تعيش المملكة السعودية هذه الأيام على وقع تطبيل إعلامي ضخم حول ما سمي ب “رؤية المملكة 2030″ لمرحلة ما بعد النفط، يتعلق الأمر بمبادرة التحول الوطني التي يقودها حاليا الأمير  محمد بن سلمان ولي ولي العهد السعودي، و هو مشروع خطة شاملة تهدف إلى إخراج السعودية لعصر ما بعد النفط، هذه الخطة التي تم تقديمها رسميا يوم أمس في مؤتمر صحفي عقده الأمير محمد بن سلمان في الديوان الملكي بالعاصمة الرياض بحضور عدد كبير من الإعلاميين و الصحافيين و وكالات الأنباء الدولية.

الخطة التي قدمها الأمير كتعبير عن طموح قوي لإعادة هيكلة الإقتصاد السعودي و إخراجه من الإعتماد شبه الكلي على مداخيل قطاع النفط خلال مدة زمنية تبلغ 15 سنة تتكون من النقاط التالية :

* في الجانب الإقتصادي :

1- الرفع من نسب الصادرات غير النفطية من 16% إلى 50% على الأقل من إجمالي الناتج المحلي غير النفطي.

2- العمل على تقدم ترتيب المملكة في مؤشر أداء الخدمات اللوجستية من المرتبة 49 إلى 25 عالمياً و الأولى إقليمياً.

3- الوصول بمساهمة القطاع الخاص في إجمالي الناتج المحلي من 40% إلى  65%.

4- الرفع من نسبة الاستثمارات الأجنبية المباشرة من إجمالي الناتج المحلي من 3.8% إلى المعدل العالمي و هو 7.5%.

5- الإنتقال من المركز 25 في مؤشر التنافسيّة العالمي إلى أحد المراكز الـ 10 الأولى.

6- الرفع من قيمة أصول صندوق الاستثمارات العامة من 600 مليار ريال سعودي إلى ما يزيد على 7 تريليونات ريال سعودي.

7- الرفع من نسبة المحتوى المحلي في قطاع النفط والغاز من 40% إلى 75%.

8 – الرفع من حجم الإقتصاد السعودي وانتقاله من المرتبة 19 إلى المراتب الـ 15 الأولى على مستوى العالم.

9- الرفع من نسبة مشاركة المرأة في سوق العمل من 22% إلى 30%.

10- الرفع من مساهمة المنشآت الصغيرة والمتوسطة في إجمالي الناتج المحلي من 20% إلى 35%.

11- التخفيض من معدل البطالة الحالي  من 6.11% إلى 7%.

12- طرح أقل من 5% من أسهم شركة “أرامكو” النفطية الوطنية العملاقة للاكتتاب العام في السوق المحلية. وقال بن سلمان إن هذا الاكتتاب سيكون “أكبر اكتتاب في تاريخ الكرة  الأرضية”، بقيمة مقدرة للشركة تتراوح ما بين 2000 و2500 مليار دولار.

13- تحويل صندوق الاستثمارات العامة إلى صندوق سيادي بأصول تقدر قيمتها بألفي مليار دولار، ليصبح بذلك “أضخم” الصناديق السيادية عالمياً.

14-  زيادة الإيرادات النفطية ستة أضعاف، من 43.5 مليار دولار سنوياً إلى 267 ملياراً، من خلال اقتطاعات ضخمة من الدعم الحكومي على منتجات الطاقة وغيرها وسلسلة إجراءات تنفيذية، ما سيحد من اعتماد الإيرادات الحكومية بشكل رئيسي على مداخيل النفط، ويقلل من تأثير تراجع أسعاره عالمياً على المالية العامة للبلاد.

15- إطلاق صناعة عسكرية سعودية و ذلك عبر إنشاء شركة قابضة للصناعات العسكرية مملوكة 100% للحكومة و تطرح لاحقاً في السوق السعودية للإكتتاب المباشر.

* في الجانب الإجتماعي :

1- زيادة متوسط العمر المتوقع من 74 إلى 80 عاماً.

2- الإرتقاء بمؤشر رأس المال الاجتماعي من المرتبة 26 إلى المرتبة 10.

3- تصنيف 3 مدن سعودية بين أفضل 100 مدينة في العالم.

4- الرفع من نسبة ممارسي الرياضة مرة على الأقل أسبوعياً من 13% إلى 40%.

5- الرفع من نسبة إنفاق الأسر على الثقافة والترفيه داخل المملكة من 2.9% إلى 6%.

6- الرفع من عدد المواقع الأثرية المسجّلة في اليونسكو إلى الضعف على الأقل.

7- زيادة الطاقة الإستيعابية لاستقبال ضيوف الرحمن المعتمرين من (8) ملايين إلى (30) مليون معتمر.

8- الرفع من نسبة مساهمة القطاع غير الربحي في إجمالي الناتج المحلي من أقل من 1% إلى 5%.

9- الرفع من نسبة مدخرات الأسر من إجمالي دخلها من 6% إلى 10%.

* في الجانب الحكومي :

1- الوصول من المركز 36 إلى المراكز الـ 5 الأولى في مؤشر تصنيف الحكومات الإلكترونية.

2- الوصول من المركز 80 إلى المركز 20 في مؤشر فاعلية أداء الحكومة.

3- زيادة الإيرادات الحكومية غير النفطية من 163 ملياراً إلى 1 تريليون ريال سنوياً.

4- العمل على تعزيز مكافحة الفساد.

5- إنشاء مكتب لإدارة المشاريع الحكومية “وظيفته أن يسجل كل الخطط والأهداف، ويبدأ بتحويلها إلى أرقام وإلى قياس أداء دوري”، ومراقبة “مدى مواءمة عمل الجهات الحكومية، وخطط الحكومة، وبرامج الحكومة في تحقيق الأهداف”.

6- مشروع البطاقة الخضراء “غرين كارد” سيتم تطبيقه خلال الخمس سنوات المقبلة وسيمكن العرب والمسلمين من العيش طويلاً في المملكة.

7- إعادة هيكلة قطاع الإسكان سيساهم في رفع نسب تملك السعوديين.

8- إعادة هيكلة الدعم في المياه الذي سوف يشمل فقط أصحاب الدخل المتوسط وما دون المتوسط.

9- تطبيق رؤية الحد من دعم الطاقة و المياه حتى على الأمراء و الوزراء و كبار الموظفين.

10- العمل على أن يكون جسر الملك سلمان أهم معبر بري في العالم، وأنه سيوفر فرص ضخمة للاستثمار ويحقق دخلاً للمملكة يقدر بمليارات الدولارات.

رؤية المملكة 2030

رؤية المملكة 2030

هاته الخطة تم إعدادها من طرف شركة “McKenzie” للإستشارات الإقتصادية و الأكاديمية و ذلك بطلب رسمي من السعودية و هي كما يظهر من تفاصيل النقاط المقدمة تبدو طموحة جدا، لكنها تفتقر للتفاصيل العملية التي تسمح بتطبيق الرؤية و تحصيل نتائجها المباشرة على الأرض. على الجانب الفعلي فالهدف الرئيسي لهذه الخطة كما تم الإعلان عنه هو إعادة توجيه دفة الإقتصاد السعودي (و هو حاليا يمثل أكبر إقتصاد في العالم العربي) و ذلك لمواجهة التأثيرات الكارثية لعاملين أساسيين باتا يؤثران بشدة في خيارات المملكة المستقبلية، و هي أولا الإنخفاض الضخم المتواصل لأسعار النفط في الأسواق العالمية ثم التغيير الكبير الذي تعرفه التركيبة السكانية البالغة حوالي 30،7 مليون نسمة (حسب إحصاء عام 2014) و التي تتشكل في أكثر من 70% من شباب لا تتجاوز أعمارهم 30 سنة، مما يعني أن سوق العمل داخل السعودية سوف تتمتليء بطالبي الشغل في الوقت الذي يعجز الإقتصاد تماما عن إستيعاب هذه الأعداد المهولة.

إعادة التوجيه هاته ليست بالمهمة السهلة بالنسبة لدولة مثل السعودية تعتمد في مداخيلها الإقتصادية على البترول بنسب تبلغ 90%، الأمر هنا لا يتعلق بتغيير التوجه و إنما بإعادة الهيكلة الشاملة للدولة بكامل مؤسساتها و توجهاتها و خياراتها السياسية و ليس فقط الإقتصادية. فمن الجانب الإقتصادي هناك إدمان تام لعائدات النفط في شكل بشع من أشكال الريع الذي لم يسمح بتطور أية رؤية إقتصادية متجددة منذ إنشاء المملكة السعودية، و علينا أن نتذكر أمرا مهمل هنا و هو أن  نشأة هذا الكيان السياسي نفسه لم تكن لتحدث لولا وجود البترول كعامل أساسي، مما يعني أن الإرتباط بين هذا المورد الطبيعي و بين الدولة كبنية سياسية هو بمثابة حبل سري من الصعب جدا أن يتم قطعه أو فصله، و قد نتجت عنه عوامل سياسية و إجتماعية تدخل في صميم تكوين الدولة نفسها، و خلافا للصورة التي يحب أن يظهر بها حكام المملكة يبقى حكم آل سعود مبنيا على عاملين أساسين لا حياد عنهما، حماية البترول كمصدر طاقة أساسي مطلوب بالنسبة للغرب (و إن كان هذا الوضع قد عرف تغييرا جذريا خلال الثلاث سنوات الماضية) و الإرتباط الضمني بالوهابية كتيار ديني تحالف سياسيا و دينيا مع آل سعود و منحهم الشرعية الدينية لإقامة دولتهم، و هذه الشرعية نفسها مشروطة بمدى محافظة آل سعود على الوهابية كمذهب ديني رئيسي تتبعه الدولة و تحافظ على مبادئه بدون تغيير، على الأقل بالنسبة للمجتمع السعودي، دون الحديث عن المحاولات الحثيثة و بكل الوسائل لنشره خارج حدود الدولة، و في ظل هذه الحقائق القاسية يصعب كثيرا تخيل مدى إمكانية تحقيق هذا التحول الإقتصادي الحيوي، في مجتمع يحتفظ برجعيته الدينية كجزء أصبل و ثابت من هويته الوطنية.

هيئة الأمر بالمعروف و النهي عن المنكر

هيئة الأمر بالمعروف و النهي عن المنكر

بالنسبة لحزمة القرارات العديدة و المتشعبة التي تتكون منها “رؤية المملكة” الجديدة فهي في مجملها قد جاءت في شكل تخيلات للشكل الذي يتمنى الأمير محمد بن سلمان أن يرى عليه المملكة في المستقبل، أكثر منها قرارات عملية يؤدي تطبيقها إلى تحقيق نتائج فعلية ملموسة تسمح بتحرير الإقتصاد السعودي من إرتباطه الأزلي بعائدات البترول في ظرف قصير، و المتمعن في تفاصيلها يستطيع أن يستشف هذا بسهولة شديدة، فمجمل النقاط تتكرر فيها ثلاث كلمات هي “الرفع من نسبة … ” بشكل مبني للمجهول و كأن هذا الرفع سوف يتم لوحده أو بشكل إعجازي دون تدخل من أحد، نحن هنا أمام أرقام تعبر عن وضع إقتصادي معين، و مجرد الدعوة إلى الرفع من معدلات الصادرات غير النفطية مثلا لن يحدث بجرة قلم، فالواقع معروف بكل تفاصيله نحن أمام إقتصاد لا ينتج سلعا و لا خدمات و لا منتجات تكنولوجية تحقق طلبا من أي نوع، بل لا يحقق حتى الإكتفاء الذاتي على مستوى المنتجات الفلاحية و الغذائية الي يستوردها بنسب مهولة، فكيف سوف يتسنى له “الرفع” من قيمة صادراته الضعيفة و الهشة أصلا. او الرفع من نسبة الإستثمارات الأجنبية المباشرة للمعدل العالمي المتعلرف عليه، لكي نكون جديين علينا أن نتساءل عمن الذي سوف يغامر بأمواله لكي يستثمرها في بلاد هي عبارة عن صحراء جرداء قاحلة ممتدة من الشمال إلى الجنوب، لا تتوفر على موارد طبيعية كثيرة أو متنوعة (عدا النفط) و ترزح تحت نظام سياسي قروسطي رجعي و متخلف و متشبث بأكثر مذاهب الدين تزمتا و عنفا، و تحدها من الشمال حربان أهليتين في دولتين هما العراق و سوريا، و خطر إرهاب ديني مجنون لا حدود لإجرامه، و من الجنوب حرب أهلية مفتوحة على كل الإحتمالات و الأنكى من كل ذلك أن هذه الدولة نفسها متورطة و غارقة في الحروب الثلاث حتى الأذنين، رأس المال بكل جبنه الطبيعي و العادي جدا يبحث عن ضمانات للربح و بنسب كبيرة و بالتالي لن يستنزف نفسه في دول غير مستقرة سياسيا و اجتماعيا دون الحديث عن المواجهة مع إيران و التي تبقى مفتوحة على كل الإحتمالات في المستقبل حتى العسكرية منها، بالإضافة إلى عامل مهم جدا يجب التأكيد عليه هنا،  و هو كيف سوف تغير دفة إقتصاد غارق في الريع السهل و الغير مكلف منذ عقود نحو إقتصاد منتج و مصدر للمنتوجات المطلوبة عالميا و جاذب للإستثمارات الأجنبية، بمنظومة تعليم شبه فاشلة تنتج مئات الآلاف من العاطلين سنويا و بنسيج إقتصادي لا يصنع حتى أكله و ملابسه، هذا التصور الخيالي فاقد تماما للواقعية و الموضوعية المطلوبة في أية محاولة إصلاح جدية. أما بالنسبة لمسألة الرفع من نسبة مشاركة المرأة في سوق العمل فهي شيء أقرب للنكتة السمجة منه للإصلاح، فأنت في بلد يرفض أن يسمح للنساء بالحصول على حقوقهن الطبيعية حتى في أدنى حقوقها مثل قيادة السيارات، و نرى في ذلك منكرا و ضلالة و بدعة يجب تحريمها قطعيا و ذلك درءا للفتنة التي قد تصيب المجتمع جراءها، فكيف ستدخل هذه المرأة سوق العمل و هي محرومة حتى من أبسط حقوقها.

إنهيار أثمان البترول

إنهيار أثمان البترول

أما بالنسبة للقرارات العملية و على قلتها في لائحة النقاط الواردة أعلاه، فأكثرها أهمية و إثارة للجدل هو طرح نسبة 5 % من عملاق الصناعة البترولية (أرامكو) للإكتتاب في البورصة، فرغم كون خيار الخوصصة يبقى ذكيا بعض الشيء بالنسبة للقطاعات العامة الضخمة و المترهلة بالبيروقراطية و المصاريف الضخمة، فإن القيمة المعلنة حاليا للشركة و المحددة في أكثر من تريليوني دولار (2500 مليار دولار) تعتبر قيمة مبالغا فيها بشدة و خاصة في قطاع البترول الذي يعرف إنهيارا  متواصلا في قيمة المادة الأساسية التي يدور حولها، و بالتالي فمن غير المنطقي أن توفر عملية الخوصصة هاته فائضا ماليا ضخما يمكن إستثماره أو إعادة تدويره في الجانب الخدمي أو الصناعي خارج صناعة النفط كما يتخيل ذلك القائمون على هذه الخطة. من جهة أخر و إلى جانب التوجه نحو خوصصة شركة أرامكو و قطاعات عامة أخرى مثل الصحة و المستشفيات العامة، أعلن الأمير محمد بن سلمان عن إنشاء شركة عامة للصناعات العسكرية و ذلك بغية إعادة إستيعاب النفقات العسكرية الضخمة التي تسجل كل سنة، فخلال عام 2013 بلفت النفقات العسكرية السعودية أكثر من 56 مليار دولار لتحل في المرتبة الخامسة بعد الولايات المتحدة و روسيا و الصين و بريطانيا، لترتفع في العام الموالي 2014 بنسبة 13،4%  و تصل إلى حدود 64،4 مليار دولار متجاوزة بذلك نفقات بريطانيا العسكرية لتحتل المرتبة الرابعة على المستوى العالمي كأكبر دولة تتزايد نفقاتها العسكرية بشكل مهول بدون مواجهة أية تهديد عسكري مباشر يبرر كل هاته المبالغ، بحيث يؤكد خبراء التسليح بأن دولارا واحدا من بين كل 7 دولارات تصرف حول العالم من أجل السلاح تدفعه المملكة السعودية، مع هاته الأرقام المرعبة قد يبدو من المنطقي جدا أن هناك ميزانية ضخمة بشكل مبالغ يستهلكها مجال الدفاع في الميزانية العامة للدولة، لكن حتر و إن سلمنا بذلك فهل يبرر هذا التوجه نحو إنشاء شركة عامة سعودية لتصنيع الأسلحة، ثم ماذا بعد الشركة، هل تملك السعودية القدرات التصنيعية و التقنية و الخبرات التكنولوجية التي تسمح لها بصناعة ما يلزمها من أنظمة تسليح متطورة تفي بإحتياجاتها العسكرية (دبابات، أنظمة دفاع جوي، طائرات مقاتلة، أنظمة صواريخ، صواريخ مضادة للدروع، طائرات بدون طيار، مدفعية ثقيلة …)، بالإضافة إلى كون صفقات السلاح الضخمة هاته هي بمثابة ورقة فساد مالي و سياسي مفتوحة يتعامل بها حكام المملكة مع الغرب بما يسمح بجرهم نحو مجالات تأثير بعينها تخدم مصالحهم، و لنتذكر في هذه النقطة بالذات تفاصيل صفقة اليمامة العسكرية مع بريطانيا و التي عرفت وقائع فساد مالي و توزيع رشاوى و عمولات بلغت أرقاما فلكية، بحيث أن السفير السعودي السابق في الولايات المتحدة الأمير بندر بن سلطان، والذي لعب دور المفاوض عن الجانب السعودي في هذه الصفقة قد تلقى أكثر من ملياري دولار على مدى عقد من الزمن كعمولات مباشرة مقابل دوره في إبرامها بين السعودية و بريطانيا، بينما تجاوز إجمالي قيمة الصفقة نفسها 90 مليار دولار، و رغم كل هذا التسليح الضخم الذي يليق بجيوش دول عظمى فقد رأينا جميعا مستوى أداء الجيش السعودي الضعيف جدا في مواجهة الحوثيين خلال ما سمي بعاصفة الحزم طيلة السنة الماضية، فقد خسروا أغلب المعارك البرية و إضطروا للإنسحاب من مواقعهم و ترك أسلحتهم و دباباتهم يدون حتى إطلاق النار، ليتجهوا لإعتماد سياسة القصف السجادي الأعمى للمدن و القرى اليمنية و لقافلات الإغاثة و الإسعاف موقعين آلاف الضحايا المدنيين أغلبهم نساء و أطفال بين قتيل و جريح.

صفقة اليمامة بين بريطانيا و السعودية

صفقة اليمامة بين بريطانيا و السعودية

إلى جانب كل هاته القرارات يبقى أكثرها عملية و فعالية بالنسبة لدولة تواجه خطر الإفلاس الحقيقي بحلول العام 2020 (طبقا لتقارير البنك الدولي الصادرة بنهاية العام الماضي)، هي تلك المتعلقة بإلغاء و تخفيض نسب الدعم الموجهة لقطاعات حيوية و جد مكلفة مثل الماء و الطاقة الكهربائية و المحروقات، فميزانية السعودية التي سجلت عجزا يقترب من 90 مليار دولار خلال السنة الحالية و لجأت لسحب 100 مليار دولار من الإحتياطي النقدي الذي تحتفظ به لتقويم  هذا العجز، لم تعد قادرة على إستيعاب مجالات صرف مفتوحة بشكل متواصل لتوفير الدعم المباشر في عدة قطاعات إستهلاكية، هذا بالإضافة إلى التوجه نحو فرض ضرائب جديدة مثل الضريبة على القيمة المضافة و الضريبة على المنتوجات الإستهلاكية الباهضة الثمن التي يتم إستيرادها من أوروبا و الولايات المتحدة (سيارات فاخرة، أثاث، ملابس، مجوهرات، مواد بناء مكلفة …)، مما سوف يسمح للدولة بتخفيض الضغط على ميزانها التجاري و على مستويات صرف العملة الصعبة، بالإضافة لتوفير إيرادات ضريبية جديدة للخزينة العامة، لكن هذه القرارات تبقى ضعيفة جدا و غير كافية لتحقيق ذلك التحول الوطني الضخم الذي سوف يسمح بوقف الإدمان على مداخيل النفط، فالأداء الإقتصادي للمملكة يبقى ضعيفا جدا بدون البترول، خاصة في قطاع الخدمات سواء المالية أو البنكية أو التقنية مثل قطاع الإتصالات، مع التأكيد على أن لجوء الدولة لوقف الدعم في عدة قطاعات حساسة مع فرض ضرائب مباشرة لن يكون أمرا مقبولا بشكل طوعي من قبل الشعب و قد ينجم عنه الكثير من التململ و التذمر، خاصة إذا ما أخذنا في الحسبان تلك البنية السياسية الغريبة التي تقوم على مفاهيم مرتبكة و مختلطة من الديكتاتورية السياسية و التحالف القبلي مع الرجعية الدينية و شراء الولاء السياسي عبر توفير حد أدنى من المعيشة المريحة لقطاعات واسعة من المجتمع. في حين أن فائض البترودولار الذي كان يسمح بهذا التوجه لم يعد متوفرا اليوم و لا مضمونا في المستقبل بفعل الإنهيار المتواصل لأثمان النفط.

على المستوى الإجتماعي توجد عدة عوائق تقف حجر عثرة أمام تحقيق هذه الرؤية على الأرض، فالمجتمع السعودي يبقى رهينة بين يدي الإكليروس الوهابي الذي يتسلط على جميع مكوناته بدون إستثناء، و هذا الكهنوت هو من يمنع مثلا منح المرأة حق قيادة السيارات، و لنا أن نتخيل ما الذي يعنيه هذا التحول الدراماتيكي في البنية الإقتصادية للدولة بالنسبة لهذه الطبقة التي تتمتع بسلطة روحية و دينية و إجتماعية فعلية يخضع لها غالبية الشعب السعودي، فإنفتاح إقتصادي من هذا المستوى يفترض تغييرات راديكالية شاملة في كافة المجالات و أكثرها حساسية سواذ بالنسبة لرجال الدين أو حملة لواء الدفاع عن الإسلام الوهابي داخل المملكة بشكل عام، خاصة في مجالات التعليم و التكوين، و التعليم العالي، و فتح أبواب سوق العمل و الإستثمار أمام المرأة و الأجانب و المهاجرين و العمالة الأجنبية و تطوير قطاعات السياحة، مع ما يعنيه ذلك من صدامات محتملة بين قطاعات واسعة من الشعب السعودي يتشكل أغلبها من الشباب الطامح للتغيير الجذري و بين ما يمكن تسميته بالحرس التقليدي الذي يريد المحافظة على الطابع الأصولي للمجتمع كما كان عليه الأمر دوما. و من بين كل القرارات الجديدة في إطار هاته الرؤية المستقبلية يبقى أكثرها غرابة هو تلك المتعلقة بالزيادة من نسبة إنفاق الأسر السعودية على مجالات الترفيه و الثقافة مع العلم بأن تلك المجالات هي أصلا شبه معدومة في مجتمع تتحكم فيه هيئة الأمر بالمعروف و النهي عن المنكر، دون الحديث عن تطبيق عقوبات دينية بدوية غاية في الوحشية و الدموية و إعتقال و محاكمة و سجن و جلد المعارضين و المفكرين من أجل تهم تافهة مثل التعبير عن آراءهم في مسائل مرتبطة بالدين أو حرية العقيدة، مثل الشاب رأئف بدوي المعتقل منذ سنوات.

الوهابية

الوهابية

في ظل مثل هذه التوجهات الظلامية و الرجعية يبقى من الصعب جدا إن لم يكن من المستحيل الجزم بنجاح هذه الرؤية اليوتوبية، فالمجتمعات التي تحقق طفرات إقتصادية و حضارية ضخمة تسعى بالدرجة الأولى للتحرر من ربقة الإرتباط القهري بمفاهيم دينية متطرفة و متزمتة مثل تلك التي تأسس عليها المذهب الوهابي، فلا يمكنك دفع مجتمع نحو تغيير توجهه الفكري و الحضاري بغية تطوير بنيته الإقتصادية و الإرتقاء بها عبر تنويع و زيادة مجالاته الإنتاجية و الصناعية و الخدمية، بينما تصر في نفس الوقت على ربطه بالقوة بتراث ديني متطرف لا يعترف بحق الإختلاف حتى في أكثر الأمور الحياتية بساطة. الطفرة الإقتصادية و النهضة الحضارية مفاهيم يستحيل تحقيقها بدون تشجيع روح الإبداع و حرية الفكر و التعبير، و هذه أمور ما زالت المملكة الوهابية بعيدة عنها بسنوات ضوئية.

يجدر بنا الإشارة هنا إلى أن المدى المنظور الذي تعتمده “رؤية المملكة 2030″ يبقى قصيرا جدا بمفهوم الشعوب، 15 سنة ليست بالمدة الكافية لتحقيق تحول راديكالي يسمح بإنقاذ المملكة الوهابية من خطر الإفلاس المتوقع خلال 5 سنوات من الآن على أقصى تقدير، مثل هذه التحولات تحتاج لعقود طويلة و لإرادة سياسية و إجتماعية حقيقية تنبني عليها طموحات الشعب و تحتاج أكثر من كل هذا لنظام سياسي منفتح و ديموقراطي يسمح لمكونات الشعب بالسعي نحو الإصلاح الجذري لكل المجالات المتعثرة و ذلك دون عوائق أو حواجز تمنع تقدمه للأمام، و هذه العوامل بالذات تبقى مستحيلة التحقق في دولة بنيت نشأتها منذ البداية على وجود نظام ديكتاتوري متسلط فوق إرادة الشعب.

مهدي بوعبيد
26/04/2016

ملحوظة : رابط مقال سابق لي حول أسباب و نتائج الإنهيار المتواصل في أثمان النفط على المستوى العالمي، لتوضيح الدوافع التي دفعت المملكة الوهابية للسعي نحو تغيير دفة إقتصادها بشكل جذري.

http://ar.mideastyouth.com/?p=49532