عن الحضارة للنشر صدرت الرواية الجديدة (الفشل في النوم مع السيدة نون) للكاتب (ممدوح رزق) .. تتأسس بنية الرواية داخل عالم التحليل النفسي؛ حيث تتوزع لعبة السرد بين الطبيب، والمريض الذي تتقاطع ذكرياته الأوديبية، واكتشافاته الشبقية مع تتبع إخفاقه في الوصول إلى جسد شاعرة معروفة .. تشتبك الكوابيس الحسية للطفولة مع استعادة علاقة جنسية بين الشاعرة، وروائي شاب مات بالسرطان، وكانت هذه العلاقة موضوعاً لأحد نصوص ديوان لها .. تتداخل الشذرات، والهواجس، والإحالات المشهدية عبر كولاج منسوج من ذاكرة ممتدة بين الطبيب، والمريض، والكاتب الذي يعيد تكوين الماضي بسبلٍ لاهية؛ فتندمج القراءات، واليوميات، والأفلام السينمائية، والأحلام، والموسيقى لتفكيك تاريخ لحظات التداعي الحر الفرويدية.

يُذكر أن (ممدوح رزق) صدر له منذ شهور قليلة المجموعة القصصية (مكان جيد لسلحفاة محنطة) عن سلسلة حروف بالهيئة العامة لقصور الثقافة.

((وجدت نفسي أرجع لأعماله الكاملة، وأقرأها مرة أخرى .. توقفت أمام النص الذي لم يضع عنواناً له، والذي بدأه في عامه الأول بـ ( باريس ) حيث تحدث ( عنها )، وعن ( الملاءة ) .. هل هي نفس الملاءة الشفافة في نصها عنه، التي ادّعت النوم، عارية تحتها لحظة وداعهما .. استرجعت بامتنان يومياته في المستشفى الفرنسي التي كان يُعالج فيها .. تفكك مكونات جسمه .. القتال لاستعادة الحياة، والكتابة .. انتبهت لعبارة كتبها عن السرتنة، والتفاعل مع صورة الفن التشكيلي .. بكاءه، وهو يتساءل لماذا يصاب بالسرطان في سن الشباب .. كان يفكر في الانتحار قبل المرض .. أصدقاءه، وعلاقتهم بمرضه .. عدم مسؤليته عن الماضي، وعدم ارتباط المرض بعلاقة منطقية مع ذلك الماضي .. زجاجة التبول البلاستيكية الموضوعة بجوار السرير .. العلاج الكيماوي .. ضوء سيارة ضعيف قادر على الصعود إلى حجرته مقابل احتياجه للأسانسير .. الدولاب، والشباك .. يد الممرضة التي كانت تجلس على الأرض بجوار سريره كي تشاركه الدموع.

كنت أقرأ بألم، وغيرة .. بفرح، وخوف أنه مات .. أنا لا أعرفه، وعمري ما رأيته، ولا فرحتي بموته التي أصابتني تخصه هو، بل تخص الحياة، أو الخبرة التي عاشها، وسمحت له أن ينام، ويستمتع بامرأة كنت أجلس أمامها كرماد سيجارة أُلقي في بحر .. رغم أنني لو لم أكن أعرفها، وعبرت أمامي، وأنا جالس في مقهى مثلاً، أو مرّت بجواري، وأنا أسير في الشارع عمرها ما كانت لفتت نظري .. لكن المشكلة أنني أعرفها، وأعرف من هي بعيداً عن كونها أنثى .. هذه هي الجائزة الكبرى يا دكتور التي عرفت الآن ـ كأنني كنت ناقصاً ـ أن روائي شاب سبق، وحصل عليها بمنتهى البساطة، ليس هذا فقط، بل خُلّدت لحظة حصوله عليها في نص، حتى لو كان في سياق الكتابة عن موته أيضاً .. كأن الموت هو الثمن الذي كان يجب أن يدفعه ـ بالنسبة لي ـ طالما نام معها، وفي المقابل فإن استمراري في الحياة حتى الآن هي الهدية التي يجب أن تعوّضني عن عدم ركوبها.
بين وقت وآخر أنظر في صورته المطبوعة على غلاف أعماله الكاملة .. أحدّق في عينيه، وأتخيله، وهو نائم معها .. أشعر كذلك بالرعب من موته، كأن المرض سينتقل إليّ من كثرة النظر في الصورة، والتفكير فيه .. كنت أرى في حياته القصيرة كل ما لم أقدر أن أجرّبه .. كل ما كنت أتمنى أن أعيشه)).