عند الحديث عن الإسلام كمنظومة دينية و إجتماعية و تاريخية، يجب التأكيد على نقطة مهمة جدا، و هي أن هوية المسلم اليوم لا تختلف في شيء عن هويته قبل 1435 سنة، فالمنظومة الهوياتية تحتكم إلى نصوص ثابتة و جامدة لم تخضع للدراسة و لا التمحيص و لا التغيير حتى في أضعف الحدود، و قد بقيت منيعة عن كل ذلك على إمتداد قر ن متواصلة، و هي تؤسس لعلاقة المسلم مع الآخر الذي يختلف عنه في المعتقد أو الدين بناء على مفهوم البغض و الكراهية المطلقة، و تكرس مفهوم الأفضلية للمسلم و ضرورة إستعلاءه على هذا الآخر بحكم أن الله قد جعله ملعونا و مكروها و مغضوبا عليه من طرفه، ما دام يرفض الدخول في الإسلام، الدين الحق الذي تؤكد النصوص على كونه ميزان الحساب الأخروي، و الذي لن يقبل الله دينا غيره من البشر أيا كان وضعهم، إن الأمر هنا لا يتعلق بإرث من الكراهية تتوارثه الشعوب لأسباب أو أحداث بعينها، رغم أن القاعدة المتعارف عليها عامة هي أن سبب الكراهية يعود لفترة الإستعمار الغربي لشعوب العالم الإسلامي، لكن الحقيقة هي أن هاته الكراهية تنبني على نصوص دينية مقدسة محددة (إلهية المصدر حسب الطرح الديني نفسه) تحدد علاقة المسلم بالآخر بكل وضوح و  تشكل منطلقا لأحكام ثابتة و لا تخضع لمفهوم الإجتهاد بإعتبارها معلوما من الدين بالضرورة.

إنطلاقا من هاته المفاهيم المغرقة في العنصرية، تصبح علاقة المسلم بهذا الآخر مبنية على الكراهية المطلقة، و بالتالي فكل أحكام المعاملات التي تتأسس بعذ ذلك تخضع لنفس المفاهيم، مثل دفع الجزية و عهد الذمة و التضييق على الآخر في ممارسة عقائده و دينه و منطق دار الحرب و دار الإسلام و التخيير بين الدخول في الإسلام أو دفع الجزية أو القتال و ما يليها من ذل و إسترقاق و سبي و نهب و سلب، و التاريخ الإسلامي مليء بكم هائل من هاته التفاصيل المخجلة، ناهيك عما نجده مكتوبا و مؤرخا في أمهات كتب الفقه و الشريعة و تفسير الحديث و القرآن و السيرة النبوية، و بالنسبة لأمة أصرت دوما على أن تعيش في قوقعة الهوية القاتلة هاته و قاومت كل أشكال الإنفتاح على الآخر (منذ خروج المعتزلة من الحكم العباسي)، فلا يمكن أن تكون النتيجة إلا إستمرارية لهاته المفاهيم الرجعية و المتخلفة، تماما مثل تلك التي إعتمدت عليها الفاشية العسكرية اليابانية إبان عشرينات و ثلاثينات القرن الماضي، حين إعتبرت كل شعوب جنوب شرق آسيا مجرد بشر من الدرجة الثانية، و منحت لنفسها حق غزوهم و محاربتهم و إبادتهم، الإختلاف الوحيد هنا، هو أنك بمجرد قبولك بالدخول في الإسلام، سوف يتم إدماجك بالقوة في مفهوم الأممية العالمية التي يسمونها الأمة الإسلامية. و مع ذلك فقد كان الطابع العنصري الإثني يبقى حاضرا لدى العرب بالخصوص، فالتاريخ الإسلامي يروي لنا بالتفصيل كيف أن عمر بن الخطاب قد رفض تزويج إبنته لسلمان الفارسي بدعوى عدم كفاءة نسبه، و كلنا نعلم جيدا مكانة الرجل كصاحب مقرب لمحمد و مستشار عسكري له، و تضيق دائرة العنصرية تلك لتشمل حتى العرب أنفسهم و فيما بينهم، فيصبح ميزان الأفضلية يعتمد على مدى قرابة إنتماءك لقبيلة قريش أو أحد بطونها، و تورد لنا كتب السيرة كيف أن محمدا نفسه قد قسم غنائم معركة بدر على المهاجرين من أهل مكة و لم يعط الأنصار شيئا و عندما غضب سادة المدينة و زعماءها خطب فيهم قائلا بأن هجرته إليهم أفضل من الغنائم و ما عند الله خير و أبقى، و قد إمتد ذلك لخلفاءه و خاصة عمر بن الخطاب الذي كان يعطي النصيب الأكبر من الغنائم لأهل قريش بحسب علو مكانتهم و قربهم من سادةة القبيلة و يقسم ما تبقى على باقي المسلمين.

و تزخر كتب السيرة و التاريخ الإسلامي و الفقه و الشريعة بأمثلة مشابهة، جعلت أئمة و شيوخ الإسلام يستنبطون منها أحكاما هي أقرب للعنصرية منها لروح الدين كما يدعون، و لعل أبرزها ما جاء في العهدة العمرية لأهل إيلياء من اليهود و النصارى، و قد كانت أغلب الأحكام و نصوص العهدة تشمل تضييقا فعليا على أهل الكتاب نذكر من بينها منع بناء دور العبادة و الكنائس أو إصلاح ما تهدم منها، و منع ضرب الأجراس و الإحتفال بالأعياد، و منع ركوب الخيول أو حمل السلاح بل تجاوزت كل هذا لتصل لحد فرض لباس و حلاقة شعر معينة يتميزون بها عن المسلمين و حتى طريقة تأدية الجزية يجب أن تتم في مشهد يشدد على الذلة و الصغار في حق أهل الكتاب، في تصرف يشبه ما فرضه النازيون على يهود أوروبا الوسطى و الشرقية إبان ثلاثينات و أربعينات القرن الماضي، بل وصل الأمر حدودا من التطرف لم يسبق لها مثيل، كما حدث عند غزو مصر، فقد فرض عمرو بن العاص على أهل مصر من الأقباط بأن يستضيفوا العرب الغزاة في بيوتهم بالقوة و من ضرب من العرب رمحا في أرض أو بيت فهو له و ملكه دون الرجوع للوالي أو الخليفة، و فرض عليهم دفع الجزية عنوة حتى لو أجبروا على بيع أولادهم كعبيد في أسواق النخاسة لدفعها، و لكم أن تتخيلوا حجم الكراهية و البغض التي حرض عليها الدين بأحكامه و نصوصه في حق كل من إختلف مع الإسلام، و مع ذلك يصر أئمة و شيوخ المسلمين اليوم على تكرار كذبة فاضحة و ممجوجة عن سماحة الإسلام و تسامحه مع غير المسلمين.

مجمل هاته الكراهية لا زال قائمة حتى اليوم كمكون أساسي من هوية المسلم، و إن كانت خامدة لقرون بين دفتي كتب وتشريعات الفقه و أحكامه، فذلك يرجع بالدرجة الأولى لعدم توفر أسباب القوة و التمكين التي تسمح للمسلم بتطبيقها بشكل عملي على الأرض، و هذا لا ينفي تشبثه بها و لجوءه إليها ما إن تتوفر الوسائل و الأسباب، و حتى إن غابت أسباب القوة و التمكين على الأرض، فمفهوم عولمة الجهاد الذي نعيش كوارثه اليوم، يرتكز على إعتبار البلدان الأخرى دار حرب مفتوحة لجهاد الطلب أينما كان ذلك و بأية وسيلة متوفرة و من شأنها أن تسبب النكاية و الإثخان في من يعتبرهم المسلمون اليوم أعداء الله و أعداء الإسلام.

يجب علينا أن نقر اليوم بكوننا شعوبا و مجتمعات بأسرها قد  تربينا على هاته المنظومة المغرقة في الرجعية و العنصرية الدينية و الكراهية المطلقة في حق كل من يختلف معها أيا كانت أسباب هذا الإختلاف، و مع ذلك نتساءل بكل صفاقة عن أصل هاته المأساة، إنها و بكل بساطة مكونات هوية مسمومة و قاتلة تنتشر كالطاعون في صفوف الأتباع و لا تبقي منهم عاقلا خارج تأثير العدوى، إلا من كان محصنا و لو بقليل من التسامح الأنساني البسيط الذي يمكنه من قبول هذا الآخر الذي يعتبره الدين عدوا مطلقا و دائما بأمر إلهي منزل من السماء، و مهما نتج عن هذه الكراهية من مآس و كوارث يتسبب فيها الإرهاب الإسلامي اليوم، فلا أحد يملك القدرة و الشجاعة على تعرية أصل المشكلة، و يفضل معظمهم ممارسة دور محامي الشيطان، تارة بالحديث عن سماحة الدين و سوء تأويل النصوص من طرف الفقهاء و الشيوخ و تارة أخرى بإختراع نظريات مؤامرة غبية تبرر كل شيء و أي شيء و حتى اللاشيء في الوقت نفسه.

إحتكام المسلم إلى الهوية بشكل مطلق و نهائي في كل تفاعلاته مع محيطه المباشر، يحوله إلى شخص محدود الأفق و ضيق النظرة، و مهما حاول إدعاء العكس فلن يكون قادرا على الرؤية خارج نطاق قوقعته الصلبة التي يحيط بها نفسه بشكل طوعي و اختياري، الهوية في تعريفها أصلا تعتبر وعاء ضيقا جدا على العقل الذي يبقى غير محدود و غير مجبر على الإلتزام بنطاق معين، العقل لا يعترف بأي إلتزام خارج كل ما هو منطقي، و حتى كونه منبعا للخيال فليس في حقيقته إلا سعيا وراء التحرر من القيود.

هذه القوقعة المصمطة و القاسية تجبر المسلم على أن يكون صلدا و عاجزا تماما عن تشرب أية تجربة كيفما كان نوعها حتى في أضيق الحدود، بل تجعله منيعا أمام كل سبل المعرفة و السعي وراء إدراك محيطه هذا السعي الذي يشكل في الأصل تصرفا غريزيا يتشكل به وعي الإنسان منذ طفولته الأولى.

و أنت يا عزيزي المتشبث بهاته الهوية القاتلة و المدمرة بكل هذا العنف لست في آخر المطاف إلا إنسانا عاجزا أمام دعوة هذا العالم لإقتحامه بكل قوة، و لعلك تتخيل في دواخلك أنك بمجرد الخروج من شرنقة الهوية المسمومة التي تسكنك هواجسها بكل إعتباراتها و مفاهيمها الرجعية، سوف تتحول إلى شخص عار كما ولدته أمه  يقف وسط الشارع تحت أنظار الناس، عليك أن تطمئن فالخروج هنا يمثل أقصى درجات التحرر التي يمكن أن يسعى إليها الإنسان في منتهى السمو العقلي و الروحي بالإضافة إلى كونه سيحميك من التحول لوحش كاسر على إستعداد دائم لسفك الدماء و بدون سبب.

صديقي المسلم، تحرر من سجنك المظلم قبل فوات الأوان.

مهدي بوعبيد

24/03/2016