هل يمكن أن ننظر إلى الفقر والتعاسة نظرة إيجابية ملهمة؟! 
في فيلم “أطفال الجنة Children of Heaven” يرصد الكاتب والمخرج الإيراني “مجيد مجيدي” بذكاء بالغ حكاية طفلين من أسرة فقيرة تعيش في إحدى القرى البعيدة عن العاصمة طهران، هما “علي” و”زهرة”، لا يملك والدهما -نظرًا إلى ظروفه المعيشية الصعبة، وأمانته في عمله- ثمن حذاء جديد، بدلاً عن الحذاء القديم الذي أضاعه الولد “علي” من أخته، ولأن الطفلين يدركان معاناة والدهما، يتعاونان معًا في الخروج من هذه الأزمة، وذلك من خلال تبادل الحذاء الخاص به، حيث تذهب أخته بالحذاء إلى المدرسة صباحًا، ثم تعطيه لأخيها في طريقه إلى مدرسته في الظهيرة، وتحدث بعض المواقف بينما يتبادلان الحذاء، حتى يشترك أخوها في مسابقة للجري لمسافات طويلة (حيث اكتشف أنه يجري بسرعة في كل يوم حتى يتمكن من اللحاق بموعد المدرسة)، ولأنه وجد أن الفائز بالمركز الثالث سيحصل على جائزة حذاء رياضي، وعلى الرغم من أنه يتمكن من الحصول على المركز الأول في المسابقة، لكن خيبة الأمل تظل بادية عليه، لأنه لم يتمكن من الحصول على الحذاء!
على بساطتها تبدو القصة، وبتفاصيلها الشاعرية، شديدة التأثير، إذ تعكس واقع هؤلاء الفقراء الحريصين رغم كل ما هم فيه من فقر على إضفاء شيء من البهجة والسعادة إلى أنفسهم حتى في أشد لحظات ضيقهم، ففي مشهد من مشاهد الفيلم بعد أن ضاقت الحال بوالد الطفل “علي” يذهب إلى العاصمة، حيث المباني الفخمة والفيلات التي يحتاج أصحابها إلى الخدم والعمال، يبدو الأب مترددًا في طلب العمل، ولكن ابنه يبادر إلى التعريف بنفسه وبوالده بأنه يمكنه العمل كبستاني يرعى الأشجار وما إلى ذلك، وبعد عدد من المحاولات ينجح الطفل “علي” بمحادثته مع أحد أبناء صاحب إحدى تلك الفيلات في أن يعمل والده عندهم طوال اليوم لأن الصبي كان يريد من يلعب معه أيضًا، فيلعب الطفل “علي” مع ابن صاحب المنزل، فيما والده يعمل ويحصل على أجرة كبيرة تجعله فرحًا يكاد يطير من فرحه بهذه الأموال، ويحدّث ابنه بأنه يمكنه أن يشتري كل ما يرغبون فيه، بل بإمكانه أن يشتري لهم كل ما يحتاجون إليه، فيبادره “علي” (الذي ما تزال مشكلة حذاء أخته تؤرقه) بأن يشتري حذاءً لأخته “زهرة” فيرد عليه بأن هذا أمرًا بسيطًا، ولكن الحلم لا يلبث أن يتحطم، فيسقط الرجل وابنه من الدراجة وتضيع الأموال التي كان قد حصل عليها!
في مشهدٍ دالٍ آخر، تكتشف البنت “زهرة” أن حذاءها الذي كان قد أضاعه أخوها (وهو وردي اللون) تلبسه إحدى الفتيات في مدرستها، فتصر على أن تراقبها بعد المدرسة لتعرف أين تسكن، ثم تخبر أخاها بالأمر، فيذهبان إلى منزل البنت وكلهما إصرار –بالتأكيد- على استعادة ذلك الحذاء الضائع، ولكنهما يفاجآن بأن والد هذه الفتاة كفيف، يخرج للعمل أمامهما، فيشفقان على حالها ويتراجعان عما انتويا فعله!
بين هذه المشاهد وتلك يصوَّر المخرج “مجيد مجيدي” عالم هؤلاء الفقراء تصويرًا واقعيًا، بعيدًا عن الابتذال الذي كثيرًا ما عانينا منه في الأفلام التي تصوَّر تلك الطبقة عندنا!
لم يحصل “علي” -رغم كل محاولاته تلك- على حذاءٍ لأخته، وحاول الوالد أن يعمل في العاصمة ليجلب لهما المزيد من المال، ولكنه عاد مجروحًا وضاعت نقوده، ولكنهم لم ييأسوا ولم يحبطوا، ولم يتذمروا على حياتهم.

فقدت البنت “زهرة” حذاءها منذ البداية، فأخذت تفكر مع أخيها في الطريقة التي يمكنهما أن يتصرفا بها، دون أن يسببا المتاعب لوالدهما، وتسبب ذلك في الكثير من الضيق والحرج والمواقف السخيفة لها ولأخيها، كانت البنت تقابل ذلك كله بابتسامة، ويقابله الولد “علي” بإصراره وتحدٍ للظروف مهما كانت صعبة..

استمر كل واحدٍ منهما في أداء دوره، بل وبذل كل منهما مجهوده ليحصل على ما يريد، لم يصل إليه، لكنه ما زال يحلم، هكذا صورهم الفيلم وهكذا تدور بنا وبهم الحياة!
—————-
نشرت المقالة للمرة الأولى على موقع نون على الرابط التالي:
http://nooun.net/article/693/