هذه رسائل للباحثين عن طرق جديدة لمواجهة صعوبات الحياة اليومية ، و للصمود في أوقات المحن ، و المرونة في التعامل مع التحديات ، و الأزمات.
تحدثت في الرسالة السابقة عن تعاملنا مع الألم .. و تضييعنا لفرصة التعلم من خلال القبول به ، و تناولت بعض أشكال الهروب الذي نمارسه بدأب .. بحيث يبدو أننا نجاهد لتحقيق هدف واحد هو التخلص من هذا الشعور البغيض !!
و ما يجلبه معه من منظومة تشابكات أحاسيس و انطباعات و أفكار و ممارسات ”بغيضة” مرتبطة به .. فيإدراكنا و نمونا الشخصي و الروحي المتعثر !!
ذكرياتنا مع الألم راسخة ، و رؤيتنا السلبية له .. عميقة في أغوار نفوسنا .. و شجرة الارتباطات كثيفةتستدعي معه مشاعر التقصير و الفشل و الإحباط و الحزن و الغضب و الخوف .. و كل سلاسل الجحيم .. كأنها شجرة الزقوم !!!
و قلنا أن الإنسان الذي ينشد خلاصه من الألم بالهروب منه .. سيغرق أكثر فيه .. و يكتوي أكثر بناره ، و سيزداد انفصالا عن روحه ، و عن الله ، و عمن حوله .. أجمعين .. إلا هؤلاء الذين يشاركونه محاولاتالهروب الفاشلة .. أو مناورات إزاحته أو إسقاطه على أحد .. متاح .. حولنا .. نحمله المسئولية .. أو الأمانة .. كرة اللهب .. أمانة مسئوليتنا عن أنفسنا ، و مشاعرنا ، و اختياراتنا ، و مصائرنا !!!
و كأننا نترواح بين نقيضين .. كلاهما مريض .. و معوق لأرواحنا .. دور الضحية المستسلمة للألم و السخط و الاستياء .. حيث تصب جام غضبها على نفسها ، أو تلعب دور اللوام العاتب على الباقين .. سبب شقاءه ، و تعاسته !!
و دور المتطلع إلى الخلاص من الألم بالانتحار المادي ، أو المعنوي – بفقدان الأمل- أو تصور الخلاص من الألم بالانتقام من هؤلاء الذين تسببوا فيه !!
و ربما نجرب دورا ثالثا .. نتفرج فيه على آلام الأخرين في بلادة .. تتجنب المشاركة في الوجع - حتى لا نتألم مثلهم- و ربما أيضا نتفرج على ألمنا الشخصي .. في عجز .. و غياب حيلة .. دون أية محاولة تدخلفعال .. للتعامل مع الألم .. أو التعلم منه ، و النمو معه ، و به !!
و ربما تطورت بنا الفرجة إلى أن نحول و نزيح ألمنا ، و شعورنا به .. ليصبح في صورة عدوان على غيرنا ، و العدوان أنواع ، و درجات !!
و كلها دروب من الغفلة و التغافل .. هي أكثر ما تكون .. في حياتنا المعاصرة .. و هي المسئولة عن بؤسعريض ,, نغرق فيه .. دون بصيرة !!
رؤي أحد الصالحين - بعد موته - في المنام .. قائلا لمن رآه : إن أكثر ما عندكم .. الغفلة !!
و قال مولانا جلال الدين الرومي : إن الجرح هو النافذة التي يتسلل عبرها النور !!