خير اللهم اجعله خير .. رأيت كما يري الناس في المنام .. وقد حطت بنا الطائرة على ارض مطار باريس .. عبرت المنافذ الجمركية دون تفتيش او احراج .. شرطي الجمارك سألني سؤال واحد فقط .. وعبرت .
– هل لديك تاشيرة شنغن ؟ اجبته : لا للأسف .. انا قادم من ليبيا .. سفارتكم هناك .. وجدتها مقفلة .. وكنت على عجل .
تفحص الجواز .. آه .. من فزان ليبيا .. اهلا وسهلا بك .. نقدر ظرفكم .. تفضل بالعبور .. وعبرت .. شكرت له حسن الاستقبال .. وكنت اخشى ان يسألني عن عدم تجديد مدة صلاحية جواز سفري .. لكنه لم يفعل .. وتيقنت انه على علم بما تعني زحمة .. تجديد .. اصدار .. تفعيل جواز سفر مواطن من فزان .. وعبرت .
في اليوم التالي .. قصدت مكتب اللجؤ والهجرة .. غمرني مدير المكتب بحفاوة اخوية .. اهلا باخوتنا اهل فزان .. نادى على النادل .. وسألني ما قهوتك .. عربية ؟
– نعم عربية .
– قهقه قليلا .. نحن هنا نقول عنها قهوة تركية .
وظللنا نتجاذب اطراف الحديث .. عن ليبيا وفرنسا وفزان .. ومستقبل العلاقات الاخوية بينما انشغل موظفون باستكمال الاجراءات .. وأخذنا الوقت لأكثر من ربع ساعة .. احتسينا قهوتنا سويا .. شيء من مؤانسة .. واستلمت جواز سفري الفرنسي الجديد .. وشكرت له حسن الاستقبال اكثر .. وقد خصني بـ ” جواز دبلوماسي فرنسي ” .. وغادرت .
عند شارع الشانزليه .. تظاهرات صاخبة .. تشجب .. تندد بقدومي .. وبمنحي الجنسية الفرنسية .. من اخبرهم بقدومي .. استرق السمع .. كيف تسرب .. لا ادري .. قيل لي ..تيار يميني متطرف .. يهتف .. لا اهلا .. ولا مرحبا .. وتأسفت .
في اليوم الثالث .. استيقظت مبكرا .. توجهت الى المطار على الفور .. اتصلت بمكتب شركة الخطوط الجوية الليبية بمطار شارل ديغول .. هل لديكم طائرة متجهة الى فزان هذا اليوم ؟
– رد للاسف .. طائرة سبها غدا .. واوباري بعد غدا .. وتمنهت الاربعاء .. والخميس غات .
– وما هو اقرب موعد لطائرة متجهة الى ليبيا ؟ اجابني .
– طائرة سرت ستقلع بعد ربع ساعة .
وعلى الفور .. لم انتظر .. قررت العودة الى ارض الوطن .. وخلال سعات محدودة .. حطت بنا الطائرة على ارض مطار سرت العالمي .. وعند سلم الطائرة .. توقفت .. مزقت جواز السفر الدبلوماسي الفرنسي .. وقلت في نفسي .. وداعا فرنسا .. لن اكررها ثانية .
في مطار سرت كان في انتظاري صديق قديم .. ابوالقعقاع الليثي .. استضافني بمنزل العائلة .. وغمرني بحفاوة انستني ارق باريس .. وهجير فزان .. ومواصلة الرحلة .. ومرت الايام .. وتطاول الدهر .. وراق لي تمضية بقية حياتي في سرت .. فكرت .. واعدت النظر .. ولسعتني بعوضة .. قضت مضجعي .. قفزت من غفوتي في هلع .. برهة زمن .. وهدأت انفاسي اكثر .. عندما تيقنت ان ما جرى .. مجرد اضغاث احلام .. فلا فرنسا منعتني من دخولها بجواز سفر او بدونه .. كما لا وجود لجناح يميني متطرف يندد بقدومي .. وحتى البقاء في سرت بقية حياتي .. ليس قراري .