حينما تواجهني قصة صمود أريستيد الرئيس الأسبق لهايتي و الأب الروحي للثورة الإصلاحية بتلك الدولة الأفريقية الصغيرة ..ألمح بعمق معاناة قارة كتب لها أن ينهشها من يملكون سلطة القرار الدولي على مائدةٍ يوجه فتاتها لأوساطهم الطاغية في صورة انقلابيين و عسكر و مجرمي حرب في ثياب ٍ أنيق و مبانٍ مؤمنة ..
و رجل واحد يجتهد ليكون صالحاً في مجتمعٍ غير صالح لتكال له الاتهامات في صورة استباقية ليواجه مصير النفي مرتين تاركاً ما بناه يهدم بواسطة من فضلوا المصالح الخاصة على مصير أمة ..لأن القضية في بلداننا أعظم من أن تكون مجرد انقلاب غاشم لنيل سلطة كرسي بل هو ترسيخ لطبقية عمياء تقسم الشعب إلى طائفتين طائفة تملك كل شيء و طائفة لا تملك أي شيء حتى حق عيش الفقر بكرامة هو مسلوبٌ أيضاً ..
فقد بيع مع دماء الراحلين ..لنجد الوضع مماثل في بدان الربيع عموماً و مصر خصوصاً..هايتي آخر و لكن مع الفارق الواضح إذ أن الأمة الهايتية الجريحة حتى العمق دافعت باستماتة عن رئيسها الصالح المصلح رغم معرفتها المسبقة باجتهاد قادة القرار الدولي في تحديد مصيرها الذي يعني فقراً أكثر و دماءاً لن يثأر لها بل على العكس سيكرم مستبيحوها من قبل من أعطاهم الضوء الأخضر على عكس وضع الضعفاء في مصر الثورة فإن هؤلاء الضعفاء هم من فوض بقتل رئيسهم المنتخب لأنهم اعتادوا لهيب السوط و الحكم الحازم المجحف ..
اليأس الذي يدفع للاستماتة أو اليأس الذي يدفع للاستسلام خيارين و على كل أمة أن تقرر قرارها .. في النهاية عدوها واحد لا يتغير .
إن الأمر أبعد من نظرية مؤامرة .. إن الأمر هو ليس الحفاظ على الطبقية القارة داخل الشعب الواحد و الدولة الواحد و حتى الكونفدرالية الواحدة فقط بل يتعداه إلى الحفاظ على الطبقية الدولية لشعوب ثرية تقتات على خيرات الشعوب الأفقر و كذا تملك حق حظر المساعدات التي تحفظ وائدها في حال خرج لها من بين أوراق الماتريوشكا رئيساً أو زعيماً أو قائداً يملك من الرحمة ما يقدر به معاناتهم حتى و لو لم يكن النموذج الأمثل يظل النموذج الذي يحاول أن يحكم بديمقراطيةٍ شعبية تسعى دول القرار الدولي جاهدة لإعاقة قيامها في بلدان الفقر النامي لأن انقلاب ميزان القوى ليس من مصلحتها ..لتفقد هذه الشعوب النامية الرغبة في الطموح الجامح لدى ثروتها الوحيدة المتمثلة في طاقةٍ بشرية لا مثيل لها لدى دول القرار لتتحول شعوبنا النامية مع الوقت إلى مجموعٍ يأس لبشر لا تلقى أقل حق من التقدير الذي يجعلها تحاول حتى في حدود الأحلام الممكنة و ليس الجامحة مع هجرات متدفقة لنخبتها إلى أرض الخلاص المنشودة ..ليبقى العالم منقسماً بين جحيم الشرق و جنة الغرب التي زينت بالديمقراطية و العدالة لقاطنيها و اللاجئين لحدودها و ليس لدعاة الإصلاح فحتى منفى هؤلاء لن يتجاوز حدود القارة السمراء في بلدان مازالت في نظر من يملكون القرار مستعمرات حررت اسماً لكنها مازالت قيد الاستعباد فعلاً و منطقاً و قراراً .