– من اين ايها المواطن ؟
– اهلا بك .. انا مجرد زائر لبلادكم .. باريس .. فترة قصيرة وساعود .. قدمت من ليبيا .. فزان .
– اهلا بكم في بلدكم الثاني .. انا رئيس هذه البلاد .. على الفور .. تأكد حدسي .. صافحته بذهول .. شددت يده بحرارة .. لا اصدق .. نعم هو .. الرئيس هولاند .. بشحمه ولحمه .. وما ان لا حظ شدة ذهولي .. اخذ بيدي .. وقال بلطف الكرم : تعال نشرب سويا كأس من العصير ينعش مساءنا .. سررت اكثر وأكثر .. كم كان متواضعا .. لبقا .. وتبادلنا اطراف الحديث .. عن ديار الشرق الاوسط وشمال افريقيا .. والساحل والصحراء .. وفزان .. جغرافيا وديموقرافيا .. طبائع وجبلة الناس .. واتسع صدره للحديث .. والغى عدة مواعيد .. وظلنا حتى آخر الليل .. نتسامر .. مقهى متواضع ناصية نهر السين .. واسترسل في الحديث .. ولم نترك صغيرة ولا كبيرة إلا وقلبنا الحجر الذي تختبئ تحته .. عرج على التاريخ .. ولكأنه مؤرخ .. يعرف عن الاوس والخزرج .. ودياب .. وتغلب .. والقيسيين واليمنيين .. وحروب عشرون عاما .. وحروب امتدت اربعين عاما .. بسبب الناقة .
وبصوت هادئ رزين .. عاد يسألني : ” لا ادري ما بكم .. كل يرى في نفسه مركز الارض .. والشمس تدور حوله .. ان اختلفت مصالحكم .. انتفى الحوار .. واشتعل الفصام والصدام .. منكم من يرتكب نفس الرذائل ويطالب بشنق مرتكبيها .. ودائما حروبكم تستمر لزمن طويل .. تحتاجون الى شرط الاقناع الفكري .. ألا توافقني ؟ احرجني .. تلعثم لساني .. ثم خطر ببالي شيء عن السلف .. ( المجتمع كالوالدين .. الاب الذي يختار العصا لتربية اطفاله يستطيع ان يحافظ على شكل العائلة .. لكنه يمزق رباط احشائها .. يصعب رتقها .. ويتعذر انقادها .. وعندما يكبر اطفاله ويصيرون اطول من العصا .. تبدأ حرب جديدة ).
صافحني مودعا بسرور .. ربت على كتفي مرات ومرات .. قهقه كثيرا .. كما لم تفارق البسمة ثغره طوال المؤانسة .. وقبل ان يسحب يده من يدي .. صافحني بقوة اكثر .. وقال : ( لا تقولي لا انقولك .. الغداء غدوة عندي في قصر الابليزيه .. بازين شعير .. بلحم قعود .. حتى الوليه وصيتها .. وسيارة المراسم تجيك ليا عندك في الفندق ) .
– قلت .. فيها خيره .