أعود مرة أخرى للصراع الدائر في مصر ، كثير من النشطين السياسيين يرون أن الصراع هو صراع قائم على توجهات سياسية أو بالأحرى صراع ايديولوجي إلا أنه في الجقيقة هو صراع طبقي … صراع بين النخبة البرجوازية و باقي طبقات المجتمع من يستطيع السيطرة على الحكم ؛ خلال الخمسة عشر سنة الأخيرة أستطاعت البرجوازية المصرية أن تعود مرة أخرى على سطح الأحداث و تضع سيطرتها على الحياة السياسية المصرية ، بعد فترة كانت فيها بعيدة و لو نسبيا عنها.
كثيرون لا يعرفون تاريخ البرجوازية المصرية و كيف تكونت ، فالبرجوازية المصرية أعتمدت في الأساس قديما على الحيازة الزراعية بالرغم إنها لم تعرف الملكية الخاصة بالأرض إلا في نهايات القرن التاسع عشر ، و من قبل منذ عهود الفراعنة القدماء كان فرعون أو الملك هو مالك الأراضي الزراعية و الكل يعمل تحت أمرته ،و استمر ذلك على مدار التاريخ الدولة أو الحاكم هي المالك للاراضي الزراعية و تهبها للأمراء و رجال الحكم إيجارا لزراعتها.
بعد الحرب العالمية الأولى كان الصراع على أشده بين البرجوازية المصرية التي أشتد عودها و أصبحت لا تكتفي بوجودها المتميز فقط في المجتمع المصري بل بدأت تطمع في السلطة ، و حتى يتم إبعاد الطبقات الدنيا المتمثلة في العمال و الفلاحين للوصول إلى البرلمان أشترط قانون الإنتخابات الذي صدر عام 1930 في من يتقدم بالترشح بتسديد مبلغ 50 جنيه لمجلس النواب ، 100 جنيه لمجلس الشيوخ ، ثم عدل القانون عام 1935 بزيادة المبلغ إلى 150 جنيه لكل من المجلسين ، و كان من الطبيعي أن ينعكس ذلك على التركيب الطبقي لممثلي الأمة في البرلمان ، و قد وصفه اللورد كتشنر ممثل الإحتلال في تقرير رفعه إلى حكومته عام 1913 فذكر أن الجمعية التشريعية الجديدة تتكون من الآتي :
االمـلاك ………………………….. 39
المحامون ……………………….. 8
التجار ……………………………. 4
العلماء و الآباء الروحيين ………. 3
المهندسون …………………….. 1
سنجد أن العمال و الفلاحين غابوا تماما عن التمثيل داخل البرلمان ، فهذا القانون المجحف استبعد الشريحة الأكبر من المجتمع المصري ، حتى أن صياغة دستور 23 جاءت مربكة ففي الوقت الذي تضمن فيه الدستور أن شكل الحكم في مصر نيابي ، و السلطات مصدرها الأمة هذا بالإضافة إلى الحريات الآتية: الحرية الشخصية ، و المساواة في التمتمع بالحقوق المدنية و السياسية ، و حرية الرأي ، إلا أنها في نفس الوقت أعترفت في المذكرة التفسيرية التي صدرت بهذا الشأن بإرتباط هذا التعديل بالحركة الإشتراكية و الشيوعية التي تجتاح البلاد و جاء بها : “إن بعضا من الحرية الدستورية لا يمكن تطبيقه على حملات تحمل على اساس الهيئة الإجتماعية كخطر الدعوة البلشافية الموجودة الآن ، فأنه يضطر جميع الحكومات إلى إتخاذ تدابير قد تكون مناقضة للمبادىء المقررة بالدستور ، لأجل ضمان حرية أهل البلاد المسالمين و الموالين للقانون.” لذا جاء قانون الإنتخابات لسنة 1930 بتعديلاته عام 1935 للحفاظ على التمايز الطبقي داخل المجتمع المصري في تضاد مع ما تضمنه الدستور من الفاظ مثل الحرية الشخصية و المساواة في التمتع بالحقوق المدنية و السياسية و حرية الرأي.
نلاحظ أن الصراع بين الطبقة البورجوازية التي أرادت أن يكون لها دور في الحكم و بين الملك قد مال في بداية الأمر لصالح البورجوازية المصرية التي أدركت أن وضع صلاحيات كبيرة في يد ملك واقع تحت الحماية البريطانية قد يكون خطرا على الديمقراطية و الحريات ، فكتب عبد العزيز فهمي خطاب مشهور إلى رئيس الوزراء في 15 إبريل 1923 يقول فيه : “إذا كان سيادة الأمة و كونها مصدر كل سلطة ، هي أهم ما تسعى الشعوب لحمل أمرائها على الإقرار به لها ، و هي التي تقوم الثورات و تثل العروش لإستنقاذها من براثن هؤلاء الأمراء ، فما معنى أن تكون السيادة آتية لمصر من أنياب الإنجليز ، بعد الجهود و التضحيات الكبرى التي قام بها المصريون في وجه الإنجليز ، ثم يأتي إناس من المصريين أنفسهم ، فيهبونها غنيمة باردة لأمراء البيت المالك؟!”
و على كل فإن طبيعة الصراع الذي دار بين الطبقة البورجوازية و الملك من ناحية و الأستعمار من ناحية أخرى كان صراعا على السلطة و التي عبرت عنه بشعارها الإستقلال و الدستور ، و إن كانت أنتصاراتها أمام المحتل الإنجليزي كانت أكثر وضوحا خاصة بعد إبرام معاهدة 1936 ، و الغاء تصريح 28 فبراير ، ثم الغاء الأمتيازات الأجنبية في مؤتمر منترو بسويسرا 1937 ، و في المقابل كان نجاحاها في صراعها مع الملك محدودا بسبب الصراع الحزبي داخل الطبقة نفسها ، مما أدى إلى تحالف أحزاب الأقلية أو الأحزاب التي أنشقت عن الوفد ، بالإضافة إلى الحزب الوطني الذي كان يقود الحركة الوطنية قبل الحرب العالمية الأولى مع القصر ، فضلا عن الأحزاب الموالية للملك مثل حزب الأحرار الدستوريين ، أدى هذا الصراع الداخلي إلى أنصراف الأمة إلى صراع من أجل الدستور و ليس من أجل الحرية و التنمية بعد أن اصبح القصر الملكي هو مصدر للسلطة و ليس الشعب ، هذا ما أوصل الحياة السياسية المصرية إلى نوع من الفوضى قبل ثورة 23 يوليو 1952 و مهدت الطريق لقيامها.
15
أكتوبر
2010
إلى أين نحن ذاهبون؟ ( 3 )
هذه التدوينة ادرجت ضمن تصنيف أحداث تاريخية, أحزاب سياسية, أنظمة ملكية, اقتصاد, الاشتراكية, الحرب العالمية الأولى والثانية, الحريات الفردية, الدولة والفرد, الرأسمالية, الشيوعية, القضايا الاجتماعية, حرية الرأي والتعبير, ديمقراطية, سياسة, فساد, مصر
10 تعليقات على إلى أين نحن ذاهبون؟ ( 3 )
أهلًا أستاذ عمرو،
بعد أن قرأت مقالتك، عقدت مقارنة بين الحياة الدستورية قبل وأثناء وبعد دستور 23 والحياة النيابية الآن، والمجتمع ككل وقتها والآن، والجامعات، إلخ… ووجدت أن هذه الفترة، رغم نأيها في التاريخ، تنتصر كليًا على الفترة الحالية، مع العلم أن وقتها كانت مصر تحت الوصاية البريطانية، ولم يكن هناك كل هذا التقدم التكنولوجي الموجود حاليًا.
يجب ألا تخلط بين مساواة المواطنين جميعًا أمام القانون، وحقوق هؤلاء المواطنين في الترشح لوظائف معينة. فهل جميع المواطنين متساويين في مزاولة مهنة الطب؟ بالطبع لا، لأنها حكرًا على من يفهموا بالطب، أو بالتحديد من درسوا الطب. فهل تسمّي هذا تمييزًا؟ نعم، إنه تمييز، ولكنه تمييز طبيعي.
وإذا جئنا للبرلمان، فإن البرلمان الحالي بكل من فيه من المحاسيب غير المؤهلين ولا نظريًا ولا عمليًا لمنصب القيادة، يدفعون مئات الآلاف من الجنيهات رشاوى أساسًا لوصول البرلمان. فإذا تم تقنين هذه الأموال، وتوجيهها للبرلمان أو الدولة كضريبة للترشّح، تعتبر هذا تمييزًا ضد الفلاحين والعمال؟ وإذا تم دفعها كرشاوى يكون كل الناس متساويين؟
عفوًا يا سيدي الفاضل، ولكن لا يجب أن تفصلك الأحلام الاشتراكية عن أرض الواقع. الواقع أن برلماننا سيء ويحتوي على ناس معدومي الكفاءات.
أنا لست فقط مع التمييز الطبقي في الترشّح للبرلمان، كما يحدث في مؤسسات القضاء والشرطة، ولكن أيضًا مع التمييز العلمي والاجتماعي. من رأيي أنه يجب هدم الترشح إلا لحاملي الشهادات العليا، يا فندم فيه نوّاب معاهم دبلوم… وتقوللي تمييز!
الحياة كلها فيها تمييز… والناس عمرها ما هتكون متساوية أبدًا.
تحياتي
أهلا يا أحمـد
أولا واضح أنك فهمت المقال غلط ، أنا لم اشر أن الناس جميعا متساويين في ممارسة مهنة الطب زي ما ذكرت في مثالك ، لكن كما أنت قلت أن الجميع متساويين أمام القانون لا يجب التفرقة بينهم على اسس طبقية ، و ما ذكرته واضح بالأمثلة و التواريخ و القوانين بأرقامها و سنوات أصدارها ، الأشتراكية تعطي للمتميز علميا و أجتماعيا أحترامه و مكانته وسط المجتمع إلا أنها لا تميزه عن الآخرين أمام القانون.
الحياة البرلمانية في مصر في الفترة التي سبقت 52 كانت خادعة للكثيرين ، فالمجتمع المصري في ظل قانون الأنتخابات المعني في المقال ، قانون طبقي لا يمت بصلة للحياة الليبرالية ، المقال بكامله يركز على حق الإنتخاب و المساواة ، فلا أعرف من اين جئت بما قلت.
و اعذرني فأوهام الرأسمالية الليبرالية “دعه يعمل دعه يمر” اقرب للمثالية الطفولية ، فهذا المبدأ تم دحره خصوصا بعد الأزمة الأقتصادية الأخيرة و التي أثبتت بشكل عملي أن مبادىء السوق المفتوح ما هي إلا أوهام خادعة لم تاتي سوى بالخراب ، و لا أدل على ذلك من مقولة الرئيس الفرنسي نيكولاي ساركوزي في خطابه في أكتوبر 2008 بعد الأزمة قائلا : “السوق الحرة قد أنتهت ، أن مبدأ عدم التدخل الحكومي في الأقتصاد قد انتهى ” ، أعتقد أن كلماته تلك هي إعلان رسمي لنهاية الرأسمالية و أوهامها .
لا يمكن هنا أن أنسى تعليق السيدة كريستين ليجارد وزيرة المالية الفرنسية في حديث لها مع التلفزيون الفرنسي بعد هذا الخطاب قائلة : ” هذه نقطة تحول ، بالتأكيد شعرنا أن هناك شيئا كبيرا كان يحدث أو تم تدميره” في إشارة واضحة للنظم الرأسمالية السائدة.
أعذرني فأحلام الإشتراكية أكثر واقعية بكثير من أوهام الرأسمالية ، فاليوم حتى داخل أمريكا نفسها إعادة للنظر لكل مبادىء الرأسمالية التي عاشوا في أوهامها ، ويكفي قانون الرعاية الصحية الذي تم تمريره منذ ثلاث أو اربع أشهر و الذي سحب البساط من تحت القطاع الخاص و جعل التأمين الصحي تحت إدارة الحكومة الفيدرالية.
الرأسمالية اليوم تعيد كل ثوابتها بعد الهزة الأخيرة ، فالقواعد المثالية التي كانت تعتقد أنها توفر الرفاهية لم تكن سوى سراب ، تراه كالماء و لكنها صحراء قاحلة.
الرأسمالية لم تعد بالرفاهية أبدًا!
الرفاهية، Welfare، هي كلمة اشتراكية بحتة، وليس لها أي صلة بالرأسمالية من بعيد أو قريب. الرأسمالية تقوم على التمايز والاختلاف والتباين بين الأفراد والطبقات وفق قدراتهم العقلية، أو الجسمانية، أو وفق ثروات عائلاتهم.
وأعتقد أن قمة العدل هو أن يأخذ كل فرد على قدر حقه، وليس أن يتم تطبيق قهري لأفكار مثل عدالة التوزيع والمساواة إلخ… وأنا حقيقةً أندهش لأن المواجهة الكلاسيكية بين الرأسمالية والاشتراكية هي قديمة، ولم تعد لها وجود منذ انهيار الاتحاد السوفيتي، والمواجهة الحقيقة الحالية بين أقصى اليمين ويمين الوسط، أي عدم التدخل على الإطلاق أو التدخل باتزان.
وعندما يصرح ساركوز بهذا الكلام، فهذا ليس معناه انتصار للاشتراكية لأنها مفهوم نظري ميت أساسًا، ولكنه يظل على يمين الوسط. وكل الأحزاب اليسارية والعمالية اسمًا في كل آوربا تتخذ سياسات اقتصادية انفتاحية الآن ليس فقط بفضل قوانين الاتحاد الآوربي، ولكن لمراعاة المنافسة، وعدم تدخل الحكومة لإفساد الاقتصاد.
والرعاية الصحية، ومع أني من أشد أعدائها، لا تجعل الولايات المتحدة اشتراكية على الإطلاق، لأن الحياة، كما السياسة، ليست أبيض وأسود، وهناك درجات كبيرة من الرمادي.
وأزمة السوق الأخيرة تحدث، وهذا وارد، والأسواق تعافت، ولثالث مرة هقوللك، الاشتراكية ليس لها دخل من قريب ولا من بعيد. فيا ريت لا تقحمها في المناقشة العملية، ممكن نحللها نظريًا، لكن عمليًا، لا وجود لها على الإطلاق، وعشان كده مقالتك واخدة طابع تاريخي، لأنه لا يوجد أي مجال حالي يطبق الاشتراكية.
البلشفية والشيوعية والاشتراكية واليسار عامةً كان وبالًا على العالم، وقد انهار بلا عودة في عام النصر، 1989. والخطر الذي يتهدد العالم الآن هو خطر الإسلام السياسي، وسوف يأتي اليوم التي تنتصر فيه الحضارة على التخلف، مثلما انتصرت على الشيوعية قبلذاك.
خارج النص: حقيقي سعيد أنك تثري الموقع بمقالاتك وآرائك، وأسعد بهذا الحوار البنّاء، والذي أعادني للنقاشات الكلاسيكية التي لم أخضها منذ 2008 على أقل تقدير.
تحياتي
فاجئتني يا أحمـد
انك من اشد أعداء الرعاية الصحية …. أنصحك لا تسافر إلى أنجلترا أو فرنسا و تتعرف على قوانين الرعاية الصحية بها ستصدم بالتأكيد و طبعا ما تقربش جنب السويد لان الموضوع هناك صعب جدا بالنسبة ليك
بالمناسبة أنا لم اذكر كلمة الإشتراكية في المقال أنت الذي ذكرتها و اقحمتها إقحاما عندما قلت في تعليقك
” لا يجب أن تفصلك الأحلام الاشتراكية عن أرض الواقع” ، فأنت البادىء بذكرها ، كذلك ارجو عدم استخدام صيغة الأمر فهي غير مقبولة
أما ما صرح به ساركوزي فهو بدأ تطبيقه عمليا … الحكومات الأوروبية للخروج من الأزمة أشترت أسهم البنوك التي تعرضت للإفلاس و هذا في عرف السياسة يسمى “تأميم” ، و هذا أيضا ما فعلته أمريكا فبدأت في علميات تأميم جزئي للبنوك و شركات التامين و اشهر الشركات المؤممة AIG للتأمين , و بنك ليمان برازر و مش هنسى جنرال موتورز ، حتى خرج علينا ديفيد ليتمان المذيع المعروف في إحدى حلقاته فرحا قائلا … افرحوا أصبحنا نملك شركة AIG .. لترتفع هتافات الجمهور المتواجد في الأستوديو .. بصراحة فوجئت وقتها من رد الفعل التلقائي للناس
أما موضوع أن الأزمة بدأت في الوصول إلى حل … اعتقد أنه صعب آخر تصريح لوزير المالية البريطاني أن العجز في الميزانية وصل إلى ترليون جنيه استرليني … رقم مفزع ، أما الولايات المتحدة الأمريكية … آخر ميزانية تم نشرها وصل فيها العجز إلى أرقام خيالية 15 ترليون دولار … كارثة حقيقية ، أغلب التقارير الصحفية خادعة و مضللة الأزمة لم تحل و الدليل على ذلك حالة عدم الاستقرار الذي تعاني منه الأسواق حتى اليوم
أما عن الرصد التاريخي … فأنا اربط بين الواقع الحالي و ما حدث في الماضي فالأحداث أقرب للتطابق كان التاريخ يقف أمام المرآة ، نفس المشاكل الأقتصادية و الإجتماعية التي عاشها الشعب المصري بعد الحرب العالمية الثانية من فساد و طبقية و أختلال في المنظومة الإجتماعية كل ده سيؤدي إلى شىء واحد …. ثورة ولكن السؤال ما طبيعة تلك الثورة …!
أخيرا و ليس آخرا اقرأ بتركيز أكثر و لا تقل على لساني أشياء لم أذكرها.
أما عن التطبيق الأشتراكي العملي و ليس النظري أعتقد أنه موجود و واضح في أكبر أقتصاد مستقر حاليا وهو الأقتصاد الصيني و لا تقل لي أن الصين اليوم راسمالية ، فتلك كذبة أخرى ينشرها الرأسماليين ، الصين طورت في رؤيتها الإشتراكية و أعطت فرصة للقطاع الخاص ، و لكن ضمن منظومة الدولة فلا يستطيع صاحب المصنع أن يعين ما يشاء و يفصل من يشاء ، أو حتى يحدد المرتبات و الأجور كل ذلك تنظمه الدولة حتى إنتاجية المصنع فهي مرتبطة بالخطة الأساسية للدولة ، و هذا كان من الأسباب الرئيسية لإحجام الشركات العالمية في إنشاء مصانع لها هناك و أكتفت أن تعطي تراخيص بتصنيع بعض المنتجات … و اليوم الصين تعتبر أقوى الأقتصاديات المستقرة في العالم ، ولم تتأثر بالأزمة الحالية.
كلاكما يبدو على حق أحيانا.
رأيي أن العالم لم يستقر بعض على النظام “الأفضل” إذا كان يوجد بالفعل شيء يصلح لهكذا تسمية.
البشرية ما زالت تطور في أسلوب إدارتها للمال وأندهش من أحمد زيدان الذي يرى بكل ثقة أن نظاما تاما قد فشل للأبد بينما الصين فعلا ملا تزال تفخر بكونها اشتراكية.
لكن مع ذلك أضم صوتي لزيدان في قوله إن درجات الرمادي موجودة بشدة، أعتقد أن هذا الرمادي موجود أيضا في الاشتراكية ذاتها التي قد تقترب أو تبتعد من الرأسمالية نفسها.
أهلا دكتور أحمد
و مرحبا بك في النقاش
انا أتفق معك تماما لا يوجد شىء أسمه النظام الأفضل ولكن يجب ان أعرف ما يناسبني و يناسب مجتمعي لا أنجرف وراء تجارب أخرى قد لا تناسبني.
مرحبًا مجددًا بالزميلين عمرو والشمسي،
عفوًا على التأخير في الردّ لانشغالي في اليومين الماضيين.
أولًا، إلى عمرو،
لا داعي للتعجّب يا صديقي، هذا رأيي وهذا رأيك، وليس الهدف من المناقشة التعجب، بل اختبار آرائك وتقييمها إذا كانت قادرة على استيعاب أو مجابهة الآراء المنافسة.
أعلم يا عمرو خدمة الرعاية الطبية بإنجلترا NHS، وكندا، وفرنسا، وبالتأكيد أدرك مدى تضاد دولة مثل السويد مع أفكاري الرأسمالية. كل هذه البلاد تملك سوقًا رأسماليًا، ولكنها تقحم عليه اقتصاديات كينيز من التدخل في الاقتصاد، والرعاية الصحية، والتأمينات الاجتماعية إلخ… وطالما الفرد في هذه البلاد سعيد، يبقى خلاص. أهمية أي نظام اقتصادي هي سعادة الفرد وقد تنافشت مع أصدقاء اسكندنافيين كثيرًا في الماضي، وكان منهم من يتفق كليًا مع أنظمة بلادهم الرفاهنية، وهذه الكلمة هي من تأليفي وهي تعريب لاستخدام اقتصاديات الرفاهية Welfare المطبّق في كل بلاد اسكندنافيا. ولكن بلد مثل الدنمارك تحت قيادة رجل ليبرالي حكيم مثل راسموزين تتخلّص واحدة تلو الأخرى من هذا التدخل العقيم من قبل الدولة في الاقتصاد والحياة الاجتماعية، لدرجة أنها تبلغ من التدخل أعتاه في مراقبة الأفراد إذا كانوا يلقوا القمامة في مكانها المخصص لأنواع القمامة المفصّلة أو لا، إلخ من أمثلة أثارت تعجبي واستنكار بشدة مما لا يسع المجال بذكرها. أي أنها لا تهدر أموال الضرائب في تعيين مهن للمراقبة والتحصيل والتدخل إلخ فقط، بل أيضًا تعتبر المواطن مذنبًا حتى يثبت احترامه للقوانين، هذا غير أن هذا التدخل العقيم بفسد الاقتصاد ولا يصلحه. وهذا حال جميع الأنظمة التي تتبع بعص السياسات الاشتراكية وتفرضها على السوق الحرة، تأخذ باليسار ما تعطيه لك باليمين. إن سبب الأزمة الاقتصادية الأخيرة في أمريكا والعالم كله لم يكن بسبب عدم تدخل الحكومة كما روّج له الإعلام اليساري، بل السبب لم يكن سوى لتدخل الحكومة الأكثر من حده، والأكثر مما هو مقبول.
ماذا يعني تطوير النظرة الاشتراكية كي يتواجد، وبهذه القوة، القطاع الخاص؟! إن هذا هو التحول الرأسمالي يا صديقي، وإن كنت مازلت تصرّ على أنه تطوير اشتراكي، وليس تحول رأسمالي، فهذا لن يضر كثيرًا، ما دمت تدعم القطاع الخاص، فإن التسميات لا تعنيني، ومازلت مصرّ على استخدام لفظة تجول رأسمالي.
الصين، وإن كان حاشيتها يستفيدون بالديكتاتورية الاشتراكية التي حكمت نصف الكرة الأرضية لأكثر من نصف القرن الماضي، وحتى علمها الأحمر المستمدّ من دم البروليتاريا هي أكبر بلد تستورد وتصدر لأي بلد أخرى على مستوى العالم، وتتفوق كما تعلم على كل الاقتصاديات الرأسمالية الغربية. إن كنت لا تعلم، فالتجارة المفتوحة، Free World Trade، هو مفهوم رأسمالي بحت، وإن كانت استخدمته الصين، فقد استخدمته لموت النموذج الاقتصادي للاشتراكية موتًا بلا رجعة، أمّا ديكتاتوريتها وشموليتها وقهرها للفرد هي تظل موجودة ولا شك، وقد أخذت في المقابل من الرأسمالية نفعه ومكاسبه، ولكن هذا يأتي بالسلب على الحياة السياسية الخاملة تمامًا في الصين بفضل الحزب الشمولي الأوحد، والحال لا يختلف كثيرًا عند التحدث عن جارة قريبة، وهي كوريا الشمالية.
والسؤال الآن، إذا كان لديك أي نموذج ديمقراطي لأي اشتراكية في الماضي؟ للأسف لا يوجد!
أعتذر يا عمرو عن استخدام هذه الصيغة، والتي عادةً لا أستخدمها لأني أحترم رأيك 100%، ولكن لسرعة كتابتي للتعليقات، فقد أسلك في عرض وجهة نظري وأمتطي كلمات أكتبها سريعًا لسرعة تيار الأفكار المتلاحق الذي يعتريني، بينما عقلي الواعي يدور لاستقاء الحجج وعرضها. وهذا يبدو، لي شخصيًا، لأن أسلوبي في التعليقات يختلف عن أسلوبي في كتابة المقال، لأني أمارس المراجعة والتنقيح أكثر من مرة في الأخير، أما التعليقات فليس الغرض منها سوةى توصيل وجهة نظري، وأعتقد أن وجهة نظري لم تبلغك في صورة أني أريد فرض رأيي عليك بأي شكل، سواء باستخدام أسلوب نهي، أو لا. متأسف مرة أخرى.
أمّا ما فعلتها أمريكا في الأزمة الاقتصادية الأخيرة فهو ضخ رأسمال لمساعدة الشركات المتعثرة الكبيرة، bailing، وهو يختلف في الاقتصاد عن شراء شركة كليًا، أو التأميم، أو Nationalization.
وبالنسبة لبريطانيا، فحلول حزب المحافظين للأزمة كان في تقليص العجز عن طريق ترشيد النفقات، وزيادة سن المعاش، وتقليص تمويل المؤسسات الحكومية والتعليمية، وهي كلها سياسات يمينية بحتة.
أدرك كم انحرافنا عن مقالتك، ولكن هذا الحوار إيجابي جدًا، لأنك ترى أن في تاريخ مصر ما لا أراه، وتستنتج وتحلل ما ليس أتفق معه على الإطلاق، بالذات في هذا الجزء، أعتقد أني اتفقت معك بشكل كبير في الجزأين السابقين، ولذا وجب التنويه.
ما أتفق معك بشأنه، وما ذكرته أنت في تعليقك على كلام دكتور شمسي أن ترى كل دولة ما يناسبها وما يراه الأفراد هناك الأفضل، وهو ما ذكرته حرفيًا في أول تعليقي الطويل.
ولكني أنا شخصيًا، بصفتي أهوى التصنيفات والاقتصادية على التحديد، فإن رؤيتي أنه لا بديل للعالم عن الرأسمالية، وأنا لست في محلّ كي أدعو لانتشار الرأسمالية، لأن هذه هي لغة التعامل العالمية اليوم، وما أفعله هو تأييد السياسة الأكثر انتشارًا على مستوى العالم، ليس أكثر. فالرأسمالية لا تحتاج إلى دعاية للتطبيق، لأنها تطبّق وبشدة بالفعل، ولكني مع التحول أكثر وأكثر، وتقليص يد الحكومة وهيكل الحكومة ككل كعبء إضافي على الاقتصاد، Non-interventionism.
تحياتي
أشكرك يا دكتور شمسي، ويا ريت تثري المقالة بقراءة مقالي الأخير، بس أهم حاجة “بتركيز” زي ما أستاذ عمرو بيرشّح… ومجال الدهشة مفتوح يا صديقي. فهي سمة الفلاسفة على مرّ العصور. والفلسفة الاقتصادية هي فرع ضخم جدًا من الاقتصاد.
شكرا يا أحمـد على ردك الجميل
و اسمحلي تأجيل الرد إلى مقال خاص فسيكون المجال في تلك الحالة ارحب
يا سيدي الفاضل! أهلًا وسهلًا بك. الموقع مفتوح على مصراعيه، وباب السجالات والمناوشات لن ينتهي!