بقلم رشيد ايلال
دأب الباري سبحانه وتعالى خلال الحقب السابقة والعصور الفارطة ، قبل بعثة نبي الرحمة والمحبة محمد صلى الله عليه وسلم على ارسال رسل وانبياء في كل لحظة وحين لأقوام بعينهم ولكل الاقوام، حتى بلغ العدد الاجمالي الالاف من الانبياء والرسل ، بل في بعض الاحيان يبعث رسول ونبي في نفس اللحظة والحين وفي نفس العصر ، كنبي الله لوط ورسول الله ابراهيم عليهما السلام ، والرسول موسى واخوه هارون نبيا عليهما السلام ، بل ويرسل رسولا في اعقاب رسول حتى تكاد المدد الزمنية بين رسول ورسول آخر تكاد تكون منعدمة.
حتى جاءت بعثة نبينا محمد الذي بعثه الله للناس كافة ، هدى ورحمة للعالمين، وجاء ببيان الكتاب المنزل عليه من لدنه سبحانه وتعالى ، وهو البلاغ الاخير الذي جاء عبر رسوله محمد عليه افضل الصلوات وأزكى التسليم ، فلماذا كان نبينا آخر الانبياء والمرسلين؟
سؤال لم يقف الكثيرون عنده ، بل اكتفوا بالقول أن نبينا هو آخر الانبياء ، ولم يقفوا كثيرا عند السؤال لماذا؟ …. لماذا لم يرسل الله انبياء آخرين والمدة بعد بعثته تجاوزت الالف واربعمائة سنة ، والمسلمون مقتنعون على الاقل أنه لن يأتي نبي جديد آخر بعد محمد صلى الله عليه وسلم ، فهو خاتم النبيئين بنص الكتاب المنزل عليه والمأمور بتبليغه للناس كافة؟
ان الجواب على هذا السؤال هو بسيط للغاية ، وهو ينطلق من نفس الجواب الذي يطرح حول لماذا ارسل الله الرسل والانبياء اصلا من قبل ؟، ليكون الجواب الذي يفرضه السياق ، هو ان البشرية محتاجة للبشير النذير الذي يقنع الناس بالعقل والمنطق احيانا وبالمعجزات احيانا أخرى أن هناك خالق لهذا الوجود ، كانت البشرية قاصرة عن الوصول للحقيقة المطلقة التي تعتبر علة هذا الوجود ، كانت البشرية قاصرة عن ادراك مقاصد الله في الكون ، لذلك تراكم عبر التاريخ ارسال الرسل والانبياء الحاملين لبلاغات الله وبياناته للناس كافة او لأقوام بعينهم ، حسب الضرورة وحسب الحاجة، لذلك يقول الله سبحانه “وما كنا معذبين حتى نبعث رسولا”، أي ان الله لن يعذب اقواما كفروا بالله دون ان يرسل اليهم رسولا ، لان البشرية آنذاك كانت قاصرة عن ادراك علة الوجود وخالقه بدون رسول.
لذلك يكون جوابنا عن سؤال لماذا نبينا يعتبر خاتم النبيئين ونحن مطمئنين هو أن عصر الرسول او على الاقل القرون الثلاثة الاولى القريبة من الرسول كانت اخر الاجيال او آخر القرون التي تحتاج الى رسول أو نبي ، لذلك فكل الاجيال التي جاءت من بعد ذلك الحيز الزمني والتاريخي، لا تحتاج اصلا الى نبي او رسول ينتدب من الله، ليظهر لنا علة وجودنا وان هذا الكون له خالق مدبر لشؤونه عبر نواميس الله الكونية ، حيث ان البشرية لم تعد ذلك الطفل القاصر ، الذي يحتاج الى وصي أو مبعوث من لدن الله ، لقد وصلت البشرية الى مرحلة من النضج والمعرفة باتت قادرة معها على الوصول الى كنه الوجود وحقيقة الكون بدون واسطة الا واسطة العقل والبحث والتنقيب عبر العلوم المستحدثة التي اذهلت العالم اجمع ، وابرزت القوة الجبارة للعقل البشري الذي ابدعه الله سبحانه وتلك نواميسه في الكون والانسان.
اعرف ان كلامي هذا سيغضب الفقيه اولا باعتباره يقتات من الدين ويأخذ قداسته من الوحي ، وان اي كلام عن محورية الانسان الحالي والعقل البشري العالم الباحث المنطقي الجبار في تسيير الكون وسبر اغواره والوصول الى حقيقته ، ليلغي دور الفقيه الذي يستمد قداسته من اثبات محورية التراث الديني في معادلة تدبير الكون وتسييره ، وسيشبعنا بنقول كثيرة تكرس فهمه الضيق للدين ،ولنا جولات اخرى بعد هاته التوطئة في ابراز ما نحن بصدد الوصول اليه ، سيما أن الكتاب الذي يعتبر البيان الاخير للبشرية جمعاء ، لا يحتوي على امور تفصيلية مملة لحياة الانسان بقدر ما يحتوي على مبادئ عامة وارشادات اخلاقية وتشريعات حدية أو حدودية عامة لسعادة الانسان ، تاركا للعقل البشري مجالا واسعا للبحث والتنقيب عن سبل سعادته للرقي بالكون الى اقصى مداه ، داعيا اياه الى التأمل في الشجر والحجر والحيوان والنبات والبحار والفضاء وكل تفاصيل الكون عبر مجموعة من الآيات والسور االقرآنية لكي يتمكن هذا العقل الباحث من الوصول الى الحقيقة المطلقة والحقائق التفصيلية البحثة.
07
ديسمبر
2015
لماذا نبينا محمد خاتم الانبياء والمرسلين؟
هذه التدوينة ادرجت ضمن تصنيف حرية الرأي والتعبير.