فيها، فالنساء المسبيات حتى لو كن متزوجات يتم فسخ زواجهن  بمجرد وقوعهن في الأسر. ولا يجوز وطؤهن إلا بعد قسمتهن بين المقاتلين، ثم يتم إستبراء أرحامهن بعد ذلك قبل الوطء فالحامل ينتظر سيدها أن تضع حملها، وغير ذات الحمل يتم إستبراء رحكها بحيضة واحدة، أما البكر فلا داعي لكل هذا فيجوز لمن كانت من نصيبه أن يطأها فورا و بدون إنتظار.

عَنْ أَبي سَعِيدٍ الخُدْرِيِّ رَضِيَ اللهُ عَنْهُ أَنَّ رَسُولَ الله صلى الله عليه وسلم قَالَ فِي سَبَايَا أَوْطَاسَ: «لاَ تُوطَأُ حَامِلٌ حَتَّى تَضَعَ وَلاَ غَيْرُ ذاتِ حَمْلٍ حَتَّى تَحِيضَ حَيْضَةً». أخرجه أبو داود.

لوحة لرسام تشيكي تكشف فظائع السبي بعد الغزو الإسلامي

لوحة لرسام تشيكي تكشف فظائع السبي بعد الغزو الإسلامي

و عند هذه النقطة بالذات أجدني أمام سؤال بديهي آخر يفرض نفسه بشدة، ففي كل مناسبة أتحدث فيها عن مسألة الرق في الإسلام تواجهني ردود آلية من المسلمين عن كون الإسلام قد جاء ليحرر العبيد و ينهي الرق و يجعل الناس سواسية أمام الله، و قد جاءت الكفارات بعتق الرقبة في هذا الإطار، أي ترغيب المسلمين في تحرير العبيد و عتقهم من الرق، طيب إذا كان الأمر كذلك فعلا، فكيف نجد الإسلام في نفس الوقت يشرع السبي كممارسة بدوية قائمة منذ زمن و يحرض عليها بشدة كأحد سبل الترغيب في الجهاد و القتال، فالحديث النبوي يقول بوضوح : ” أغزوا تبوك تغنموا بنات الأصفر ” و بنات الأصفر هنا كناية عن الشقراوات لأن منطقة تبوك كانت واقعة تحت السيطرة البيزنطية وقت ظهور الإسلام، فهاهو النبي الذي جاء ليتمم مكارم الأخلاق و يحرض على القيم الأخلاقية النبيلة، لا يتحرج من تحريض أتباعه على الغزو من أجل السبي و الغنيمة، و هو بذلك يشرع لممارسة بدوية قديمة تدخل في إطار ما سمته كتب التاريخ الإسلامي بالجاهلية التي جاء الإسلام ليبددها و يقضي عليها، و كيف لمن يريد القطيعة مع ممارسة الرق و العبودية البغيضة أن يشجع أتباعه على سبي النساء و الأطفال و يرغبهن في القتال بهذا، كيف ينتهي الرق و سيوف المسلمين قد باتت مشرعة على كافة قبائل شبه الجزيرة العربية و ما يليها من بلدان و أراض، و نذكر على سبيل المثال سبي غزوة حنين، و قد وقعت في السنة الثامنة للهجرة بين محمد و أتباعه و جيش مكون من قبيلتي هوازن و ثقيف و هي إحدى القبائل العربية القوية ممن رفضت الدخول في الدين الجديد و فضلت الدفاع عن نفسها بتحالفات مع قبائل أخرى، و قد غنم المسلمون في نهاية المعركة أكثر من 6000 من النساء و الأطفال، و عددا لا يحصى من الإبل و الخيول بلغت أكثر من 12000 ناقة، قسمها محمد بين أصحابه بل و أجزل العطاء حتى لمن كان لا يزال رافضا الدخول في الإسلام، و قد عبر عن هذا صفوان بن أمية بقوله : “لقد أعطاني رسول الله ما أعطاني وإنه لأبغض الناس إليَّ فما برح يعطيني حتى إنه لأحب الناس إليَّ”. و الغزو هنا كما يظهر من هذه القصة قد بات بابا مفتوحا من أبواب الحصول على السبايا و الإماء و العبيد، فأين تحريم الرق هنا و الإسلام قد بات يزيد من الظاهرة بتشريع أسباب حصولها .. ؟؟!!!

بل إن حتى قتل و إبادة يهود بني قريضة و سبي أطفالهم و نساءهم و بيعهم في أسواق اليمن و عمان و طرد يهود بني قينقاع و بني النضير و الإستيلاء على بيوتهم و أملاكهم و أراضيهم، لم يكن الهدف منه سوى شيء واحد، الإستيلاء على المقدرات الإقتصادية و المالية الضخمة التي كانوا يملكونها في يثرب قبل هجرة محمد و أتباعه إليها.

في المرة القادمة التي تفكرون فيها بالإعتراض على جرائم داعش في سوريا و العراق، حاولوا أن تجيبوا بشجاعة و صراحة عن هذا السؤال، ما الذي فعلته داعش مما لم يفعله محمد و أتباعه قبل أكثر من 1400 سنة … ؟؟!!!

مهدي بوعبيد
08/05/2016