النقاش الدائر بين زملاء العمل هذا الصباح، يتمحور حول موضوع مهم و هو سماحة الإسلام فيما يخص شعيرة الصيام في بعض البلدان التي تعرف تفاوتا كبيرا بين عدد ساعات النهار و الليل، خاصة تلك التي تقع فوق الدائرة القطبية، حيث يصل عدد ساعات النهار إلى 20 أو حتى 23 ساعة في بعض الأحيان، و حسب الزملاء فسماحة الإسلام هنا تكمن في ظهور ما يسمى ب “فقه الأقليات” الذي يشرع المسلمين ممن يعيشون في ظروف جغرافية و مناخية إستثنائية مثل هذه، إمكانية الصيام حسب توقيت أقرب بلد إسلامي جغرافيا للبلاد التي يعيشون فيها.

أنا شخصيا لا مشكلة لدي مع هذا الفهم و لا أرى فيه شيئا ذا قيمة غير محاولة إلتفاف عشوائية حول قاعدة دينية صريحة تحدد توقيت الصيام و الإفطار بشروق و غروب الشمس،  لكن ما  أستنكره بشدة هو هاته التسمية القميئة “فقه الأقليات”، فهي تبدو ذات حمولة إيجابية عميقة تولد لديك ذلك الإحساس العميق بكون الإسلام و فقهائه و شيوخه لديهم إهتمام حقيقي بالأقليات التي تعيش اليوم بين ظهراني المسلمين، بينما الحقيقة للأسف تختلف عن ذلك بالمرة، فكلمة الأقليات و اليوم بالذات قد باتت ترتبط بذلك الكم الهائل و البشع من الفظاعات التي ترتكب ضد مختلف الأقليات الدينية و الإثنية التي يتشكل منها النسيج الإجتماعي لدول مثل العراق و سوريا و ليبيا و مصر و باكستان و أفغانستان و السودان و السعودية و البحرين و الكويت و الجزائر وصولا إلى مالي و نيجيريا، حيث يتم إستهدافها بشكل متواصل و فج مفرط في العنف الوحشي، و ذلك من طرف من يمثلون الإسلام السني في أوج تمكينه على الأرض اليوم، لينتهي وجود هاته الأقليات الضارب في أعماق و جذور تاريخ المنطقة التاريخي بين القتل و التشريد و و الطرد من أراضيهم و سلب و نهب أملاكهم، بل يصل الأمر اليوم إلى حد سبي النساء و الأطفال و بيعهن كجواري و عييد كما حصل للطائفة الإيزيدية.

و لعلي لا أحتاج للتذكير بما وقع للآشوريين و الكلدان و السريانيين و مسيحيي العراق و الموصل بالذات على يد تنظيم الهمج الداعشي، و مسيحيي سوريا (بلدة معلولا)، و الدروز و الاسماعيلية على يد جبهة النصرة و توابعها ممن يمارسون الإرهاب الإسلامي السني تحت راية القاعدة في سوريا، دون الحديث عن مذابح الأرمن و السريان على يد الخلافة العثمانية البائدة. القاسم المشترك بين مذابح و فظائع الأمس و اليوم يكاد يكون واحدا، و هو الصمت المطبق من الغالبية العظمى للمسلمين الذين يتغنون بإستمرار بوسطية و سماحة الإسلام، نفس ذلك الإسلام الذي يختلف بين شقيه المكي و المدني بما يمنح التشريع المناسب للمسلم الوسطي ﻷن يصدع رؤوسنا بالدعوة المسالمة للدين الحق و المهادنة مع الإختلاف في المعتقد و الدين، و في نفس الوقت يمنح المسلم السلفي و الداعشي كل الأحكام و التشريعات التي تلزمه لسحق الإختلاف و محقه في المهد دون رحمة و لا شفقة، بل و حتى بأبشع الطرق، و لا مشكلة هناك ما دام الله جاهزا و حاضرا في كل وقت و آن لمباركة جرائم قطعان المؤمنين و مهرها بخاتم القدسية السماوية من فوق سبع سموات، بينما قطعان الجهل تنهق في جذل و غباء و هي تتنطع حول سماحة الإسلام الذي أنشأ فقه الأقليات، من باب السعي نحو اليسر عوض العسر … !!!

أما دماء الأبرياء فلا عسر معها و لا ذنب و إن أهريقت و سفكت صباح مساء، و ما الضير في ذلك، ألم يخلقهم الله كفارا و مشركين، و جعلنا نحن خير أمة أخرجت للناس بأن فضلنا بالدين الحق دونا عن العالمين، أليس هذا تشريفا لنا عن بقية البشرية، بل أليس هذا ترخيصا لنا لفرض ديننا الحق عليهم و لو بالقوة و الدماء، أليس هذا هو الفرق بين الله في القرآن المكي و فقه الأقليات و بين الله في القرآن المدني الذي يأمر بإبادة كل الأقليات …؟؟!!

تبا لكم، لقد جعلت الله مثل طفل صغير أخرق يلعب بعصا في عش نمل … !!!!

مهدي بوعبيد
18/06/2015