لم تعرف البشرية على مدى تاريخها الطويل على الأرض ظاهرة مدمرة كما “الطغاة” ، باستخدام القوة والعنف البدني والهيمنة والإكراه والابتزاز والتهديد وإثارة الرعب والرهبة والكثير من الأساليب التي تفنن بعض الطغاة في استخدامها.

فها هو لينين يقول:”إن موت ثلاثة أرباع الشعب الروسي ليس بشيء ، المهم أن يصبح الربع الباقي منهم شيوعيين” ، وبالفعل فقد أرسل الملايين إلى الموت خلال تربعه على العرش ، وكان ستالين من بعده يرى أن “موت الإنسان قد يكون تراجيديا ، لكن موت الملايين مسألة إحصائية” ، وما يدل على استخدامهم أساليب القوة وصف السياسي البريطاني أوليفر كروميل المستبد بعبارة “تسعة بين كل عشرة مواطنين يكرهونني.. ما أهمية ذلك إن كان العشر وحده مسلحا” ، وحتى أن سياسة هؤلاء الطغاة تنبع من العنف بدليل شعار ماو تسي تونج “السلطة السياسية تنبع من فوهة البندقية”.

ومن خلال التحليل النفسي لتفسير منشأ الدكتاتورية بالتطرق إلى عقدة الحرمان والطفولة المعذبة ومراهقة صعبة الأمر الذي زرع في شخصية الفرد منهم عقدا يصعب حلها ، وتدل على ذلك طفولة النازي أدولف هتلر  ودكتاتور روسيا الأحمر ستالين وموسيليني وفرانكو وبينوشيه وغيرهم الكثير ، لكن كيف كانت هذه الشخصيات تصل إلى أهدافها بدون حساب أو رقابة والسبب هو “الجهل المطلق” كما يصفه عبد الرحمن الكواكبي وقلة الوعي ، ويعلق المؤرخ الفرنسي جوستاف ليبون في كتابه “روح الجماعات” ، على علاقة الجهل بالاستبداد :”إن الجماعات بصفة عامة ، والجماعات الأمية بصفة خاصة لطبيعتها المضطربة وعقليتها السطحية ونفسيتها المشوشة تقاد دائما بالطغاة الذين يكونون بالفطرة أو الدراسة أو التجربة على بينة من حقيقة الجماعات” ،ويضيف أرسطو :”إن نوع الحكم مما كان بالإكراه فإن الطاغية فيه يغتصب الحكم اغتصابا ، دون أن يكترث برضا المواطنين وإنه يصل إلى الحكم بالقوة المسلحة أو بحد السيف دون الاستناد إلى حق شرعي” .. وكان هذا تعريف الطاغية الذي ساد الفكر السياسي الأوروبي ، وفي بعض الاستثناءات في وصول بعض الطغاة إلى الحكم من أمثال هتلر الذي صوره الإعلام النازي الذي يقوده جوزيف جوبلز على أنه منقذ ألمانيا من الكساد الاقتصادي والحركات الشيوعية والخطر اليهودي ، وهو نفس ما اعتمد عليه نازي الولايات المتحدة جورج بوش كما سماه بعض الكتاب حيث عمل من خلال إدارته على كسب ود الشعب حيث أصبحت الحالة النفسية للشعب الأمريكي بعد أحداث 11 سبتمبر نفس حالة الشعب الألماني بعد الحرب العالمية الأولى بالرغبة بالثار ورد الاعتبار عدا عن تكوين رأي عام لغسل أدمغة الشعوب كما تحدث عنه الدكتور فيصل القاسم في مقالته “كيف تصنع رأيا عاما خلال أيام” ،وهذا لم يكن الا لوصف الطغاة في أوروبا وأمريكا.

 أما عن طغاة بلادنا العربية ودون إطالة في وصفهم فأعتقد أن وصف جوستاف ليبون عن كيفية قبول الشعوب بطغاتها في بداية هذا المقال هو الوصف الأدق لطغاتنا ، إذ أنهم ليسوا بدكتاتوريين ولا بطغاة وإنما هم أميون بطبيعتهم المضطربة وعقلياتهم السطحية ونفسياتهم المشوشة يقادون بالطغاة الحقيقيين .