قبل القراءة حق عليَّ التنبيه:

لا اتحدث عن أرض بالموعد اعطت تخرج لبن وعسل، ولا جنة عرضها السماوات والأرض أنهارها الخمر واللبن والعسل، بل اتحدث عن عسل عادي في أرضٌ عادية أفرادها أنت وأنا، وان وجدت تشابه بين ما في القصة وما في الواقع فهذا نتاج نموذجيتك كـقارئ وليس رمزيتيّ ككاتب…
في قرية عامرة بالسكان، أهلها لم يعرفوا سوى بيع العسل تجارة لهم، نشأ هناك وتربى وان اختلف عمن حوله.. ولكن لم يحن للفرق أن يظهر حاليًا. عسل القرية هو سر شهرتها وقدسيتها، “عسل نحل طبيعي” تزين تلك الجملة كل العبوات، رائحته ومذاقه لا يختلف حوله رأيان، حتى أصبح كل من يريد بيع انتاج منحله يأتي لتلك القرية ويبيعه وسط انتاجها ليختلط على المشتري الأمر، ولكن حين تنبه هو لذلك وضع ختم مميز ليعرف به الآخرون تميزه وتميز نحله.

مر زمن ليس بقليل وازدادت شهرة القرية والعَـسَّال، ولكن تركزت أعين الناس على الختم دون صاحبه، دون محتوى العبوة، دون الذهاب للقرية… يكفيهم رؤية الختم.

في إحدى المواسم –على غير المعتاد- هجم وابل من الجراد أكل الأخضر واليابس كما يقال في الروايات، واعتبره البعض جزاء من السماء للعسَّال على احتكاره لعملية البيع المتزايدة وتنحيته لكل من ينافسونه، وإذ غاب الماء حضر التيمم، لجئ العسَّال لنوع من الورود الصناعية مزودة بقطرة من محلول سُـكّري خُـدِع فيها النحل فراح ينتج منها وبها عسل جديد، وحين لاحظ العَـسَّال فرق المذاق وخاف من ضياع صيته وسلطته، وضع على العبوة عبارة “عسل طبيعي صنع بمعرفة النحل”، غير أن توقعه قد خاب فمازال الناس ينهلون من العسل دون تردد، دون ملاحظة أي فرق، فرغم مرور الزمن وتوالي الأجيال إلا أن الختم لم تضع سطوته.
جزء محذوف بتصرف:

حين دخل بيته ونفض عباءته المثقلة بغبار السنين ومرارة بحار عبرها ليعبر منها، واتخذ جلسته الحكيمة تقدم منه أحد ابناءه فسأله قائلا:خبرني يا آبتي أإذا حزت كاف الرموز وفككت كافة الشفرات أيمكنني حينها أن أصير مثلك؟؟، فضحك الأب وأجاب في هدوء:كلا يا صغيري فحينها ستصير أنت نفسك رمز من الرموز ويقدسوك ويجللوك..وتركه في دهشته وقام يتفقد باقي ابناءه.