عندما نبحر في عرض البحر وتصاب سفينتنا التي نرتحل بها بالعطب والخلل فإنّ الأفراد الذين عليها إمّا وأن يحاولون إصلاحها معا بحيث توصلهم إلى اليابسة بأمان ، أو يحاولون النّجاة معا بقارب صغير يستقلونه ، فلا يستخدم أحدهم طوق النّجاة الصّغير لينجو لوحده إلّا إن كان حبّه للآخرين ليس كحبّه لنفسه ، فيحدث في الأخيرة خلل وكراهيّة ، ويقود بذلك إلى حبّ الذّات المطلق ونسيان الآخرين من حولنا الذين لهم حقّ علينا وهذا ما يعدّ سيئا إن حدث .
إنّ الواجب يحتّم علينا بأن تكون المسؤولية مشتركة ، والتّعاون موجود ، والنقد لا يكون إلّا بنّاء ، فلا بدّ من الإيمان بالأهداف والسّعي الدؤوب نحو العمل بعزيمة قويّة وإرادة صادقة تقودنا نحو النّجاح .

النظام السياسي الأردني يتكون من الملك والطبقة السياسية الحاكمة، ومن الواضح أن الملك صرّح غير مرة (قبل بدء الحراك الاصلاحي وبعده) أنه ليس راضيا تماما عن الطبقة السياسية، ولكنه في الوقت نفسه لا يجد بديلا عنها، فالنظام بطبيعة بنيته الكلاسيكية  ليس قادرا على إنتاج بدائل وخيارات يمكن اللجوء إليها عند الوصول إلى حالة الإنسداد السياسي، بل هي تحالفات مصالح، وصراعات بدائية بين شخصيات تحترف المتاجرة بالسياسة.

المزاج الأردني العام لا يريد بديلا للنظام الملكي، وتحديدا لا يرى بديلا مقنعا للملك على رأس الدولة، ولكنه يزداد قناعة يوما بعد يوم بفساد الطبقة السياسية الحاكمة، وخصوصا بعد أن وصلت تهم الفساد إلى الدائرة الأقرب للملك (وأعني بذلك الكردي) وهذا ينذر بضرورة التحرك العاجل لمواجهة استحقاقات مرحلة حرجة في عمر النظام السياسي الأردني، ويبدو الخيار الأكثر منطقية هو أن يقوم الملك نفسة بالانقلاب على الطبقة السياسية الحالية، والبدء بثورة جديدة تغير وجه الأردن ، وياتي هذا الاقتراح بعد اتخاذ جملة من الاصلاحات السياسية بقيادة الملك ومنها تشكيل لجنة “الهيئة المستقلة للانتخاب” وتعديل العديد من مواد الدستور حتى انها طالت بعض سلطات الملك شخصيا والبدء في تشكيل حكومات برلمانية وانشاء المحكمة الدستورية وتتحدث الاوساط المراقبة عن احياء مؤسسة وضعت في الظل خلال الاعوام الثلاثة الماضية وهي “مجلس الامن القومي” ويتوقع المراقبون ان يكون لرئيس الوزراء الاسبق معروف البخيت وسمير الرفاعي ورئيس المخابرات فيصل الشوبكي ويحل رئيس الديوان الملكي فايز الطراونة مكان عبدالله النسور رئيسا للوزراء خصوصا بعد ان بدات حملة برلمانية مضادة تطالب باسقاط حكومة النسور حيث ان هذه الحكومة لا تتمتع بالرضا الكافي عليها من البرلمان لان اعطاء الثقة للحكومة كان بشق الانفس وبفارق ستة اصوات فقط لاسقاطها.. ولكن اذا ما تم تنفيذ هذه الخطوة ام لم تنفذ فاني متاكد من ان النتيجة لن تتغير وستتعرض حركة الاصلاح الى غبار يشدها الى الخلف كما في الحركات السابقة

اذ يعيش الاردن مرحلة صعبة وحرجة بوجوده في قلب منطقة مظطربة ما ان يهدأ فيها بركان حتى يثور بركان أخر اضافة الى  شعارات إسقاط النظام التي رددها الشباب في شوارع المحافظات المختلفة، والهتافات المؤلمة التي ما زالوا يرددونها حتى اليوم بحق الملك، يجب أن تشكل إنذارا حقيقيا للنظام السياسي، ويجب أن تدفع الملك إلى خيارات صعبة، يسقط فيها قوى الشد العكسي، وبقية الطبقة السياسية التي (يتعذر إصلاحها) وسيجد عندئذ ملايين الأردنيين (الصادقين) الذين يهتفون باسمه صباح مساء، ويفتدونه بأرواحهم في مواجهة مؤامرات الطبقة الفاسدة.

إنني على ثقة أن إقدام الملك على إسقاط (هذا الجزء) من النظام سيكون حلا (شعبيا) يريحنا من الأزمة السياسية المتفاقمة، ويفتح المجال لحلول متعددة للأزمة الاقتصادية، فشخصية الملك على رأس النظام السياسي الجديد ستكون مقبولة من الأشقاء والأصدقاء معا، ومؤسساتنا العسكرية والأمنية محل اعتزاز كلّ الأردنيين وليست موضع تنازع سياسي، ولن تكون طرفا فيه، والشعب الأردني بكل فئاته أصبح مدركا لفساد الطبقة السياسية التي (اختطفت) الملك خلال العقد السابق، ولن يكون آسفا عليها، وقد مررنا بمرحلة تغيير صعبة سابقا (قبيل وفاة الملك حسين) وتقبل الناس الأمر…وأعتقد أن أي تغيير مشابه لن يكون أصعب من ذلك التغيير.

ومن اجل تنفيذ هذا الاقتراح يجب ان يتم التخطيط للمرحلة التي تلي الانقلاب على الطبقة السياسية الحاكمة بالتعاون مع القوى السياسية والاحزاب والحركات الشعبية والشبابية والاكاديمية والنقابات برعاية ملكية باعتبار ان الملك محل اجماع وثقة لجميع الاردنيين وضمانة للاصلاح ، وفي حال تنفيذ الانقلاب دون تخطيط للحاضر والمستقبل في نفس الوقت فستجد قوى الشد العكسي واصحاب المصالح المعارضة الفرصة لايقاع الاردن في رياح الربيع العربي وتكون نهاية الاردنيين بدل ان تكون بداية لحقبة جديدة يتوق الاردنيون للوصول لها ، اضافة الى ذلك يجب المساهمة في عملية الانقلاب الذي يستحسن ان نسميه “اصلاح جذري” عن طريق تشكيل هيئة وطنية مستقلة لمراقبة وتقييم العملية التي يتم تشكيلها من جميع اطياف المجتمع على اختلاف دياناتهم وعقائدهم بشرط ان يكون افرادها غير مشتركين في اي منصب حكومي.

أطرح هذا الاقتراح لأنني أعتقد أن السيناريو البديل سيكون مؤلما، وهو بالتأكيد لا يختلف عن سيناريوهات ثورتي تونس ومصر (وأستبعد سيناريوهات بقية الثورات لأسباب كثيرة..) والمسألة لا تعدو كونها مسألة وقت ليس إلا، فالبرلمان القادم سيعيد إنتاج المشهد البائس بشكل أكثر استفزازا لمشارعر الأردنيين، وعورات الفساد ستتكشف عن مزيد من الفضائح (الكبرى) والوضع الاقتصادي يزداد سوءا بعد ان وصل الدين العام للاردن الى اكثر من 25 مليار دولار وهو بزيادة طردية مع مرور السنوات..فهل يحتمل الوضع اكثر من ذلك؟؟ وماذا ننتظر؟؟

اضافة الى ان تنفيذ هذا الاقتراح يفتح طريقا جديدا للدخول الى النظام العالمي الجديد ، ومن الممكن ان تتبنى بعض الشعوب هذه الطريقة عربية كانت ام اجنبية..هذا اذا ادركت ان اصلاح النظام يعني زوال الطبقة الفاسدة عن وجه النظام والتعامل مع الوجه الجديد للنظام بنفس القيادة وبشكل مختلف يرضي الشعوب والله اعلم…