الامن الفكريتتغني حكومات مصر دائما بانها حكومات ديمقراطية تطبق الدمقراطية وتعلمها لأطفالنا في المدارس ولكن يبدو هناك دائما ريبة من نوايا الحكومات فنجد ان مفهوم “المدرسة الديمقراطية” هو مفهوم تم استخدامه اول مرة في كتيب استرشادي لليونسكو بعنوان “التربية من اجل حقوق الانسان: مكتبة للمعلم”، وكان استخداما عقيما في محاولة بائسة للربط بين حقوق الانسان والديمقراطية فنجد ان الكتيب أكد على تشابك ثلاث مفاهيم، وهي الديمقراطية وحقوق الانسان وحكم القانون. وعرف الكتيب الديمقراطية على انها نظام سياسي مبني على مشاركة الشعب وهي تعتمد علي فصل السلطات الثلاث – التنفيذية والتشريعية والقضائية – بالإضافة الي إقامة انتخابات حرة نزيهة. ولكن عند تطبيق هذا المفهوم في المدارس أثيرت عدة إشكاليات أهمها موضوع الرقابة الديمقراطية، حيث أصبح على المعلمين والطلاب والإباء والمجتمع المحلي المشاركة في إدارة المدرسة وفي نفس الوقت اعلاء حرية التعبير والتفكير والتنظيم كأساس للثقافة الديمقراطية داخل الفصل الدراسي.
فماذا يحدث لو تم التصويت على استبعاد بعض الأفكار من المدرسة من قبل تلك الإدارة الديمقراطية والتي تضم كلا من الطلاب والمعلمين والاباء والمجتمع المحلي؟!!
ففي اثناء الحرب الباردة، في الولايات المتحدة الأمريكية، تم إقرار منع تداول او مناقشة عدة مواضيع داخل المدارس وهي: الشيوعية والاشتراكية والاناركية من قبل مجلس إدارة المدرسة بعد التصويت عليه. وهو نتيجة طبيعية بعد رفض الكونجرس الأمريكي للتصديق على الميثاق العالمي لحقوق الانسان.
وبهذا يتضح لنا وجود إشكالية الرقابة الديمقراطية عند تطبيق مفهوم ثقافة الديمقراطية داخل الفصول الدراسية. فنجد ايمي جاثمان في كتابها “التربية من اجل الديمقراطية” تؤكد على تعريف اليونسكو للديمقراطية بانها مشاركة لكل أطياف الشعب في السلطة وأكدت على انه يمكن استغلال الرقابة الديمقراطية في تقيد حرية التفكير وسيطرة أفكار الأغلبية على المناهج الدراسية مما يوضح لنا وجود تعارض أحيانا بين عدم التمييز وحرية التفكير من جهة وبين مصالح الحكومة واولياء الأمور وحكم الأغلبية وأحيانا المستقلين من جهة اخري. وذلك فمن الطبيعي ان نجد تقييد لحرية التعبير من قبل الأغلبية داخل الفصول الدراسية. او بعبارة اخري ان تطبيق الديمقراطية لا يضمن تطبيق حقوق الانسان.
وتري جوتمان ان السمة الأساسية التربية الديمقراطية هي حرية الأفكار وعدم التمييز حول الجنس او الجندر او العرق او الدين او الإعاقة الذهنية او الحركية او الانتماء السياسي. ولكن تفضل استخدام مصطلح بديل يتطلب حرية التفكير داخل الحجرات الدراسية. وهو مصطلح التربية الغير قمعية.
وقد طرحت عدة أسئلة نتيجة للطرح السابق عن التربية الديمقراطية، ومنها هل عدم التميز يضع حدودا لحرية التعبير لدي لمعلمين؟، هل من حق التربويين تدريس مواضيع شائكة كالعنف الديني والعنف ضد الأقليات العرقية والذي قد يكون ضروريا في كثير من الأحيان بهدف خلق مجتمع ديمقراطي؟
كما اكدت على ضرورة وضع قواعد للإدارة المدرسية الديمقراطية للحد من سلطة الأغلبية على الا تتعدي تلك القواعد على وجهات نظر الطلاب المختلفة في حقوق الانسان او الحياة الجيدة.
وفي ظل تحول مصر الديمقراطي بعد ثورة الخامس والعشرون من يناير مارس النظام الحاكم دور من الرقابة الفكرية على الشباب والأطفال من مختلف الاعمار. فبدا من رقابة وسائل التواصل الاجتماعي والذي نص عليها قانون مكافحة الإرهاب الي سطوع فكرة تطبيق الامن الفكري في المدارس ومفهوم يؤمن بتحصين عقل الطفل أخلاقيا وفكريا ضد كل ما هو مناهض للفكر العام للدولة وهو ما اكدت عليه ا. عزة محمد سليمان موجه أول مركزي تربية نفسية مديرية القاهرة على ان الامن الفكري هو للحفاظ على المكونات الثقافية الأصيلة في مواجهة التيارات الثقافية الوافدة، او الأجنبية المشبوهة، فهو يصب في صالح الدعوة لتقوية هذا البعد من أبعاد الأمن الوطني. وهو بهذا يعني حماية وصيانة الهوية الثقافية من الاختراق او الاحتواء من الخارج، ويعني صيانة عقول أف ا رد المجتمع ضد أية انحرافات فكرية أو عقدية مخالفة لما تنص عليه تعاليم لإسلام الحنيف أو أنظمة المجتمع وتقاليده. وهو ما يعني إقامة مراقبة فكرية علي العقل المصري في ظل العولمة مما جعل الهدف من الامن الفكري المدرسي نوع جديد من أنواع الرقابة الدكتاتورية في ظل عالم منفتح ودولة تتجه نحو الحريات.
بالضافة الي تأكيدها علي ربط مفهوم الامن الفكري بمفهوم الامن الوطني. وهو ما حذر منه الخبير التربوي والباحث بالمركز القومي للبحوث التربوية كمال مغيث إن فكرة نوادي الأمن الفكري بداخل المدارس هو اتجاه فاشي، يهدف في المقام الأول إلى تحويل الطلاب والمعلمين إلى جواسيس أو مخبرين لدى أمن الدولة، ويمكن أيضا التأكيد علي هذا المعني بقول المتحدث باسم وزارة التربية والتعليم هاني كمال ان لجنة الان الفكري بكل مدرسة ستعمل على حماية الطلاب من أي أفكار تهدد سلامة عقولهم، ويكون دورها الاطلاع على ما يدور في المدرسة، سواء من المعلمين أنفسهم أو من الزائرين، مضيفا أن تلك اللجنة ستشكل من مدير المدرسة ووكيل المدرسة واثنين من كل من مجلس الآباء وطلاب المدرسة.
وتعتمد وزارة التربية والتعليم المصري علي تلك الأندية لتحقيق عدة اهداف منها:
1- معرفة الأفكار المنحرفة وتحصين الشباب ضدها: فلا بد من تعريفهم بهذه الأفكار وأخطائها قبل
وصولها إليهم منمقة مزخرفة فيتأثرون بها؛ لأن الفكر الهدام ينتقل بسرعة كبيرة جداًّ ولا مجال لحجبه
عن الناس.
2- إن من أهم ما ينبغي أن تقوم به المؤسسات التعليمية أن تضمن برامجها فصولاً عن الأمن الفكري
تصب في قناة الوقاية من الانحراف الثقافي والغزو الفكري، وذلك عن طريق نشر المبادئ الفكرية
القويمة ومبادئ الفضيلة والأخلاق.
3- ينبغي ألا نغفل أهمية دور المدرسة في الكشف عن مظاهر الانحراف الفكري أو
الأخلاقي منذ بدايتها، ودراستها ومعالجتها عبر الإرشاد الطلابي بالمدرسة، والاتصال
بولي أمر الطالب لتنظيم التعاون مع الإدارة المدرسية قبل استفحال المشكلة، وعلاجها قبل أن
تصبح سلوكاً اعتيادياً.
وتعتمد وزارة التربية والتعليم في خطتها لأنشاء تلك الأندية علي نتائج اللجنة الوزارية والتي عقدت بوزارة التربية والتعليم براسة اللواء حسام أبو المجد رئيس قطاع مكتب الوزير حيث تم تعريف الأمن الفكري للبدء في تنفيذها
وأكد اللواء حسام أبو المجد أن استراتيجية الأمن الفكري موضوع مهم يلمس الأمن القومي لمصر، وأن مبادرة وزارة التربية والتعليم في توصيل الاستراتيجية ومحاورها في صورة سهلة مبسطة لكافة المنظومة التعليمية بدءا من القيادات وانتهاء بالطالب في مدرسته فهو أفضل الطرق للحصول على فكر واع مستنير مبنى على حب الوطن
والانتماء الحقيقي. أضاف أن تناول خطة استراتيجية الأمن الفكري ضرورة ملحة تفرضها علينا
الظروف الراهنة وذلك للعمل على حماية أولادنا وصيانة فكرهم من كافة أنواع الغزو الثقافي الهدام
الذي قد يتعرضون له، من خلال وسائل الإعلام ومواقع التواصل الاجتماعي، مشيرا إلى أنها تسير
على خطة تدريجية استراتيجية متضمنة اربعة مراحل: -
1. ربط المرحلة الأولى بنشر ثقافة الأمن الفكري داخل المؤسسة التعليمية، وبناء القدرات من
المعلمين والأخصائيين ومدير المدارس والطلاب وأولياء الأمور، مع إنشاء أندية الأمن
الفكري والتي تضم مجموعة من الطلاب، وأولياء الأمور وبإشراف الأخصائيين الاجتماعيين
والنفسيين بمتابعة وحدات التدريب والجودة.
2. وترتبط المرحلة الثانية بتنمية مكونات الأمن الفكري باستخدام أنشطة مصممة لذلك ينفذها
المعلم باستخدام أندية الأمن الفكري.
3. المرحلة الثالثة التي ترتبط بتنمية مكونات الأمن الفكري خلال المناهج الدراسية بعد ضمان
بناء قدرات المعلمين وبناء الوعي العام داخل المدرسة وخارجها حول مفاهيم ومكونات الأمن
الفكري.
4. وفي المرحلة الرابعة يتم دمج محاور الأمن الفكري كجزء من الخطة الاستراتيجية لتطوير التعليم قبل الجامعي في مصر.
ويبقي عدة أسئلة في انتظر اجابتها هل ستمارس الحكومة المصرية شكلا من اشكال الرقابة الديمقراطية حيث يتم اشراك الشعب في تلك الرقابة ام ستستأثر الحكومة بتلك الرقابة حفاظا علي دولتها العميقة؟. هل تستمر الديمقراطية الشكلية في مصر ام تنجح الثورة في تحقيق ممارساتها؟