كنت انتظره دوما فقد كنت على يقين أنه سيظهر ثانية فقد كانت تلك هى عادته يغيب بالشهور ثم يظهر مرة أخرى ولا أعرف كيف يجدنى ولا أعرف كيف سأجده ، ولكن كنا دوما على موعد .
فى كل مرة كان يخبرنى شيئا عن العقود السابقة وكيف كان يعمل خلالها ، يعطنى خلاصة نضال أكثر من 50 عاما ، يحكى عن ايام الظلام فى سجون ناصر والسادات ومبارك .
ورغم ما فعله ناصر إلا أنه تمنى ان يكون فى عام النكسة خارج تلك الجدران ربما ليحمل سلاحه ضد العدوان ، قاد انتفاضة 77 وسجن على أثرها وحصل على حكم البرأة فى حكم تاريخى من القضاء المصرى الذى رفض أن يعترف بها كانتفاضة حرامية كما ادعى الرئيس السادات ، رفض كامب ديفيد .
قضى سبعة عشر عاما من عمره بين جدران السجن تزوج من فرنسية وأنجب بنتين ولم يحصل على الجنسية الفرنسية حتى يستطيع العمل السايسى وفقا لقانون مباشرة الحقوق السياسية .
وظل السؤال كيف بعد كل هذا رفض أن يحصل على الجنسية الفرنسية ورفض أن يترك البلاد ويهاجر مثلما فعل غيره .ولكن الرد كان واحدا…. هكذا يكون النضال .
وفى عهدنا هذا يطلب المناضل اللجوء السياسى للخارج مدعيا أنه هرب من بطش السلطة ولم يكتفى بذلك بل وينشد أغانيه من الخارج مدعيا استمراره لاستكمال النضال فأى نضال هذا الذى تقوم به ، أى نضال يجعلك تترك أرض المعركة هاربا فالنضال ياعزيزى يعرف النصر والهزيمة وربما لايعرف النصر أحيانا وربما عليك أن تستعد للموت فى أى لحظة هكذا تعلمنا النضال وهكذا يكون النضال .
فى الحقيقة لم أتعجب من الفعل ، فقد كنا فى الكشافة نتعلم أن العلم قيمة لاتتدنس وحين كنا فى الميدان كانوا يجلسون على الاعلام وحين تتطلب من احد ألا يفعل ذلك فكأنك لم تقل شيئا ، هؤلاء الذين يسخرون من اسم الوطن فى كل كتاباتهم ، لا أعرف عن أى شئ يدافعون هؤلاء وبما يؤمنون أو ربما كان النضال موضة العام ليتبعه الكثير من محبى عالم الموضة .
ولم يكتفوا بهذا قط ليخرجوا عليك جميعا بصكوك الثورية لتوزيعها ، حين تتبعهم تحصل على الغفران والبركة ، غير الذين امتهنوا الثورة حتى أصبحت الثورة مهنة يعمل بها هؤلاء ، اتذكر الرفيق حين قال لى لا تعمل فى السياسية مقابل المال فحين يصبح لك سعر لن يصبح لك سعر .
فلا تتعجب ياعزيزى حين تسمع أن احدهم تنازل عن الجنسية للفرار من السجن كما ادعى هؤلاء الذين قادوا حملات المقاطعة للمنتجات الامريكية وفى جعبتهم الجرين كارد .
ولاتتعجب من الذين يدافعون عنهم فهؤلاء لو جاءتهم الفرصة لبيع الوطن سيفعلوا هذا بكل طمأنينة وراحة بال .
كنا نتعجب صغار حين نقرأ أو نسمع عن شخص خان وطنه اليوم نتعجب كثيرا حين نسمع عن شخص لازال مخلصا لوطنه .
أنا لا اكتب هذا مدافعا عن أحد فكل يملك أداوته للدفاع عن نفسه إنما أسرد واقع شاهدا عليه سيذكره التاريخ .