شهدت الهندوراس اعتداءًا جديدًا من قبل قادة الانقلاب ضد حرية الرأي والتعبير عندما أغلقوا محطة راديو وقناة تلفزيونيّة الأسبوع قبل الماضي بحجة نشرهما للفوضى العامة بدعمهم للرئيس المخلوع مانويل زيلايا.
اجتمع ڤيكتور ميزا وهو ممثل عن زيلايا مع روميو ڤاسكيز، وهو ممثل قيادة الانقلاب العسكريّ، يوم الخميس الماضي، ووصلوا لاتفاق يقضي بتقديم الانتخابات العامة لنهاية نوفمبر القادم، بينما لم يتضح بعد هل سيعود زيلايا للحكم أو لا. وقد صرح ميزا بعد الاجتماع أنهم لن يبحثوا عن نهاية الآن، بل عن مخرج، بحسب رويترز.
أعداد غير معروفة أصيبت، وآخرون ماتوا في موجات العنف التي شهدتها البلاد، خاصة من أنصار زيلايا، لأن الجيش والشرطة مدعمون للانقلاب بدورهما. والتخبّط في الأعداد يرجع إلى أن الأحداث غير مذاعة على التلفاز أو الستالايت، بينما كل الأخبار التي تردنا هي عبر الإنترنت، وأبرزهم هذه المدونة التي أقامها شباب هندوراسيّ لترجمة الموقف إلى العالم. شاهد أيضًا هذه الصور على موقع صحيفة الجارديان البريطانيّة.
تذكرني أحداث الهندوراس الأخيرة، ونقلها على موقع يوتيوب والمدونات، بأحداث إيران الأخيرة. أعتقد أن الإنترنت يلعب لثاني مرة دور الناقل الرّسميّ والحصريّ لأحداث داخليّة عصيبة، وينقلها للعالم كله. العالم يتغير تعيّر كليّ بشأن ثورة المعلومات الجبارة، فحواجز المكان والزمان تنهار تمامًا أمام العولمة الثقافية التي تمتد من سيدني إلى آلاسكا، مرورًا بإيران والهندوراس.
تأهُل الهندوراس لكأس العالم لكرة القدم منذ أسبوع كان له واقع السّحر على أحوال البلاد، حيث نسي، أو تناسى، الجميع الثورة التي تعمّ البلاد، وخرجوا في تظاهرات فرح، ولكن ما لبثت أن سادت حالات العنف البلاد مرة أخرى. وما يعمّ هندوراس الآن يعتبر أسوء أزمة دبلوماسيّة تتعرض لها أمريكا الوسطى منذ الحرب الباردة.
دعّم الانقلاب العسكريّ كلًا من الطبقة الوسطى الهندوراسيّة، والمحكمة العليا، والكونجرس، وحتى الحزب الليبراليّ انقسم على نفسه بين مؤيد ومعارض، وهو الحزب الذي ينتمي له رجل الأعمال مانويل زيلايا. ووصف النخبة في هندوراس هذا الانقلاب كخطوة كان لا بد منها لإنقاذ الهندوراس من براثن هذا الفيروس اليساريّ الرّاديكاليّ المتعطش للسلطة، بقيادة زيلايا.
أمّا على الجانب الآخر، فيرى أنصار زيلايا، الفقراء في معظمهم، أنه نُصّب ديمقراطيًا، وهو قد رفع الحد الأدنى من الأجور، ووفر لهم برامج اجتماعيّة بمساعدة هوجو شافيز رئيس فنزويلا.
يبدو أن موقع الهندوراس في أمريكا الوسطى بين فكيّ أمريكا اللاتينيّة الشّيوعيّة والولايات المتحدة “الاشتراكيّة” بقيادة أوباما جعل من الانقلاب “مرفوضًا دوليًا.” هو ليس مرفوضًا دوليًا، بقدر ما هو “مرفوض يساريًا.”
الانقلاب المسلّح الذي شهدته تيجوسيجالبا، عاصمة هندوراس، من قبل الجيش في يونيو الماضي أجبر مانويل زيلايا، الرئيس اليساريّ وصاحب حظائر الماشية ومصانع الأخشاب، على الرحيل عن السلطة تحت تهديد السلاح. كان سبب الانقلاب الأصليّ الذي نُفّذ من قبل الجيش الهندوراسي بمباركة البرلمان هو “الميل نحو اليسار” مما أغضب البرلمان والجيش على السّواء.
أجبر قادة الانقلاب، بقيادة الرّئيس الانتقاليّ روبيرتو ميخيليتي، الرئيس المخلوع مانويل زيلايا بالرحيل إلى كوستاريكا. ولكن عند اكتشاف أن الأخير ظل مختبئًا طيلة هذه الفترة في سفارة البرازيل في تيجوسيجالبا، هددت أمن البلاد موجة عنف عارمة بين أنصار زيلايا والشّرطة الهندوراسيّة.
في يوم 22 سبتمبر الماضي أوقف قادة الانقلاب العمل بخمس مواد دستوريّة، وهم الحرية الشخصيّة، وحرية التعبير، وحرية الانتقال، وحرية الاجتماع والتنظيم، وحرية اللجوء السّياسيّ.
هذا الانقلاب العسكريّ يعتبر الثاني في تاريخ الهندوراس، بعد الانقلاب ضد الرئيس رامون موراليس، المُنتخب ديمقراطيًا أيضًا، عام 1963.
جدير بالذكر أن الهندوراس تقع على مساحة مائة واثنتا عشرة ألفًا وأربعمائة واثينن وتسعين كيلومتر مكعب، ويبلغ عدد سكانها ثمانية ملايين نسمة، أغلبيتهم من عرق مستيزو، ويتحدث سكانها الأسبانيّة، وتتعامل بعملة اللمبيرة، وهي تقع على الحدود مع جواتيمالا والسلڤادور نيكارجوا، ويحدها المحيط الباسيفيكيّ من الجنوب، وتشتهر بمناجم الفضة والذهب، وتجارة الأخشاب.
* الصورة من هذا الموقع.
تعليق واحد على تطورات الوضع المتأزم في الهندوراس
Pingback: شباب الشرق الأوسط » أرشيف المدونة » الإعلام الموجّه بين الدّعاوة والدّعاوى (2 – 2)