ربما لا نجد عدد كبير من المهتمين بالشعر او بالفن فى العموم لم يقرأ ل ” نزار قبانى ” خاصة فى المنحى الذى اشتهر به الشاعر فى اركان الوطن العربى كله وهو الحب , ولكن عدد كبير ايضا لا يعرف ان نزار قبانى هو شاعر التمرد والانتفاضات والنقد والغوص فى تلابيب مشكلات الفكر العربى والعادات والتقاليد .

تحول نزار قبانى من شاعر ” الحب والرفاهية ” كما كان يقال عنه الى شاعر التمرد والانتفاضة بعد هزيمة 67 , وهى الهزيمة التى غيرت وكسرت العديد والعديد من المفكرين والفنانين , هى الهزيمة التى تعتبر محطة تحول فى حياة العديد من الناس .

ما فائدة ما اكتبه ؟ فقط , ان تعرف ان محطات التاريخ قادرة على تغيير الفكر , وتغيير الفكر قادر بدوره على تغيير الحياة كلها , فنزار عاش فى منفاه الاختيارى ناقم من وقتها على العربى والشرقى والعادات والتقاليد , نزار الحب اصبح شعلة نار تحترق لاجل تغيير قيم مجتمع منهار ومقتنع بتمام هذا الانهيار على انه ” ارادة الله ” .. ربما فكرة تغير حياة , وربما مجتمع يتغير بقصيدة شعر

القضية ليست مصادرة او مصادرة شاعر لكن القضية اعمق وابعد
القضية هى ان نحدد موقفنا من الفكر العربى , كيف نريده ؟
حر ام نصف حر ؟ شجاعا او جبان ؟ نبيا او مهرجا ؟
والقضية هى ان نعرف ماذا كان بتاريخ 5 حزيران

هكذا انهى رسالته ” نزار قبانى ” الى الرئيس جمال عبد الناصر , يكلمه فيها عن قصيدته الممنوعة فى الجمهورية العربية ” هوامش على دفتر النكسة ” .. هذه القصيدة التى هزت الادمغة والعقول قبل ان تهز الوجدان , الذى اتكل عليه العرب , حتى افاقوا على زلزال الخامس من حزيران والهزيمة الفكرية والعسكرية والسياسية .

اخرج نزار قصيدته , للوجع الكبير الذى هز كل عربى فى ذاك التاريخ , وهوجم من العديد من الادباء والشعراء وتعاملوا معه كما يتعامل رجال الدين مع ” المتمردين ” عليهم , حينما يذكرونهم بماضيهم المشين من وجهة نظرهم بالطبع . ها هو الشاعر اللبنانى ” خازن عبود ” يهاجم نزار القبانى ويقول فيه :

لانك ابتعدت عن قضية الانسان

يا شاعر الدانتيل والفستان

لانك ابتعدت عن قضية النضال

وعشت فى شعرك

للذات والنساء والسيقان

فشعرك انحلال

يا شاعر النهود والكئوس والشراب

افسدت فى امتنا الشباب

وهكذا يصب خازن عبود جم غضب الهزيمة على نزار القبانى , فهو المعربد الذى كان يشعر فى النساء والنهود والشراب , هو الماجن سبب فساد شباب الامة … وهكذا كان نزار , يعامل كما يعامل المتمرد على رجل الدين .

نعود الى موقف عبد الناصر من رسالة نزار اليه , وقد كتب نزار رد عبد الناصر بنفسه على رسالته :

لم اقرأ قصيدة نزار الا فى النسخة التى ارسلها اليا , فتلغى كل التدابير التى اتخذت بشأنه ويسمح له بالدخول للجمهورية العربية … لا نسعد على اى حال بهذا النوع من السلطوية الفردية , هذا السلطان الذى يأمر وينهى ويمنع ويسمح بفكره هو وارادته هو وكأنه ” الفرعون الاول والاخير ” .. والله يعلم كم احبك يا ناصر

 قراءة سريعة فى القصيدة :

يبدأ نزار قصيدته بالنعى , النعى بالهزيمة فيقول : انعى لكم … انعى لكم .. نهاية الفكر الذى قاد الى الهزيمة

نزار يعترف بتحوله الوجدانى :

يا وطنى الحزين , حولتنى بلحظة , من شاعر يكتب شعر الحب والحنين , الى شاعر يكتب بالسكين

نزار ينقد اسلوب الخطابة فى الشرقى :

اذا خسرنا الحرب .. لا غرابة لاننا ندخلها

بكل ما يملكه الشرقى من مواهب الخطابة

بالعنتريات التى ما قتلت ذبابة

لاننا ندخلها بمنطق الطبلة والربابة

نزار يحاكى حالنا :

ما دخل اليهود من حدودنا

تسربوا كالنمل .. من عيوبنا

نزار ينتقد فكرة الاتكال والاستعلاء عند العربى :

جلودنا ميتة الاحساس

ارواحنا تشكو من الافلاس

ايامنا تدور بين الزار والشطرنج والنعاس

هل ” نحن خير امة اخرجت للناس “

نزار ينتقد السلطوية والفردية والاستبداد بلغة عصرنا :

يا سيّدي..
يا سيّدي السلطانْ
لقد خسرتَ الحربَ مرتينْ
لأنَّ نصفَ شعبنا.. ليسَ لهُ لسانْ
ما قيمةُ الشعبِ الذي ليسَ لهُ لسانْ؟
لأنَّ نصفَ شعبنا..
محاصرٌ كالنملِ والجرذانْ..
في داخلِ الجدرانْ..
لو أحدٌ يمنحُني الأمانْ
من عسكرِ السلطانْ..
قُلتُ لهُ: لقد خسرتَ الحربَ مرتينْ..
لأنكَ انفصلتَ عن قضيةِ الإنسانْ..