أحاول كل يوم أن أقرأ الواقع من خلال ما تعرضه علي صفحات كتاب الوجه، وأحرص على أن يكون ذلك باستبصار عميق، يسبر غور ما يجري مكتوباً، وبرؤية تترفع بوقار عن الجزئيات والصغائر الشخصية، واضعاً على سطح مكتبي نفس السؤال: ماذا يجري؟!
والحقيقة أني لم أعد أعيش الواقع الفعلي كثيراً، إلا في حدود ارتباطاتي الذاتية الضيقة به، فمعظم الوقت أقضيه هنا بين طيات الوجوه المكتوبة في العالم الافتراضي.
لم تعد تعنيني المسافة الفاصلة بين العالمين، ولا العلاقة التي تربط بينهما، كما أني لا أنتمي الى أي منهما، وطالما أن البحث عن جواب للسؤال عما يجري، مقصود منه بلوغ أسباب الوعي بمفردات الحقيقة، بغض النظر عن تعقيداتها النسبية، واشكالياتها الذاتية والموضوعية، فالضرورة تحتم علي أن أكون أكثر انشغالاً بما يجب أن أنتمي إليه بالفعل، وما ينبغي أن أكون عليه نصاً وصورة.
تمر الأيام سراعاً، دون أن أحظى بوقت للإمعان في الاحتمالات المتاحة، أو التوقف عند المجريات التي لم تعد تأتي بشيء ذو أهمية، حتى أني في كل يوم أتساءل: بما أنا منشغل إذن؟!
- “ليس مهماً” – هكذا لا يأتي الجواب، ولكنه الجواب الصحيح على كل حال وإن لم يأت على متن إشعار بتعليق.
الصفحات فارغة إلا من حشوات بوزن البق وقيمة الذبابة، والوجوه جامدة لا تعطي انطباعاً بخير أو بشر، الكل غارق في لجة التيه المدلس بخربشات المعرفة المتفجرة، والجهالة المنشطرة في مفاعلات الأساطير المحدثة، فلا شيء يستحق التنزيل الى قرص العقل، بقدر ما أن كل شيء يستحق التهيئة، فلا تغرنك قيم الإحصاءات فالمعجبين في أغلب الحال ليسوا أكثر من منافقين!!.
لا وجود لكائن الله.. هكذا يقول من يعتقدون أن القول بهذا وحده يجعلهم ملحدون، ثم تأتي مشاحنات ورثة الأديان وأتباع الطوائف وأذيال شياطين المذاهب والأحزاب، وكأنها صراخ أطفال في حوش مدرسة، أو عواء كلاب في طريق مقفر، أو قعقات نعامات تحاول أن تلقي البيوض من جوفها منذ قرون؟؟!!
وللشعر مكانته أيضاً، وإن كانت التسمية هذه تكاد تكون ضرباً مفرطاً من المجاز، العشاق يكتبون والمعذبون في إسار الهوى يكتبون، والعوانس والعاطلين والمتسربين من المدارس وذوو العاهات النفسية .. الجميع يكتبون الشعر نثراً، لا يعييهم وزنُ ولا يحجزهم بحر أو تخنقهم قافية، فما عاد هناك شعر أصلاً، نثروا كل شيء حتى فضلاتهم دون أن يكلفوا أنفسهم رش الأجواء بسوائل التعقيم أو مضادات الأكسدة.. وللأمانة ما عاد أحد يحتاج حاسة الشم في عالمنا الافتراضي، ولعلنا سنتكيف وننتج جيلاً طفرياً بوجوه ليس فيها أنوف.. (لا ترغم نفسك على تخيل شيء)!..
ويأتي حديث النساء.. وياله من حديث!! فلا وجوه ولا مؤخرات.. مجرد بيانات تفيد بأنك تخاطب إحداهن، غير أنهن ملح هذا العالم وزينته، يكفي أنهن يعطينك مدد الوقت لتضيع أكثر ، ولتتخلف عن موعد الدرس أو لتتأخر عن لحظة بدء الدوام أو لتسهر الليل دون أن تشعر بمؤخرتك وقد اشتعلت شيبا.
إنهن حوريات الفضاء الرحب.. الأنيميات الرائعات، والعوض النفسي عن أفلام الجنس الإباحية، ونشرات الأخبار الملفقة، فأحياناً يظهر لك إعلاناعن خطبة أو زواج فيسبوكي بين أحد وإحدى، أما الطلاق فيكفي أن يصدر على هيئة (بلووك).. وفي أحيان أخرى يظهر لك خطاب ساخن يبصق في وجهك لعنة صاحبته، لتركبك وصمة حبر لا تمحى، وليذكرك أصدقاؤك كل يوم بأنك الملعون والمطرود من رحمة الإحدى المقوسة والمحدودبة الظهر – “بنت المغارة”، ربما تضمن اسمها إيحاءً خادعاً.. جعلك في نهاية المطاف تستحق البصقة.
“ماذا يجري؟” – لازال السؤال قائماً ومنتصباً يزهو بمشقته وكأنه عضو فاعل في منظمة نسوية من الطراز المتحرر العاري، ولازلت أنا أطارد لحظتي الشبحية في كنه الوجود المفترض، دون أن يكون لي في (689) صديقاً عزاء أو أمل.
في الحقيقة أني وفي كل يوم: لم أعد أهتم.. !!!
تعليق واحد على [555]: لا تقرأ هذا المنشور
تعالوا نعبر عن سعادتنا بقول الآه
تعالوا..
الى لحظات كاملة الشجن
ننثر الغبار ..
ونمارس الاسترخاء على وخز الإبر
تعالوا … تساقطوا