في مسألة الدين و الإيمان بالغيبيات الميتافيزيقية، لا يختلف إنسان العصر الحالي عن إنسان ما قبل التاريخ، ذلك الإنسان البدائي الذي كان يعيش في جماعات في الكهوف و يقتات على صيد الحيوانات و إلتقاط الثمار البرية و جذور النباتات، فالإنسان اليوم و رغم مستويات التطور التكنولوجي و العلمي و الحضاري و التراكم المعرفي الذي يتوفر اليوم، لا زال يعيش تحت رحمة نفس الأسئلة التي تؤرقه و تنغص عليه حياته : من أين أتى و ما الهدف من وجوده و لماذا يموت و أين يذهب بعد الموت … ؟؟!!
هاته الأسئلة الأزلية هي التي دفعته و ما زالت نحو إختلاق قصص أسطورية حول كائنات ميتافيزيقية و خرافية تعيش خارج البعد الزمني و المكاني الذي يتحرك داخله الإنسان المغلوب على أمره و الواقع تحت رحمة الطبيعة بكل ظواهرها القاسية و العنيفة و الغير مفهومة، و لعل غياب الفهم لما يكمن وراء قوى الطبيعة و ظواهرها التي عجز عن تبين ميكانيزماتها و أسبابها هو ما دفعه للإعتقاد بكون تلك الكائنات الخرافية أو الآلهة عي المسؤولة عنها، و بذلك إعتبر الظواهر العنيفة أو القاسية مثل البراكين و الزلازل و الفيضانات و الليالي الغير المقمرة التي يغطي فيها الظلام الدامس كل شيء هي تعبير عن غضب الآلهة من البشر، بينما باقي الظواهر المرتبطة بتغيرات إيجابية في الطبيعة مثل شروق الشمس و دخول فصلي الربيع و الصيف و سقوط الأمطار و توفر الطرائد و الثمار بمثابة تعبير عن رضى الآلهة و رحمتها الواسعة، و هذا الثنائية الميتافيزيقية هي التي فتحت الطريق أمام الخيال الواسع للإنسان البدائي الذي صار يتخيل تلك الكائنات المختلفة بدرجات قوة و قدرات ميتافيزيقية تختلف من آلهة لأخرى (على سبيل المثال يضم مجمع الآلهة الرئيسي عند السومريين 19 إلها)، فجعل لكل ظواهر الطبيعة بإختلاف تأثيرها آلهة مختلفة عن بعضها البعض، و موزعة بين الشمس و القمر و النار و العواصف و الخصب و الأنهار و البحار، بل و حتى للكواكب التي كان يراقب و يتابع حركتها المتتالية طيلة سنوات و قرون.
على مستوى آخر، و مع تطور مفهوم الإلهة المتعددة التي تظهر الحاجة إليها بتعدد الظواهر الطبيعية التي ترمز إليها أو تمتلك قدرة التحكم فيها، بدأ الإنسان في وضع طقوس مفصلة خاصة بعبادة هاته الآلهة بغرض التقرب إليها و إرضاءها درءا لغضبها الذي يظهر في شكل ظواهر طبيعية عنيفة، تسلطها الآلهة على البشر عقابا لهم على عصيانها، أو لتأخرهم في جلب القرابين و الأضحيات التي كانت في أغلب الأحيان قرابين بشرية يتم تقديمها خلال فترات معينة من الشهر أو السنة، أو تبعا لدورات حدوث تلك الظواهر التي نتجت عنها هذه المفاهيم الغيبية، على سبيل المثال في حضارة الأزتيك التي إستوطنت منطقة أمريكا الوسطى ( المكسيك حاليا ) ما بين عام 1200 ميلادية إلى حدود عام 1521 ميلادية، كانت طقوس تقديم القرابين البشرية منتشرة بشكل كبير جدا و منظم إلى حد كبير، فعند وقوع كسوف شمسي مثلا، كان يتم التضحية بعدد كبير من البشر قد يبلغ حدود 20 أو 30 ألف شخص طيلة 3 أيام لا يتوقف فيها القتل مطلقا لكي يرضى الإله الخالق للكون المدعو Quetzalcoatl و يعيد الشمس للظهور من جديد، و نفس هذا المثال ينطبق على الأغلبية العظمى من الحضارات القديمة سواء في الشرق القديم أو آسيا أو حتى أوروبا، حيث مارس الإغريق و الرومان و السيلت و الفايكينغ طقوسا تتضمن تقديم قرابين بشرية لآلهتهم.
و لعل النقطة الإيجابية الأولى التي يمكن الإعتراف بها للأديان الإبراهيمية الثلاث، هي كونها قد وضعت حدا لطقوس تقديم القرابين البشرية بشكل مباشر للآلهة بعد أن فرض مفهوم التوحيد نفسه، حيث تم تعويضها بتقديم أضحيات و قرابين من الحيوانات (أسطورة ذبح إفيجينيا التي أخذت عنها قصة ذبح إبراهيم لإبنه)، لكن الأمر لم يتوقف عند هذا الحد، فقد طورت الديانات الإبراهيمية مفهوما آخر للقربان البشري الذي يقدم للآلهة، ففي المسيحية نجد مسألة الفداء و الصلب بالنسبة للمسيح الذي ضحى بنفسه على الصليب ليمحي بذلك خطايا و آثام البشر، بينما في الإسلام نجد مفهوم بيع النفس أو الروح لله الخالق الذي وهبها للإنسان في إطار من التضحية التي تمنح المؤمن مكافأة دخول مرتبة عظيمة في الجنة كما يتبين في الآية 111 من سورة التوبة حيث نجد دعوة واضحة للتضحية بالنفس مع وعد إلهي لا لبس فيه. تقول الآية : ” إن الله اشترى من المؤمنين أنفسهم و أموالهم بأن لهم الجنة يقاتلون في سبيل الله فيقتلون و يقتلون وعدا عليه حقا في التوراة و الأنجيل و القرآن و من أوفى بعهده من الله فاستبشروا ببيعكم الذي بايعتم به و ذلك هو الفوز العظيم”. و هذه الآية تشكل الدافع الأساسي وراء فكرة الإستشهاد في سبيل الله، حيث يسعى المسلم وراء الوعد الإلهي العظيم الذي يتحول لتجارة يقدم فيها المسلم حياته و دماءه و روحه قربانا لخالقه لقاء الوعد بدخول الجنة مع الأنبياء و الصديقين.
و بالعودة لكل الشعوب التي مارست طقوس التضحية بالبشر في إطار معتقداتها الدينية، سنجد أن الشخص الذي تتم التضحية به يقبل بتقديم جسده و روحه للكاهن الذي سيقوم بقتله و هو واثق بأن الآلهة ستكافئه بمرتبة عظيمة في العالم الأخروي بين الأموات، و يبقى الخلاف الوحيد مع الإسلام في هذه النقطة هو طريقة تقديم القربان البشري، حيث يتم الأمر داخل إطار القتال في سبيل الله كما تعرفه الأدبيات الإسلامية.
عندما تقوم بمقارنة موضوعية و مجردة بين المعتقدات الدينية و الطقوس التي تنتجها، لن تجد فرقا بين عبادة شعب الأزتيك في أمريكا الوسطى لإله الشمس Quetzalcoatl و بين عبادة الإيلوهيم أو يهوه أو الله لدى شعوب الشرق الأوسط.
رغم البعد الجغرافي و التاريخي و الزماني بين الديانات فستجدها تلتقي في الأخير عند نفس المسببات و النتائج، خوف عميق من الطبيعة متجذر في أعماق النفس البشرية العاجزة عن فهم و تفسير ما يحيط بها، ينتج جهلا و عنفا بكميات مرعبة و لا حدود لها.
مهدي بوعبيد
11/11/2015
3 تعليقات على القربان البشري بين الديانات الوثنية و الإبراهيمية
التناول لمفهوم الإيمان بالأديان و ما يتبعها من عقائد أمر يحتاج إلى اختبار حقيقى للحياة وفقا لمعطيات هذا الإيمان و التعمق فى فهمه و بلغة القرآن تدبر و بلغة الكتاب المقدس و الآباء ثيؤريا هذا الأمر أعتقد أنه مستحيل بالنسبة لأى شخص صادق مع نفسه أولا و لذلك كل ما كتبته لا يعتد به شكراً
استمر
هل الله صاحب مزاج وله حالات عصبية تتغير من حال لحال في أوقات مختلفة؟
ما معنى غضب الله ولماذا يثور او يعتريه الهياج؟
وان صح ذلك هل هو منتقم وحقود؟
ثم من من أهل الارض يمتلك الحق او الأهلية ليدرك دون سواه حاجات وأسرار الرب ؟
اعتقد ان المسألة لا تتعدى كونها عنصرية مقيتة وعصبية تفتت النسيج البشري والتعاون الإنساني وهي مجرد خرافات و وتخاريف دموية مرعبة..
أحمد،