يحلو للكثيرين أن يتخيلوا أن الشخص العلماني أو اللاديني أو اللاأدري أو الملحد لديه مشكلة ما مع الأديان بشكل عام، أو مع الله بشكل خاص، و يمتد بهم الخيال وصولا لإعتبار أن مواقف هذا الشخص الفكرية قد جاءت نتيجة صدمات أو مشاكل نفسية معينة تجعله غير سوي تماما. بينما الحقيقة هي أن العلمانية كتوجه فكري أو أيا من المواقف الفكرية المعروفة التي ذكرتها أعلاه، لم يكن لديها أية مشكلة مع منظومة الدين أو الإيمان بمعتقدات دينية و لم تكن أبدا في معرض المواجهة مع الأديان بأي شكل من الأشكال، بل إن هناك خلطا غير طبيعي لدى الكثيرين في إستيعاب هاته المفاهيم، يجعلهم يتخيلون الأمر و كأنه معركة بين الكفر و الإيمان، في تكريس عبثي لمفهوم الحرب الأبدية بين فسطاط الكفر و فسطاط الإيمان.
أما باقي التصنيفات مثل الإلحاد و اللادينية و اللاأدرية، فهي توجهات فكرية تقوم بالأساس على الحاجة لتفسير العالم و الوجود بالإعتماد على العقل و المنطق المجرد، و لا تعترف عادة بما توفره الأديان من تفسيرات ميتافيزيقية لا تعتمد أي منطق عقلي، و بالتالي فمن غير المنطقي بالنسبة لشخص لا يعترف بالغيبيات أن يدخل معها في معركة أو حرب.
على الجانب الآخر يجب الإعتراف بأن الأديان هي التي تعيش حالة حرب و مواجهة دائمة و أبدية مع كل من يختلف معها و لو في أدنى التفاصيل، و هذه المواجهة تشمل كل المجالات بدون إستثناء، حتى أنها تستكثر على المخالفين و لو حق التعبير عن إختلافهم، لأنها تمنح نفسها حق إمتلاك الحقيقة المطلقة و النهائية بالنسبة للإنسان، تلك الحقيقة التي لا يعود في حاجة بعدها للتساؤل عن أي شيء، بل إنها تدعوه لعدم طرح الأسئلة و تحرم عليه الشك و حب التساؤل رغم كونه رد فعل طبيعي و أحد الأسباب الرئيسية التي تشكل عبرها وعي الإنسان منذ إكتشاف النار و حتى يومنا هذا، فيتحول الإنسان إلى آلة لا تعيش إلا داخل إطار واحد جامد و متكلس لا يتغير مهما تطور العالم من حوله، فنجده لا يتحرك خطوة واحدة بدون معرفة موقف الدين منها، حتى و إن تعلق الأمر بتصرف تافه مثل دخول المرحاض.
هذه المواجهة قد تطورت اليوم بشكل مطرد و كارثي، و وصلت إلى حدود مأساوية باتت تهدد حياة الناس بشكل عشوائي، فقد تكون مسافرا عابرا المطار أو ذاهبا للعمل راكبا لأحد عربات المترو أو جالسا في مطعم أو مقهى، لتجد الدين ينفجر في وجهك بكل عبثية ليعبر عن حاجته المجنونة للتسلط على خيارات البشر، و كنتيجة مباشرة لهذا التطور السلبي، تصبح المواجهة مفتوحة على كل الإحتمالات، بل تتحول لقضية حياة أو موت، مع كل ما يعنيه ذلك من حق مشروع في الدفاع عن النفس، و ما دامت العلمانية و الإلحاد و اللاأدرية و اللادينية توجهات فكرية بالأساس تعتمد على العقل و الفكر لبلورة مواقفها من الأديان و تأثيراتها المختلفة على المجتمع، فالدفاع عن النفس حينها لن يكون إلا بإعمال العقل و المنطق في أسس هاته الأديان و أصولها و تاريخ ظهورها و أدبياتها و تشعباتها و تفاصيل أحكامها و شرائعها، و بما أننا نتحدث عن صراع حقيقي بين العقل و الميتافيزيقا، ففي المحصلة لن تكون النتيجة إلا سلبية بالنسبة للأديان.
قد تكون أسباب العداء قائمة بشدة رغم نفينا لها، لكنها في نفس الوقت منطقية و تفرض نفسها بقوة ما دامت قدرة الأديان على التأثير السلبي على البشر قد تطورت لمستويات مجنونة و عبثية لا ترحم أحدا و لا تقف عند حد.
ليست لدينا مشكلة مع أي إنسان قد إختار (بمحض إرادته) أن يعبد آلهة معينة بطقوس دينية معينة، ما دام يقوم بذلك داخل المجال الفردي و في إطار ممارسة حقه الثابت في حرية المعتقد، مشكلتنا تبدأ في اللحظة التي تقرر فيها تلك الآلهة و مكوناتها الخروج من عقل ذلك الإنسان الذي يمارس حريته للإمتداد و التسلط على باقي البشر لتسلبهم حرياتهم الفردية و الطبيعية، تحت مبرر إمتلاكها للحقيقة المطلقة النهائية، حينها تصبح مقاومة تسلط هاته الآلهة حقا مكفولا للجميع، بل واجبا و إلتزاما يفرض نفسه على كل الأحرار أيا كانت توجهاتهم و معتقداتهم الدينية و مواقفهم الفكرية.
مهدي بوعبيد
31/03/2016
تعليق واحد على المواجهة مع الأديان إلتزام مصيري
أفترض أن الإسلام هو أول من دعم قيمة الفرد و حقوق الانسان وحرية الفكر بتقديمه كدين عِلم وموعضة في قوله تعالى:(فَذَكِّرْ إِنَّمَا أَنْتَ مُذَكِّرٌ21 لَسْتَ عَلَيْهِمْ بِمُسَيْطِرٍ22) أوليس القائل بأن الشك أول مراتب اليقين هو إمام و فيلسوف مسلم