في زمان ليس ببعيد , لم تذكر كتب التاريخ ما ستذكره مستقبلا عن ما يقوم به أفراد الشعب المصري الآن من إثارة للفتن و تدمير لكل رابط يربط بين أطياف هذا الشعب الذي لم يعرف يوما من الأيام هذه الموجة من الحقد و الكراهيه و العنصريه التي أصبحت تهوي بالجميع إلى الهاويه إذا لم نستطع نتداركها الآن .!

و يظل السؤال هنا , كيف نتدارك هذه الأزمه ؟

بالتأكيد إذا لم نعمل على تجاوزها اليوم ستظل رابضه تحت الرماد منتظرة اليوم الذي تنقض علينا فيه , إذن يجب ألا نوقظها و ندفنها كما هي ! … هكذا فكر في تجاوزها أصحاب الأمس و هاهي تنهض لتلتهم كل شئ .

الحماية و الأمن , إذا نشرنا عساكرنا خارج الكنائس و المعابد و إستئصلنا الرؤس المدبره للفتن و المهيجه للجماهير لربما إستطعنا السيطرة على الأمر كليا و زرع الخوف في قلوب الناس فلا تفكر إطلاقا في الأمر التي ستقدم عليه … هكذا يفكر في تجاوزها أصحاب اليوم و لا يستطيعون .

العنصرية و ثقافة الكره تجتاح الشعب المصري , تنتقل كالهشيم بين أفراده بلا تمييز و لعلنا لاحظنا منذ بداية العام بعض الأحداث التي صدمتنا كأفراد من الشعب و طرحت أسئلة كثيرة أهمها ماهو السبب الرئيسي في إشعال مثل هذه الفتن ؟

لعل أحد أهم الأسباب هنا يرجع إلى التعليم , حيث يتم الفصل دائما بين الطلاب المسيحيين و المسلمين في حصص الدين و دائما ما يجلس الطالب المسلم في الفصل و يخرج الطالب المسيحي مما ولد شعور بالتفرقه بينهم و أيضا بأنهم أعلى شئنا ممن يخرجون دائما … من هنا تبدأ البذره التي يضعها المجتمع في عقول وتفكير أطفالنا وهو التقسيم الناتج عن الدين فيبدأ الطفل بالتفكير لماذا ؟!

سبب آخر و هو أن الأسرة و المنزل تتبنى أيضا هذه العنصرية و الكراهيه و تورثها إلى الأطفال و تبني مبدأ الصداقه على أساس الدين فيبدأ الطفل بتكوين صداقاته من نفس الدين و إذا رأت الأسرة أنك تصادق آخر تبدأ عندها التبريرات  بأن المسيحي لا يحبك ( إذا كنت هذه الأسرة وسطيه ) , و أن من إختلف عنك في الديانه هو كافر و مصادقته حتما تؤدي إلى النار ( إذا كنت من أسرة متشدده دينيا ) , فالطبيعي أن كل هذه الأفكار تؤدي إلى خلق نوع من الجيتو لدى الأطفال فنجد تجمعات من المسلمين في ناحيه والمسيحيين مع بعضهم في ناحية أخرى و جماعات متباعده و هذه هي البدايه.!

ثم المساجد و الكنائس المتشدده , فعندما يذهب الشباب لأداء صلواتهم و سماع بعض المواعظ الدينيه للإستفاده , دائما ما يكون هناك بعض رجال الدين المتطرفين الذين يزرعون الأفكار المتشدده لدى الحضور و طبعا يلصقونها بإسم الدين. فيقول الشيخ أن المسيحي قد يكون صديقك و لكنه أبدا لن يرضى عنك و تمثلها الآية التي كثيرا مايستشهد بها الكثير منهم  (ولن ترضى عنك اليهود ولا النصارى حتى تتبع ملتهم  ). , ثم أنهم يمتلكون الأسلحة في كنائسهم و أنها حصون مشيده داخل مصر الإسلامية و يجب الخلاص منها و منهم و على الجانب الآخر يقول القسيس أن المسلمون يحتكرون السلطة في مصر و أنهم يحتقرونكم و أن مصحفهم محرف و يجب حرقه ! , بعد كل هذا نجد أن كل جمهور منهم أصبح محتقنا  منتظرا الشرارة التي ستأتي حتما على الجميع .

و الخطر الأكبر يتمثل في القنوات الدينيه المتطرفه التي حتما لها نصيب الأسد في تأجيج هذه الشراره بين الطرفين بل أيضا لها الفضل في تزويد أقطاب الكراهيه لتشمل المسيحي و الشيعي و البهائي و اليهودي لتضمن النتيجه الحاسمه في معركة دحر الأديان الأخرى ومن ثم إذا قارنا بين صلابة المجتمع قبل هذه القنوات سنجد أن مجتمعنا كان أكثر صلابه و إن كانت هناك بعض التجاوزات و لكنها كانت قليله أما بعد هذه القنوات لاحظنا أن المجتمع بدأ في التفكك بسرعه كبيرة و أن الحوادث التي كانت عارضه بالأمس أصبحت عاده شهريه تنزف لتغرقنا جميعا.

و نأتي للسبب الأكثر أهمية و هو إنتشار الجهل و التصديق الأعمى بين عامة الشعب فأصبح الجاهل عالما و من أطلق لحيته شيخا و من أطلقها أكثر أصبح فقيها يتناحر عليه الناس ليقبلوا يداه  لتصبح العامة من الناس بلا قائد بلا مثقفين يأخذوا بإيديهم إلى الطريق الصحيح و بالتالي إفتقد الناس شيوخ الوسطيه الذين يدعون إلى الرحمة و التسامح و إعلاء ونشر مبادئ الإنسانيه ليستقيموا عليها.

و أخيرا , إنه إذا لم نستأصل أسباب الفتنة من جذورها ستظل مصر و سنظل كأفراد نعاني و تتعالى صرخاتنا إلى أن تهدأ رويدا رويدا لنقبع في القبور.