مجتمع الميتال في مصر و تاريخ الملاحقة الأمنية
تعود مجتمع الميتال في مصر أن يُتهم كل حين و أخر بعبادة الشيطان و ممارسة طقوس دموية و جنسية في الحفلات و الترويج لتمجيد الشيطان و التهجم علي الأديان. أشهر قضية كانت في منتصف التسعينات عندما نشرت مجلة روز اليوسف سلسلة من التقارير تدعي إقتحام ”العالم السري“ لمجتمع الميتال في مصر و الكشف عن الطقوس ”الشيطانية“ لمحبي موسيقي الميتال. و في وقت قصير تحول ذوق بعض الشباب للموسيقي العنيفة و سماعهم لأغاني الميتال و إرتداء شعارات الفرق لقضية رأي عام و حديث الساعة و دقت نواقيس الخطر و إستنفر الإعلاميين و بعض رجال المؤسسات الدينية جهودهم لمواجهة شبح عبدة الشيطان. و إذ يُفاجأ الجميع بأن النيابة قد حفظت القضية لعدم جديتها و عدم توافر الأدلة – طبعا بعد ما إتمرمطت سمعة شباب كثير و تحولت حياتهم إلي جهيم – و يتضح أن الأمر في النهاية كان ”فرقعة صحفية“ لا تستند إلي أي وقائع أو حقائق.
علي الرغم من حفظ النيابة للقضية إلا أن الضرر كان قد وقع بالفعل ليس فقط علي محبي موسيقي الميتال أنذاك ممن تم إعتقالهم من الشرطة أو ممن تم إحتقارهم من دائرتهم الإجتماعية علي خلفية ذوقهم الموسيقي المشهر به زورا و بهتانا و لكن أيضا علي حركة موسيقية بديلة كان لها سوق واعد و جمهور كبير. و مرت السنين و ظهر جيل جديد من الفرق و المنظمين و الجمهور في أوائل الألفينيات لكي يعاود مجتمع الميتال المصري الظهور و إن كان بحذر و توجس شديد. و لذلك أثر المنظمين الجدد أن يقيموا حفلاتهم في أطراف العاصمة و بسرية تعتمد في المقام الأول علي الترويج للحفلات بتسليم الدعاوي باليد أو من خلال قوائم بريد إلكتروني خاصة أو عبر منتديات علي الإنترنت لمحاولة الهرب من قبضة الأمن.
هذا التوجس كان له ما يبرره لأن كثير من الحفلات كانت تهاجم من الشرطة – أو بالمصري ”بيتكبس عليها“ – و كان يهرب مرتادي الحفلات و الموسيقيين جريا من الحملات الأمنية تفاديا لقضاء ليلة في الحجز و الإتصال بأهاليهم لضمانهم و إخراجهم من القسم – و إنت و حظك بقي.
و إستمر هذا الحال لبضعة سنين و كلما أحكم الأمن من قبضته كلما زاد خبرة المنظميين في التمويه و الإختباء و التلاعب بالحملات الأمنية بطرق مختلفة أذكر منها علي سبيل المثال إعلان إقامة حفل في مكان للجمهور و تغييره في اللحظة الأخيرة مع مراعاة التواصل مع مرتادي الحفلات لإعلامهم بالمكان الجديد و هو ما أربك الأمن في أكثر من مناسبة و خرجت تلك الحفلات إلي بر الأمان. و كان كل حين و أخر يخرج صحفي مغمور, محاولا لإحياء طرق أسلافه لتحقيق الشهرة الرخيصة, بخبر عن ”عودة عبدة الشيطان“ و إن كان ملحوظ وقتها أن إهتمام الرأي العام و الإعلام يتضائل مع كل محاولة بائسة لإعادة إنتاج القضية و هو ما أعطي المنظمين في تلك الفترة ثقة أكبر في إقامة المزيد من الحفلات بل و دعوة فرق دولية للحضور و العزف في مصر بجانب العشرات من الفرق المصرية التي تكونت في تلك الفترة. ففي 2007 تحديدا و في أقل من شهر عزفت فرقة Nervecell الإمارتية في منطقة المريوطية أمام المئات من جمهور الميتال في مصر و تلتها فرقة Pain of Salvation السويدية مما أعطي إنطباعا أن الأمور تتحرك للأفضل لمجتمع الميتال في مصر.
و لعل هذا التفاؤل و التخلي عن الحذر كان بمثابة خطية دفع ثمنها مجددا مجتمع الميتال المصري عندما عزم منظمين علي إستقدام فرقة Vader و هي فرقة بولندية شهيرة. و لأن الفرقة إشتهرت بإحتواء بعض أغانيها علي عبارات مناهضة للأديان و لعل أبرزها أغنية ”God is Dead“ أي ”الله مات“ فقد تنبه جهاز أمن الدولة لمجتمع الميتال في مصر مرة أخري و بدافع قوي هذه المرة و خاصة بعد كتابة بعض المواقع عن الحفل و نشرهم لمحتوي أغاني الفرق بل و ظهور مجموعات علي شبكة التواصل الإجتماعي ”الفيسبوك“ تدعو لإلغاء الحفل. و بالفعل قام جهاز أمن الدولة بإلغاء الحفل قبل إقامته و بإلغاء حفل أخر في إحدي الجامعات الخاصة و رصد كافة نشاطات مجتمع الميتال في مصر و ملاحقة حفلاتهم و بالفعل لم تعد تقام أي حفلات و كاد أن ينتهي نشاط الميتال في مصر مرة أخري.
الساقية: المنقذ الرقيب
لم تكن ساقية الصاوي أنذاك – و هي إحدي أهم المراكز الثقافية الخاصة في مصر – تفتح أبوابها لحفلات الميتال و رفضت في أكثر من مناسبة طلبات فرق و منظمين لإقامة حفلات في قاعاتها. و كان الحد الأقصي لعنف الموسيقي الذي تسمح به الساقية هو الروك و إن كانت في بعض الأحيان سمحت لبعض الفرق بعزف بعض أغاني الميتال. و مع الوقت أصبحت إدارة الساقية أكثر ليونة في التعامل مع فرق الميتال المصرية و بخاصة أن مجال الميتال في مصر كان زاخرا بالفرق الجاهزة لإحياء حفلات في وقت لم تكن فيه فرق الموسيقي البديلة التي نراها الان علي الساحة بنفس الخبرة أو الوفرة.
و بالفعل إتجهت الساقية لإحياء حفلات الميتال حتي أصبح من المعتاد أن تري في الشهر الواحد حفلتين أو ثلاثة حفلات للميتال في جو أمن و قانوني و في قلب العاصمة و هو ما لم يعتاده من قبل مرتادي حفلات الميتال. و لعل في تلك الفترة كان هناك ثمة مصلحة مشتركة شبه متوازنة بين الساقية و مجتمع الميتال في مصر فمن ناحية الساقية تقدم مكان أمن و غطاء قانوني و دعاية مجانية للحفلات و مناصفة الأرباح و من ناحية أخري تجذب فرق الميتال جمهور جديد و كبير إلي الساقية. و لعل الأمن أيضا بارك تلك العلاقة فهو لم يعد يحتاج إلي ملاحقة مجتمع الميتال في مصر و مراوغة المنظمين و إرسال حملات أمنية إلي الحفلات و في المقابل تم توكيل الساقية – مباشرة أو ضمنيا – لتنظيم مجال الميتال في مصر.
و بالفعل إعتمدت الساقية مجموعة من الضوابط و القواعد لتنظيم حفلات الميتال في قاعاتها بفرض مراجعة دقيقة لكلمات الأغاني للتأكد من عدم إحتوائها علي عبارات قد تثير الجدل أو الملاحقة القانونية و كان شعار الساقية أنذاك ”لا كلام في السياسة أو في الدين. و لا بذاءة“. و يبدو الأمر في الوهلة الأولي خلع لأسنان موسيقي متمردة بطبعها و تفريغها من حدتها و ما يميزها عن أنواع الموسيقي الأخري. و بالفعل إلتزمت أغلب الفرق بهذه القواعد طواعية و قبل نفر قليل من الفرق المصرية تلك القواعد علي إستحياء عملا بمبدأ ”إبقي لتحارب في يوم أخر“. و كانت بعض الفرق تخرج عن بعض القواعد و بالتحديد إسخدام ما يسمي ”الألفاظ الخارجة“ و في واقعة شهيرة تم حظر فرقة Idle Mind ثلاثة أشهر لما رأوه منسقين حفلات الساقية خروج عن القواعد المنصوصة. و بعد خروج فرق أخري عن النص و حدوث مشاجرات داخل الحفلات أوقفت الساقية حفلات الميتال لعدة أشهر حتي سمحت للفرق بإقامتها مرة أخري بعد أن إشترطت الساقية علي الفرق و منظمي حفلات الميتال طباعة شعار ”Clean-Safe“ (أي نظيف و أمن) علي كل بوسترات الدعاية لحفلات الميتال و هو ما أثار تهكم و إستهجان بعض من الموسيقيين الذين إعتبروا هذا الإلزام تصنيف يؤكد و يؤصل السمعة السيئة لموسيقي الميتال و حتي إن جاء في إطار يظهر بشكل إيجابي و بخاصة أن هذا الشعار لم يستخدم إلا لحفلات الميتال. و رافق هذا التوجه من إدارة الساقية إلزام الفرق بتطبيق قواعد الساقية علي الجمهور لدرجة أن تدخين السيجارة الواحدة من مرتادي الحفلات كان يؤدي إلي خصم 100 جنيه من مستحقات الفرق و الموسيقيين!
و لعلك تتسائل ما الذي يدفع عازفي موسيقي متمردة لقبول مثل هذا التضييق و المراقبة الشديدة؟ ببساطة هي مبادلة (Trade off) لبعض من التحرر مقابل الكثير من المكاسب أهمها الحصول علي مظلة قانونية تسمح بإقامة الحفلات في جو أمن من الملاحقات الأمنية و في وسط العاصمة و جذب المزيد من محبيي الموسيقي للحفلات و بخاصة أن مرتادي الحفلات في السابق كانوا يأخذون مخاطرة في كل مرة يتوجهون لحضور حفل غير مرخص و في مكان نائي. و يجب التأكيد هنا أن الفرق المصرية في حفلات ما قبل الساقية لم تتمتع بقدر كبير من الحرية مثلما يتصور البضع بل علي العكس تماما لأن تنظيم الحفلات كان منوط بأفراد لا يتعدوا عدد أصابع اليد الواحدة مما كان يسمح بممارسات إحتكارية من جانب المنظمين بحق الفرق. و كانت الفرق التي لا تجد لها مكان في صف إحدي المنظمين في معاركهم ينتهي بها الأمر بعدم الحصول علي فرص للظهور علي المسرح. بجانب الممارسات الإحتكارية لأغلب المنظمين كان من النادر أن تحصل الفرق المشاركة في الحفلات علي أجر و بخاصة أن المنظم كان يتحمل وحيدا مخاطر مادية و قانونية كبيرة و كان يعللوا موقفهم أنذاك أنه يكفي الفرق المصرية أن تجد فرص للظهور أمام الجمهور.
و لذا إذا فرضنا جدلا أن الفرق المصرية إستبدلت رقيب بأخر يجب أيضا الأخذ في الإعتبار ما حققته الفرق المصرية في المقابل و تحديدا الحصول علي مناخ أمن لإقامة الحفلات و مناصفة الأرباح مع الساقية و هو ما لم يتوفر في معظم الحفلات قبل تلك الفترة. و بالفعل ظهرت نتائج ذلك الإستقرار في تحقيق منافسة شرسة بين الفرق أفرزت المزيد من الفرق و التسجيلات و الحفلات و أصبح من المعتاد أن تري المئات في مهرجانات و حفلات الميتال.
و كان كل حين و أخر تظهر بعض الفرق التي تقوم بتحدي بعض قواعد الساقية و بخصوصا التطرق إلي المواضيع السياسية في ظل حكم مبارك و هو ما أصبح تدريجيا أمر تغض إدارة الساقية بصرها عنه.
ثورة يناير: توسع محدود و تضييق جديد
بعد ثورة يناير طلب منظمي حفلات الميتال و الفرق المصرية لقاء الصاوي لمناقشة أوضاع الميتال في مصر و التواكب مع الحدث و المضي قدما في إكتساب المزيد من الحريات و المساحة لموسيقي الميتال. و كان محور النقاش هو رفع بعض القيود عن فرق الميتال المصرية و تحديدا تقديم محتوي سياسي في الأغاني و هو ما أيده الصاوي و إن أكد أغلب الحضور علي الإلتزام بعدم تقديم محتوي أغاني يصطدم مع الأديان أو التعدي علي الذات الإلهية مباشرة أو ضمنيا. بالإضافة نجح المشاركون في الإجتماع بإقناع إدارة الساقية بإقامة حفلات لما يسمي بالـ ”extreme metal“ و هي أعنف أنواع موسيقي الميتال التي يصطحبها صراخ و مؤثرات صوتية ”متوحشة“ (brutal) في الغناء. و بهذا بدأ عهد جديد لحفلات الميتال في مصر بلا أي محاذير أو قيود علي الموسيقي المقدمة في الساقية بإستثناء إلزامين: عدم إستخدام ما يسمي بالألفاظ الخارجة و عدم الصدام مع الأديان و عقائد المجتمع.
و لكن صاحب هذا التغيير الإيجابي المحمول في رياح الثورة إنفجار في أعداد الفرق الموسيقي البديلة أو ما يسمي بموسيقي ”مصرية معاصرة“ و لم يعد لفرق الميتال نفس الميزة التي تمتعت بها قبل الثورة و أصبح بإمكان الساقية ملء جداولها الشهرية بالكامل بدون الإحتياج لفرقة ميتال أو روك واحدة. و بهذا أصبحت فرق الميتال المصرية تجد نفسها مصنفة كـ ”سد خانة“ و بعد أن كان بإمكانها إختيار أفضل المواعيد لحفلاتها و في أيام الأجازة الإسبوعية أصبح يفرض عليهم – إلا قليلا – ما يسمي ”المواعيد الميتة“ في وسط الإسبوع. و بالفعل بدأت تتناقص تدريجيا الحفلات المنفردة للفرق و خاصة بعد عزوف مرتادي الحفلات عن حضور أمسية لفرقة أو فرقتين في مواعيد غير مناسبة و أخذ منظمي الميتال و قادة الفرق إتجاه لإقامة مهرجانات تشمل 4 أو 5 فرق مجتمعة لجذب إنتباه الجمهور من جديد و هو ما حقق رواج جديد لحفلات الميتال في مصر و ظهور أكثر من منظمة لإقامة الحفلات بداخل الساقية يذكر منها Metal Blast, Brain Slash, Walls of Death, Groovy Aid, Metal Grinders.
و لعل أكثر منظمات حفلات الميتال في مصر جرأة في ذلك الوقت هو منظمة Heavy Tunes التي تعمدت الخروج عن منظومة الساقية و إقامة الحفلات في فنادق أو أماكن مفتوحة و لكن هذا الخروج أبرز تحدي جديد لحفلات الميتال في مصر: تكاليف إقامة الحفلات المرتفع و صعوبة الحصول علي تصاريح. فمع إنتشار الحفلات بعد الثورة و زيادة الطلب علي أماكن إقامة الحفلات و معدات الصوت و خلافه من الضروريات لإقامة الحفلات إرتفعت تكلفة إقامة الحفلات بشكل ملحوظ خارج الساقية بل و داخلها أيضا. إلي جانب المخاطرة المادية لإقامة حفلات ميتال في مصر (الذي يقلل من حدتها إقامتها في الساقية لتوفيرهم مكان مجاني لإقامة الحفل و إستخراج كافة التصاريح بالنيابة عن المنظمين) ظهرت مشكلة أخري لم يواجهها مجتمع الميتال في مصر إلا عندما توجه إلي القنوات الشرعية لإقامة حفلات و هو أنه لا يجوز قانونا لعازف أن يتلقي أجر أو أن يقيم حفل بدون أن يكون عضوا في نقابة المهن الموسيقية و هو شرط يكاد ألا يستوفاه أحد من عازفي موسيقي الميتال في مصر. بالإضافة إلي ذلك يلتزم منظم الحفل بدفع قيمة الضرائب لـ 25% من التذاكر مقدما لمصلحة الضرائب العامة و إستخراج تصاريح من المصنفات و وزارة القوي العاملة عند إستقدام فرق أجنبية و كذلك دفع تكاليف تأمين الدفاع المدني للحفل و هو ما قد يرفع فاتورة إقامة حفل قانوني و مرخص خارج الساقية لما لا يقل عن 20 أو 30 ألف جنيه (بناءا علي المكان المؤجر) و ذلك بدون الوضع في الإعتبار دفع أجر للفرق المشاركة.
و مع إستمرار الخسارات المادية لمنظم حفلات Heavy Tunes لإصراره علي الخروج عن الساقية لكسر الإحتكار الضمني للميتال في مصر – و علي الرغم من إكتسابه تعاطف و إحترام الكثير من الموسيقيين و الجمهور – إلا أنه أنه ”بحسبة الورقة و القلم“ أصبح الإنحسار في الساقية إختيار تفرضه الظروف العملية و القانونية و المادية التي تقيد المنظمين الذي يخرج معظمهم من الحفلات التي يقيموها بدون أي ربح يذكر و بخاصة مع إرتفاع أسعار تأجير المعدات و خدمات مهندسين الصوت. و بهذا أصبح التضييق علي مجال الميتال في مصر هو مجمل تعقيدات قانونية و صعوبات مادية و عزوف الرعاة عن إقامة حفلات لنوع موسيقي ”سيء السمعة“ بدلا من التهمة السخيفة بعبادة الشيطان و الترويج للصدام مع القيم الدينية و الخ. من الإتهامات التي كانت تلقي علي مجتمع الميتال في مصر كل حين و أخر.
المواجهة مع الإخوان و بصيص من الأمل
فوجيء مجتمع الميتال المصري بحملة إعلامية تشنها بعض القنوات الدينية المحافظة علي مجتمع الميتال في مصر بعد قيام محامي إخواني بتقديم بلاغ للنائب العام يتهم الصاوي بالترويج لعبادة الشيطان و إزدراء الأديان بعد أن قاموا برصد ”إقامة طقوس“ داخل قاعات الساقية بعد حضورهم إحدي حفلات الميتال. بالطبع إنتهت القضية بالحفظ بأدراج النيابة العامة بعد أن تبين عدم صحة الدعاوي المقامة و إنعدام جديتها و لكن ما كان مثير للإنتباه وقتئذ أنه أصبح هناك خطوط جديدة للدفاع عن مجتمعي الميتال في مصر.
الخط الأول هو أنه أصبح لمجتمع الميتال في مصر – شأنه شأن سائر المجتمع – منصة يواجه بها الرأي العام مستقلا عن الإعلام و سياسات التحرير و سيطرة الدولة علي المعلومات بشيوع إستخدام مواقع التواصل الإجتماعي و التفاعل المباشر مع الناس و مواجهة الإتهامات و تفنيدها. الخط الثاني هو أنه تعاطف مع مجتمع الميتال في مصر مجموعة كبيرة من الإعلاميين علي القناوات الخاصة – و لعل للكثير منهم كان مصدر هذا التضامن إنتهازية سياسية لتوجيه طعنة للإخوان – و إن كان هذا الدفاع منوطا بأن يقوم مجتمع الميتال برسم خط فاصل بينه و بين ما يسمي بعبادة الشيطان و تحديدا الفرق الأجنبية التي تقدم مثل هذا النوع من الموسيقي و من نشاطات مجتمع الميتال المصري الداخلية.
فلم يكن بالإمكان لصحفي أو إعلامي أو حتي لموسيقي أن يخرج و يقول في مستهل صده لهجوم المحامي الإخواني و إعلاميين القنوات الدينية أنه ”من حق الناس أن تؤمن بما تشاء حتي و إذا كان عبادة الشيطان“ أو أن ”تقديم محتوي يزدري الأديان و يمجد الشيطان جزء لا ينفصل عن حرية التعبير“ حتي و إن كان أيديولوجيا هذا متسق مع مبدأ أن الحريات لا تتجزأ و هذا لأن عمليا و علي أرض الواقع الحريات تتجزأ بالفعل بفعل التعقيدات و التشابكات القانونة و الثقافية و السياسية و الإجتماعية و التاريخية – و كانت قضية مجتمع الميتال في مصر لتهزم أنذاك إذا لم ينجح الموسيقيين و المنظمين و مرتادي الحفلات في رسم الخط الفاصل بينهم و بين ما يسمي بفرق عبدة الشيطان في الخارج. و أجزم أنه إذا كان تم إعتماد خط للدفاع مبني علي قيمة أيديولوجية مطلقة مثل إطلاق الحريات الفردية حتي في زخم الحمية الثورية لكان للمحامي الإخواني و الإعلام الديني اليد العليا في تلك القضية.
و لعل أكثر ما يستحق إبرازه في المواجهة مع الإخوان هو ملل الرأي العام من القضية الفارغة لتهمة عبادة الشيطان و تضامن الكثير من الإعلاميين و الشخصيات العامة مع مجتمع الميتال في مصر طلاما أنه بالفعل لا علاقة لنشاطه بما يتهم به.
سادة الشرق الأوسط و إنقسام محدود في مجتمع الميتال
في مطلع هذا العام أعلن نادر صادق و هو قائد فرقة تحمل إسمه في الخارج عن عزمه إستقدام فرقة أمريكية تسمي Inquisition و إقامة حفل بعيدا عن ساقية الصاوي تحت إسم ”سادة الشرق الأوسط“. و لم تكن هذه المرة الأولي التي يستقدم فيها صادق فرقة أجنبية لمصر فلقد دعا من قبل فرقتي Aborted و Alkaloid إلي مصر و أقام لهم حفلات في ساقية الصاوي العام الماضي.
و لعل الخط العريض لهذا الحفل يبدو رائعا: فريق أجنبي تقام له حفل بداخل إحدي الفنادق بعيدا عن الساقية من خلال منظم يريد أن يتحمل مخاطرة لا يرغب فيها أي منظم أخر. و لكن كان هناك ما يعكر ذلك الخبر و هو أن بالنظر إلي محتوي أغاني الفريق الأمريكي تبين أنه يدعو صراحة و مباشرة لتمجيد الشيطان في الكثير من الأغانيه بالإضافة إلي الهجوم علي النبي عيسي و إزدراء الأديان صراحة و الدعوة إلي التمرد عليها.
و بدأت من تلك اللحظة المناقشات الجانبية بين بعض المنظمين و الموسيقيين و أدمنز صفحات الميتال المصرية عن مدي خطورة إستقدام هذا الفريق إلي مصر علي مجال الميتال في مصر و بخاصة و إنه – و لعل للمرة الأولي – سيكون هناك وجاهة للإتهامات التي توجه لمجتمع الميتال المصري و بدي لتلك المجموعة – و أنا منهم – أن إستقدام مثل هذا الفريق إلي مصر هو بمثابة ربط حبل المشنقة علي رقابنا بأنفسنا.
أما الجانب الأخر فأعلن تمسكه بخططه و بأن الحفل مرخص من الجهات المختصة و أكد أن إستقدام مثل هذه الفرق يضع مصر في خريطة العالم في حفلات الميتال العالمية و يعتبر تشجيع لقطاع السياحة في مصر.
و إذ بالأحداث تتطور حتي أصبح هناك فريق معارض لإقامة الحفل و إستقدام الفرقة و أصدر بيان في 13 يناير علي صفحات بعض الموسيقيين الشخصية يعلن فيها التبرأ الأدبي من إستقدام الفرقة الأمريكية لما تحتويه كلمات أغانيهم من معاني تناهض الأديان و الذات الإلهية بينما هاجم منظمين حفل سادة الشرق الأوسط معارضي إقامة الحفلة و إتهمهم بإشاعة الخوف بلا مبرر و بتعديهم علي الحريات بفعل فرض الرقابة الذاتية. و بالفعل تحول هذا الإنقسام من إختلاف في وجهات النظر إلي مواجهة علي صفحات الفيسبوك بين الفريقين و تبادل الإتهامات و في بعض الأحيان البذاءات حتي تحول مجتمع الميتال في مصر من كينونة واحدة تزعم الإخوة في حب الموسيقي و تشارك المصير إلي فرقتين متنازعتين بينما السواد الأعظم من الجمهور يكتفي بالمتابعة أو تسجيل رأيه بدون الخوض في المعركة.
إعلان نقابة المهن الموسيقية عن وقف حفل ”عبدة شيطان“
صاحبت الحفلة أجواء من السرية و بخاصة بعد تغيير مكانها بعد وصول بعض الصحفيين إلي الفندق الذي كان مقرر إقامتها فيه و تخوف إدارة الفندق من التورط في قضية رأي عام و بخاصة بعد تأكدهم من أن الفريق الأمريكي يقدم محتوي يمجد الشيطان بالفعل. و لمراوغة فضول الصحفيين و الجهات الأمنية قام منظمي الحفل بتقديم ميعاد الحفل يوم في بار في وسط البلد و تضاربت الأقوال بين نقابة المهن الموسيقية التي أعلنت عن إلغاءها للحفل و بين منظميه الذين أكدوا أن الحفل لم يلغي و إستمر إلي نهايته.
و تصدرت تصريحات النقابة المثيرة للجدل وسائل الإعلام بعد إعلان إيقافهم الحفل و الإشارة إلي أن مرتادي الحفل كانوا من مجموعة منظمة تقوم بعبادة الشيطان و إنقسم الإعلام لفريق يبارك للنقابة ممارسة مهامها في ”الحفاظ علي القيم و الأخلاق“ بينما يتهكم فريق أخر علي تصريحات النقابة إستنادا علي تهافت القضايا السابقة و محاولة الربط بين مجتمع الميتال المصري و موسيقي الميتال بما يسمي بعبدة الشيطان.
و لعل من الواجب هنا الوقوف عند تصريحات النقابة: فمن ناحية لا مبرر و لا منطق علي الإطلاق في تحميل حفل – أيا كانت محتوي بغض أغاني الفرق – أكثر مما يتحمله الحدث و بالتالي الكلام عن تنظيم دولي لعبدة الشيطان إستنادا إلي ملبس أو مظهر الجمهور فهو يتعدي دائرة عدم فهم الواقع إلي التشهير و التشنيع بحق أفراد قيل لأغلبهم أن الحفل مرخص. هذا بجانب أن أغلب الجمهور لا يهتم علي أية حال بمحتوي الأغاني و يريدوا فقط الإستمتاع بفريق عالمي أيا كان لكسر رتابة و ملل الحفلات المقامة في الساقية.
من ناحية أخري لم تخطأ النقابة في تصنيف الفريق المستقدم ك ”عبدة شيطان“ فأي متابع للفريق يدرك أن هذا التصنيف يقبل به أعضاء الفريق نفسه و يروجوا له لأنهم يؤمنون أنهم يحملون رسالة من خلال الموسيقي التي يقدمونها سواء كان الشيطان لهم رمز أو حقيقة . و لعلها لأول مرة في تاريخ مجتمع الميتال في مصر يكون هناك وجاهة ما في الربط بين نشاطه و بين الترويج لعبادة الشيطان و لو بشكل غير مباشر و بغض النظر عن أن هذه النظرة تقوم بعمل تعميم مجحف و قولبة لمجتمع الميتال الصغير الذي أثبتت الأحداث إنه متعدد التوجهات و الأراء و المعتقدات مثله مثل المجتمع الأكبر الذي خرج منه.
ميتال ”وسطي“ ضد ميتال بلا قيود
لعله لأول مرة في تاريخ مواجهات مجتمع الميتال المصري مع الإتهامات بممارسة ما يسمي بعبادة الشيطان تتحول جبهة الصراع من التعامل مع ”الأعداء“ من الخارج (المتمثل في الجهات الأمنية و الإعلام) إلي صراع داخلي بين فريقين أحدهم يطالب بحرية مطلقة – بغض النظر عن العواقب – و رفض تصنيف الدولة و تسلط أيا من أجهزتها عليهم و فريق أخر تتفاوت أسباب معارضته لإستقدام فريق أجنبي يمجد الشيطان في بعض أغانيه بداية من خلاف عقائدي مع توجهات هذا الفريق إلي خلاف عملي لا يرغب في الصدام مع المجتمع في معركة يراها خاسرة.
و تستحق اللغة المستخدمة في الهجوم من كلا الطرفين وقفة متروية للتأمل و للتحليل لأنه الجدال يعكس طبيعة المرحلة التي يعيشها المجتمع المصري إجمالا و بخاصة بعد يناير 2011.
فعلي سبيل المثال الفريق المؤيد لإستقدام الفرقة الأمريكية يصف معارضيه أنهم ”أمنجية“ و لهذا التصنيف معنيين. المعني الأول هو أن معارضي إستقدام الفريق الأمريكي تعاونوا مع الأجهزة الرقابية في الدولة – و بالتحديد نقابة المهن الموسيقية – في التضييق علي حريات زملائهم بإبلاغ النقابة عن محتوي أغاني الفريق و تشجيعهم علي إغلاق الحفل و مطاردة منظميه. و هو إتهام أراه شخصيا – و لعلي منحاز – أنه سخيف و بلا أي دليل و يعتمد علي كثير من الظن. أما المعني الثاني فهو أن مباركة توجه النقابة لتنظيم مجال الميتال بعض الشيء و فرض قيود عليه – حتي و إن لم يكن للمعارضين دور في الإبلاغ عن الحفل – فهو يضعهم في دائرة الدولة و وكلاء لها.
لتوضيح تلك الفكرة الأخيرة من الممكن أن نستعين بكتابات المفكر الإيطالي الشيوعي أنتونيو جرامشي أثناء سجنه في عهد موسوليني الذي رأي أن ”الهيمنة“ (Hegemony) تصنع علي صعيدين: الأول من خلال القوة التي يمارسها الصعيد السياسي (المتمثل في الأمن و القضاء و مؤسسات الدولة) و الثاني من خلال إنصياع و رضوخ (consent) المجتمع المدني و إعادة إنتاج ثقافة الهيمنة و القبول بتنازلات يقدمها إلي أصحاب المصالح الذين يتحكمون في الدولة. و بالتالي أصبح في عرف الفريق المؤيد لإستقدام الفريق الأمريكي أن أي تنازلات تقدم – و بالتحديد الرضوخ إلي تحكم و رقابة الدولة أو أخذه في الإعتبار أو تشجيعه و تحبيذه – يضعهم في نطاق تصنيفهم كعملاء للدولة سواء بشكل مباشرة أو غير مباشر (أو زي ما بيقولوا بالبلدي كدة ”أمنجية“).
من ناحية أخري يصف معارضي إستقدام الفريق الأمريكي زملائهم بالـ ”جنون“ و ينتقدوهم علي أساس ”إنعدام الإحساس بالمسؤلية“. السؤال هو ما الذي يطالبه الفريق المعارض لإقامة هذا الحفل أن يراعي؟ بالرجوع إلي البيان المصدر في 13 يناير
نراهم يطالبون بتجنب الصدام مع ”الواقع الثقافي و السياسي المصري“. و هذا الإقتباس بالتحديد فيه دلالات مهمة لأن إستخدام كلمة ”واقع“ يعني ضمنيا أنه (1) أمر يتعين علي أي شخص ملاحظته و (2) أمر غير قابل للتغيير و هو ما يوحي بأن من أصدروا هذا البيان يتحدثون من موقف ضعف و إستسلام و هو ما يثير المطالبين بالحرية المطلقة و يزيد إحساسهم بأن منتقديهم بالفعل وكلاء للدولة و شركاء في التضييق علي حريتهم. و المقصود بالواقع الثقافي و السياسي المشار له في البيان – و لقد كنت أنا إحدي موقعيه – هو وضع الدين في المجتمع و تحديدا مفهوم المجتمع عن الذات الإلهية التي تعتبر حتي لأعتي المفكرين العلمانيين جانب من الجدال غير موجود علي الخريطة و بالكاد يتجرأ أن يقتحمه أحدا إلا نفر قليل كثير منهم في السجون. و أما الجانب السياسي فالمقصود منه كان الإشارة إلي تضييق الدولة علي المساحات الفنية المستقلة المتمثل في إغلاق مسرح الروابط لبضعة أشهر و كذلك إغلاق مسرح الجنينة في حديقة الأزهر و إعطاء نقابة المهن الموسيقية حق الضبطية القضائية و هي كلها مؤشرات تؤكد أن الدولة عازمة علي فرض المزيد من القيود علي الحركة الموسيقية البديلة بكافة أنواعها.
و لذلك كان السؤال المطروح من جانب معارضين إقامة الحفل ”هل نستطيع أن نتحمل مواجهة أخري مع مؤسسات الدولة و الإعلام و المجتمع ككل و بخاصة إن إستقدام مثل هذا الفريق يفقدنا أهم خط دفاع عندنا و هو الخط الفاصل الذي نرسمه بين نشاطنا في مصر و بين الفرق الأجنبية المثيرة للجدل؟“. و هو سؤال في حد ذاته مثير للجدل لأنه يقر و يؤكد علي ما يراه مؤيدين إقامة حفلات بلا أي رقابة أو تسلط كنوع من أنواع تقديم التنازلات أو ما يسمونه سخرية بالـ ”ميتال الوسطي الجميل“. و هو ما دفع المدون باسم نبيل حافظ أن يوجه مقالة إلي معارضين إقامة حفلات قد تقدم محتوي مثير للجدل و مصطدم مع الأديان علي موقع المنصة قائلا فيه: ”ناصروا حرية المعتقد والتعبير. واعرفوا إنكم كفنانين مش المفروض تنتظروا اكتساب حرياتكم من موافقة مؤسسات أو أفراد منظومة قيمهم مفقوسة بالشكل التعيس ده“.
و إذا بشكل أو بأخر القضية تتلخص في سؤال واحد: ”هل حرية التعبير مطلقة بغض النظر عن السياق؟“
حرية التعبير: قيمة مطلقة و قيد عملي
”الحريات لا تتجزأ“ هكذا يؤمن و يقول البعض. و لعلها كذلك كقيمة أيديولوجية و لكن هل هذه العبارة صالحة بالفعل للتطبيق علي أرض الواقع؟ خلونا نخش في صلب الموضوع: يقول المدون باسم حافظ – و هو بلا شك يعبر عن قطاع كبير من مجتمع الميتال المصري – أن إكتساب الحريات لا يأتي من التراضي و التفاوض (و بالتالي الخنوع من وجهة نظره) مع مؤسسات الدولة أو أفراد منظومتهم. و أنا بدوري أسأل و كيف إذا تكتسب الحرية؟ (هذا فرضا أن أغلب مجتمع الميتال المصري لا يعترض عقائديا من الأساس مع إستقدام فرق تمجد الشيطان و هو أمر أستبعده). إذا لم نكن سنلجأ إلي التفاهم مع مؤسسات الدولة و التعامل مع القانون – الذي بلا أي جدل لا يسمح بإستقدام مثل هذه الفرق في مصر – فماذا سنفعل في الخطوة المقبلة؟
الإجابة ليست بعيدة عنا و يكفي النظر إلي تاريخ مجتمع الميتال المصري القريب: إذا كنا نرغب في تجاهل القانون و مواجهة تضييق الدولة فالحل هو أن نأخذ نشاطنا مرة أخري إلي أطراف المدينة و إضفاء جوا من السرية و الهروب من الضوء بغض النظر عن المخاطر أو العواقب و التنازل عن الإستقرار و الأمان و الغطاء القانوني الذي تمتعنا به و إكتسبناه في السنين الأخيرة حتي يصبح الهروب من ما هو حتمي مستحيل و ينتهي الأمر بإغلاق المجال مرة أخري أو التضييق عليه أكثر.
الخيار الأخر هو تحدي و مواجهة المجتمع و الدولة و الإصرار علي أنه حرية التعبير مطلقة و أنه لا يجب للمجتمع أو للدولة أن تتسلط علينا حتي إذا ما خرج من وسطنا أو بدعوة لفريق أجنبي من يغني – علي سبيل المثال – عبارات مثل ”إسحق عيسي!“ (مثلما تقول إحدي كلمات الفريق الأمريكي الذي إستقدم مؤخرا و أثار الجدل) أو ما قد يكون أكثر صداما مع قيم و معتقدات المجتمع و القانون.
طب إديني عقولكم هل هذه إستراتيجية ناجحة ”لإكتساب الحريات“ أم هي وصفة مدمرة لأي مستقبل أو تواجد فعلي لمجتمع الميتال في مصر؟
نعم الحريات لا تتجزأ و لكنها لا تكتسب في ليلة و ضحاها. و مفهوم الحرية في حد ذاته مفهوم نسبي و قضايها لا يمكن تجميعها بشكل أنيق (و وهمي) في بوتقة واحدة بغض النظر عن السياق الإجتماعي و الثقافي و السياسي و الإقتصادي و التاريخي لأي مجتمع.
القبول بالتفاوض مع الدولة و مؤسساتها و تقبل بعض القيود في عرف هؤلاء خيانة للقيم و الحرية و عمالة و هوان النفس (و في أقوال أخري ”تعريص“ و ”أمنجة“) و هو ما يعكس تلك العقيدة البالية بالنقاء الثوري تحت مبدأ ”أخذ كل شيء أو أترك كل شيء“ و هو موقف نراه قد فشل مرة بعد أخري في المجال السياسي و الحقوقي بعد يناير 2011 و كل ما يحققه هو الفرصة للمزايدة علي الأخرين ليس أكثر في مسابقة غير مجدية في نطح الحائط.
في المقابل أقول أن الحريات تكتسب بمعرفة أي معارك تخوضها و أي معارك خاسرة و لا جدوي منها. الحريات تكتسب عندما تعمل علي الإندماج مع المجتمع و في نفس الوقت التمسك بهويتك و قيمك فإن تنازلت عن بعض الأمور لا تتنازل عنهم و إن إكتسبت شيئا حافظت عليه و جعلته أساسا للمزيد من البناء و التوسع. الحريات تكتسب عندما تعرف كيف تنتهز الفرصة لكسب المزيد من الأرض و متي تتوقف. في حالة مجال الميتال في مصر: الإصرار علي الصدام مع الدين من قلة و محاولات إستقدام فرقة أجنبية تقدم محتوي يثير الجدل حول قضية الذات الإلهية لا محل له من الإعراب في طرحي هذا … لا دلوقتي و لا في 100 سنة.
ملحوظة: حاولت في هذا المقال أن أكون حياديا علي قد المستطاع في طرحي لمواقف جميع الأطراف. و لكن لأنني جزء من الجدال المثار حاليا فواجب علي التنويه أن موقفي المعلن كان معارضة إستقدام الفرقة الأمريكية Inquisition و بالتالي قد يؤثر علي توجه هذا المقال و إن كنت تحريت الصدق و الدقة في ما نقلته من وقائع و معلومات.