فى يوم صائف من أيام شهر رمضان المبارك حيث تتوسط الشمس كبد السماء فترسل أشعتها الحارقة لتغمر الطرقات والأرصفة فتشتعل حريقاً حتى تكاد تكون كصفيح ساخن لو مرت عليه قطة لاحترقت…
وفى عنبر المجندين بإحدى الوحدات العسكرية بمدينة السويس احتشد المجندون حول زميلهم عبدالستار ذلك الفتى القروى الأسمر ذو الجسد الهزيل يبدو وجهه كلوحة فنية رسمتها يد البؤس بمهارة فذة حاله كحال زملائه من المجندين البسطاء الذين لم تتخط أقدامهم حدود قراهم الصغيرة إلا لأداء الخدمة العسكرية…
وبينما تتفصد جباههم عرقاً غزيراً لينثال على أجسادهم كجداول يتهللون فرحاً بعبد الستار إنه اليوم الأخير فى خدمته العسكرية وغداً سيقوم بإخلاء سبيله فيتعالى صوتهم تترى:
براءة يادفعة.
تغمر عبدالستار فرحة عارمة ويقوم باحتضانهم وتقبيلهم واحدا تلو الآخر.
انفض الحشد من حول عبد الستار ليتوجه عبد الستار لارتداء زيه العسكرى كاملاً ليتسلم نوبة الحراسة الأخيرة له ؛دس عبدالستار فى جيبه بعضاً من حبات التمر وزجاجة ماء ليقُض به صيامه.
مضى عبد الستار بخطوات ثابتة حاملاً بندقيته الآلية واعتلى درجات سلم برج المراقبة ليتسلم من زميله نوبة الحراسة.
بلع ريقه من الظمأ وتمتم:
ياله من يوم حار..يارب أنت المعين.
مرت سويعات وها هى الشمس تتهاوى نحو الأرض لتعلن قرب المغيب وكاد الشفق أن يُقبل وجه الأرض فتهب نسمة باردة فيتنفس الصعداء ويُطبق جفنيه لوهلة فيرى صابحة تلك الفلاحة التى أُغرم بها ووجهها الصبوح المشرق فيغرق فى الحلم هاهو ذا تزوج صابحة وأنجب طفلين يجلسون جميعاً تحت شجرة الجميز يتناولون الغداء حيث تحيطهم الحقول الخضراء ويطلق نظره إلى القيراطين اللذين اشتراهما من كده وتعبه..
أصبحنا من أصحاب الأملاك ياصابحة.
أبناؤه سيذهبون للجامعة ويصبحون من أصحاب المراكز المرموقة.
وبينما هو غارق فى الحلم الذى مر كلمح البصر يصدع أذان المغرب فى كل الأرجاء فيفيق من حلمه وقد علت ابتسامة عريضة ثغره.
يخرج حبات التمر من جيبه وزجاجة الماء ليفطر فيرتشف رشفة ماءويتناول تمرة يمضغها بهدوء وسكينة فمازال الحلم عالقاً بأهدابه وقد تملكه الانتشاء.
وفجأة لاحت دراجة بخارية يستقلها ملثمان أخرج أحدهما مسدساً من سترته وراح يطلق الرصاص باتجاه برج المراقبة هُلع عبدالستار حاول أن يُعمر خزنة بندقيته الآلية على عجل ولكن الوقت لم يسعفه فاستقرت رصاصة فى رأسه لتسقط البندقية من يده ويتهاوى صريعاً على الأرض ومازالت حبة التمر الممضوغة بفمه لم يبتلعها بعد تدفقت دماء عبدالستار بانهمار لتختلط بحبات الماء المنثورة من الزجاجة ويخلد فى رقاد أبدى بجوار حلمه بينما لاذا الملثمان بالفرار.
2 تعليقات على رصاصة فى الرأس
رائقة ومرهفة وموجعة يا هيام…سلم قلمك
ليست أكثر إيلاماً من واقع عشناه ومازلنا نعيشه فى بلدنا ..ولحضورك النور والجمال ياسلمى