مساء الأمس نزل ثمن البترول إلى أقل من 30 دولار للبرميل، إنه الإنهيار التام الذي يأتي بعد 18 شهرا من الإنخفاض وصلت حدود %70 من قيمة البرميل قبل حوالي السنة و نصف.

هناك عدة أسباب لهذا التدهور السريع لأثمان البترول، أولها حالة الركود الإقتصادي العامة التي يعرفها العالم منذ عدة سنوات، و التي إزدادت حدتها بوصولها للصين التي تعيش حالة تقلص و جمود فعلي في أداءها الإقتصادي اليوم، و هي التي كانت أول مستهلك للنفط على المستوى العالمي بنسب ضخمة، و بالتالي فقد انخفضت حاليا مستويات الطلب الصيني على الطاقة بشدة خلال السنة الماضية، أضف إلى ذلك ما قامت به السعودية خلال العام الماضي من إغراق للسوق بمستويات إنتاج جد مرتفعة (فائض يفوق مليون برميل يوميا يتم طرحه في الأسواق) و ذلك لهدفين أساسيين، أولا التأثير على قيمة النفط الصخري الأمريكي في الأسواق، لكون كلفة إستخراجه مرتفعة نسبيا بالمقارنة مع النفط العادي و خفض ثمن برميل الخام يؤدي إلى إستغناء المستهليكن عن النفط الصخري، و ثانيا التأثير السلبي على الإقتصاد الروسي و الإيراني، لأن إنخفاض ثمن النفط معناه إنهيار سلبي و عجز ضخم و مباشر في ميزانية الدولتين و هذا في حد ذاته غباء مطلق من طرف السعودية، لأنها تضحي بمقدراتها و ثرواتها للدخول في مواجهات خاسرة تماما على المدى المتوسط و البعيد، لأن إنخفاض أثمان النفط قد يؤثر نسبيا على الإقتصاد الروسي على المدى القصير لكنه سيتعافى حتميا على المدى البعيد فنحن نتحدث عن دولة عظمى و بثروات طبيعية و إمكانيات إقتصادية ضخمة تتجاوز قدرات السعودية التي تعتمد على إقتصاد ريعي يعتمد على مبيعات النفط و تستورد كل شيء تقريبا من الخارج, بل و حتى قطاعات الخدمات و صناعة النفط تعتمد بشكل رئيسي على العمالة الأجنبية مما يزيد من إستنزاف الميزانية العامة بمستويات كبيرة جدا. من جهة أخرى و على المستوى العالمي هناك أيضا زيادة الإعتماد على الغاز الطبيعي كمصدر بديل للطاقة و هو ما نجحت فيه الولايات المتحدة بشكل كبير جدا خلال السنة الماضية، دون أن ننسى كمية الإحتياطي الضخم جدا من الغاز التي تم إكتشافها في عدة حقول حول العالم (خاصة في منطقة شرق البحر الأبيض المتوسط، على سواحل تركيا و سوريا و لبنان و إسرائيل و شمال مصر وصولا لسواحل ليبيا).

مستويات تدهور ثمن برميل البرنت الخام بين شهر غشت 2015 و الأسبوع الحالي

مستويات تدهور ثمن برميل البرنت الخام بين شهر غشت 2015 و الأسبوع الحالي

 الجديد في الأمر هو أن السعودية التي سبق و أن أعلنت عن عجز في الميزانية يقارب 100 مليار دولار لهذه السنة، قد بدأت تتحدث اليوم عن إمكانية طرح حصص من أصول شركة أرامكو السعودية عبر الإكتتاب العام في السوق المالية، أمام شريحة واسعة من المستثمرين لتملك حصة مناسبة من أصولها مباشرة أو من خلال طرح حزمة كبيرة من مشاريعها للاكتتاب في عدة قطاعات، وبالذات قطاع التكرير والكيميائيات، مما يعني أن العجز المالي قد وصل للعظم ما دام آل سعود يفكرون جديا  في بيع أصول درة شركات البترول في المملكة.

المستفيد هنا هي الدول النامية بالطبع، فهي ذات إقتصاديات ضعيفة نسبيا و في حاجة ماسة و دائمة للطاقة الأحفورية، و إنخفاض ثمن البترول سينعكس على أداءها الإقتصادي بشكل إيجابي و سيزيد من معدلات النمو الإقتصادي بشكل ملحوظ، ما بالنسبة للولايات المتحدة فهي تستفيد بشكل أكبر حاليا من إنخفاض الأثمان و ذلك عبر شراء و تخزين فائض كبير من البترول بأثمنة رخيصة جدا، و قد إمتلأت بنية التخزين تماما لديها منذ مدة، و هي تفكر حاليا في شراء ناقلات بترول لإستخدامها كمنصات تخزية عائمة و متوقفة في موانئها، بينما من جهة أخرى تزيد يوميا من إعتمادها على الغاز الطبيعي كمصدر طاقة رئيسي بدل البترول, أما الجانب الكارثي في الأمر فهو كون  إنهيار الأثمان المتواصل قد بدأ يؤثر بشكل سلبي على الدول ذات الإنتاج المتوسط مثل الجزائر و فنزويلا و نيجيريا، و التي باتت تقترب اليوم  من وضعية الإفلاس الفعلي.

أما من جهة محاولة إعادة السعر لمستويات معقولة في المستقبل القريب، فهذا يبقى عمليا مستحيل و ذلك لكون السوق أصلا قد وصلت لدرجة الإشباع بالنسب المعروضة اليوم، و بينما تستمر السعودية بعنادها المعتاد في طرح مستويات إنتاج تتجاوز سقف الطلب بأكثر من مليون برميل يوميا، تستعد إيران أيضا للقيام بنفس الشيء خلال الأسابيع و الشهور القادمة مما يعني إستحالة صعود الأثمان أو رجوعها لما كانت عليه قبل حوالي السنتين، أي معدل 110 دولار للبرميل.

ما يمكن توقعه اليوم هو أن البترول سوف يواصل إنخفاضه الكارثي ليصل لما دون 20 دولارا للبرميل بين منتصف و نهاية السنة الحالية، و هو ما يعني فعليا إنتهاء عصر السيطرة السعودية و الخليجية على دول المنطقة بفضل فائض عائدات البترول التي تستثمرها المملكة لنشر إسلامها الوهابي المغرق في التطرف و العنف و الرجعية.

 نهاية عصر السيطرة السعودية باتت مسألة وقت لا أكثر، ما إن يصل ثمن برميل النفط إلى مستوى أقل من كلفة الإستخراج حتى يبدأ مسلسل الإستدانة من صندوق النقد الدولي و من البنوك الإستثمارية الدولية، إلى جانب بيع الأصول في الشركات و خوصصة ممتلكات المملكة البعرورية الوهابية و استنزاف الصناديق السيادية، و حينها سيبدأ المشهد التراجيدي الذي ينتظره مئات الملايين من الناس، و ذلك يعني النهاية التامة لسيطرتهم الكريهة على مصائر و مقدرات مئات الملايين من الناس في المنطقة الممتدة بين آسيا الوسطى شرقا و شمال إفريقيا غربا.

 مهدي بوعبيد

14/01/2016