كنت أقرأ ..
كنت أقرأ ، سارحا في عالم آخر من القراءة ، ليس يربطني بالدنيا سوى تلك الرائحة التي تتسرب لي من رواية صنع الله المعنونة بتلك الرائحة ، شعرت أن الرواية تؤثر علي ، وأنني أعيش لحظة ما من جنون بطلها ، في ثوان عديدة كنت أرى تركيب الجمل تتراقص وكأنها تقتحمني ، ولكن كنت أزداد عجبا كلما مضيت في القراءة باحثا عن سبب مصادرتها ، ولم أجد للأسف برغم أنني قطعت نصف مشواري في قراءتها ، فجأة سمعت ذلك الرنين من التليفون المحمول والذي يقول إن هناك رسالة ما لابد لي من الإطلاع عليها وجدت الرسالة أمامي فزاد عجبي ،كلماتها تتراقص “احنا مش هينفع نعرف بعض تاني ياريت متزعلش مني في أي حاجة خلي بالك من نفسك .. نفين ”
وجدت نفسي أكتب ردا من كلمة واحدة وأنا شديد الاستغراب ” ليه ”
حاولت أن أتذكر جيدا من هذه الفتاة التي تدعى نفين ، وكيف أننا ” مش هينفع نعرف بعض تاني ” .. ولكني بعد أن وضعت تلك الرائحة جانبا ، وتطلعت للرسالة مرة أخرى أدركت فجأة وأنا أعود لعالمي أن هذه الرسالة لا تخصني ، وأن أخي قد وضع شريحة تليفونه في تليفوني ليجري اتصالا ما منه.. ضحكت ، ولكن ما جاء بالرسالة الثانية أفزعني وجعلني أتخيل أنني أمام حالة مجنونة … أخي نائم الآن .. ومن الصعب إيقاظه لأقول له ببساطة: نفين بتقولك أنك أنت وهي يعني معدش ينفع تعرفوا بعض تاني ..
وجدت الأمر فرصة لأكتب قصة خصوصا لأنني منذ مدة لم أكتب قصة ، لذا قررت أن أواصل تلقي الرسائل وإرسالها حتى أصل لحل مع نفين ، ربما في الأمر خيانة لأخي ولكني أعرفه أكثر منكم هو لن تفرق معه نفين أو غيرها ، كلهن سواء … فتيات .. عذرا لا تذهب بك الظنون لتشك في أخي ، كل ما يفعله أخي في الحياة أنه مدمن حب ، فقط ، وليس بجريمة يعاقب عليها القانون ، إدمان الحب طبيعة بشرية عجيبة ولكن عند أخي هي طبيعة زائدة عن الحاجة ومتمردة هو يحب بصورة مفزعة ، ولكن أستطيع أن أؤكد لك أنه لم يلمس يد فتاة في حياته فهو مؤدب .. التعبير قد يبدو لك غريبا ، كيف يكون على تليفونه كل تلك الأرقام من فتيات ، وكيف يكون مؤدبا ؟! دعني أخبرك أن فتيات اليوم لسن كما عرفتهن أنت في الماضي ، يكفي فقط أن تأتيني رسالة من نفين بعدها متألمة وهي تقول : إزاي ترفض تبوسني ..
وأجيبها في غيظ : معلش عبيط المرة الجاية هقطعك بوس متقلقيش …
لم أكن بالطبع متفردا بحالة اللعب التي أصبحت أمارسها والتي تغيرت رسائل نفين بعدها وشملها نوع من التودد : طب ما أنت صاحي أهوه ما تكلمني ..
اعتذرت بحجة أن أخي معي ونتكلم في موضوع مهم ، وأنني أرسل لها الرسائل خلسة .. تصورت أنني أحاول الهروب من الكلام معها ، أقصد بالطبع أخي يحاول .. ولكني توددت إليها برسالة أخرى جعلتها ترسل قبلاتها التي لم يحسن أخي استقبالها ، ثلاث ساعات كاملة وأنا وهي نتبادل رسائل غريبة ، واللعبة تشتد صعوبة ، وكان الأمر الأخير عندما تمردنا للدخول في مناطق حساسة ووعدتها بالمرور عليها صباحا لأخذها من مكان عملها بسيارتي ، هي سيارة أخي يجب أن تركز معي قليلا ، وسنقضي اليوم في شقة أخي بالطبع التي هي شقتي أنا .. أرجوك أن تركز لأن في الأمر معضلة مهمة أن الوقت يمضي ، وأنني يجب أن أحذف كل هذه الرسائل وأعيد الخط إلى تليفون أخي ، ولكن ما فزت به هو تقضية بعض الوقت المجنون وتلك الرائحة تتسرب من بين يدي … وبعد هنيهة تنفست … وأعدت الشريحة لتليفون أخي .. وقررت أن أنام …
بعدها بأيام حاولت أن أتجاذب مع أخي أطراف الحديث وعن علاقاته الغرامية الأخيرة ، وهل …. وهل …
ولكن بعد عدة أسماء دارت بيننا قال: تصور فيه بنت مجنونة كنت ماشي معاها ، بتقول إني وعدتها أني …. أنت فاهم بقى ومصممة أن رسايلي موجودة على جهازها …
وجدت نفسي اضحك وأنا أقول له :- سيبك منها وحب واحدة تانية .. هي عادتك ولا هتشتريها …
الغريب بعد انصراف أخي رجعت أشم تلك الرائحة ..
3 تعليقات على كنت أقرأ
هايلة يا محمد هذه القصة القصيرة!
هايلة بمعنى الكلمة!
وبعد إذنك، لا تخبرني أنها حقيقة. أنا مستمتع بكونها خيالًا. أنا مستمتع بها هكذا!
تحياتي لقلمك!
الف الف شكر عزيزي أحمد زيدان
وسعيد بتعليقك وحفاوتك بالقصة
حقيقة ايه يا باشا أنت عايز توقعني في أخويا
تحياتي لك وخالص الود
وكل سنة وأنت طيب
جاء ليقرأ كتابين أو ثلاثة
لمؤرخين أو شعراء
قرأ بالكاد لعشرِ دقائق
ثم توقف وراحّ في إغفاءة على الأريكة
إنه مكرس تماما للكتب
في الثالثة والعشرين من عمره، بالغ الوسامة:
وهذا المساء اجتاح الحج جسده الجمل،
شفتيه
يتوهج الحج في الجسد
ويعلو إلى مصاف الآلهة
دون إحساس بالخجل
من متع الحب المنحرفة
*
قسطنطين كفافيس
يوليو 1924