هل زرت استراليا من قبل أثناء الحرب العالمية الثانية؟
إذا لم تكن زرتها من قبل في هذه الأثناء -وأظنك لم تفعل- أنصحك أن تشاهد الفيلم الأمريكي “استراليا” المنتج عام 2008 بطولة “هيو جاكمان” و “نيكول كيدمان” و إخراج “باز لورمان” المخرج الاسترالي.
يختصر الفيلم مأساة شعوب مع ما يسمى ديموقراطيات الدول الكبرى ، هذه الحيتان التى تبتلع الأسماك الصغيرة و الشعوب الصغيرة أمامها كي تبني ممالكها الأسطورية.
يحكي الفيلم عن تاريخ استراليا و كيف أصبحت بعد أن نزح إليها الأوربيون و غيرهم من المستوطنين الذين عاثوا فيها و كبدوا سكانها الأصليين”الأبورجين” من الظلم و العنصرية ما جعلها تشبه فيما آلت إليه مصائرها قبائل الهنود الحمر في أمريكا .
كانت استراليا في ذلك الوقت مستقلة استقلالا محدودا لكنها في واقع الأمر كانت تابعة لبريطانيا من حيث الاستيلاء على الموارد و الأراضى و الآثار .
لكن الأوربيون لم يكتفوا من البلد باستغلال مواردها فقط بل و أرداوا أيضا أن يبيدوا السكان الأصليين الملونين حتى يسود اللون الأبيض في بشرة القارة الجديدة ليمحو أي أثر لسكان كانوا يعيشون فيها من قبل ، فعل الأوربيون ذلك عن طريق خطة خبيثة أسموها “استراليا البيضاء”.
تقول موسوعة ويكيبيديا :
“أجاز برلمان 1901 م قانون تحديد الهجرة، الذي منع عن أستراليا الهجرة الآسيوية، خاصة هجرة أهالي جزر المحيط الهادئ، وبذلك استطاعت الحكومة تحقيق مبدأ أستراليا البيضاء، وذهبت إلى أبعد من ذلك، عندما بدأت ترحِّل العمال الوافدين من جزر المحيط الهادئ إلى مواطنهم، وأخذت تشجِّع أصحاب المزارع لكي يستخدموا العمال البيض، وذلك بتقديم إعانة مالية لكل مزارع يلتزم بهذه السياسة. كما أصدرت الحكومة الفيدرالية قو انين جنسية صارمة، واهتم البرلمان بدور وسلطات محكمة التحكيم الفيدرالية، واختلف أعضاؤه حول مسألة إدخال الخدمة العسكرية الإجبارية للعمل فيما وراء البحار.”
علاوة على ذلك – و ما يشكل جريمة حقيقية في تاريخ الأمم – فإن البريطانيون عملوا على اختطاف الأطفال الملونين من ذويهم بحجة وضعهم في ملاجئ تشرف عليها الكنيسة تمهيدا للتخلص من أنسالهم و تحجيم اختلاط الملونين – أبناء السكان الأصليين أو أبناء المختلطين بين البيض و السود – بالبيض تمهيدا لأن تصير استراليا في الجيل الثالث قارة بيضاء و هو ما سمي بعدها ب”قضية الأجيال المسروقة” .
و رغم بشاعة الجريمة ، أن تعمل حكومات و دول على اختطاف الأطفال لوأد ماضيهم إلا أن الأمر كان يتم بشكل سلس دون أن يجرمه أحد في ذلك الوقت من دول أوروبا و أمريكا راعية حقوق الإنسان في العصر الحديث.
و هنا لابد أن نعود لقصة الفيلم :
لن أقيم الفيلم من الناحية الفنية و لا التقنية فلست مختصة و لكن ما يهمني حقا هو الحكاية التى تدور حولها أحداث الفيلم ، و الحكاية ببساطة عن ثلاثة أبطال طفل و امرأة و رجل .
الطفل هو “نولا” الطفل الملون الخليط لأم استرالية و أب بريطاني لا يعترف به ، يعيش الطفل في مزارع “فاراواي داونز” مع أمه التى تعمل في الخدمة في هذه المزارع التى يمتلكها ثري بريطاني متزوج ، تعيش زوجة الثري “ساره” في بريطانيا و تقرر أن تذهب إلي زوجها للمزارع كي تعيده إلى بريطانيا مرة أخرى و بمجرد وصولها إلى المزارع يُغتال زوجها على يد غريمه والد الطفل إلا أنهم لا يفصحون لها عن القاتل بل يخبروها بأن حيوانا قتله في رحلة للصيد .
تضطر الزوجة –بطلة الفيلم- إلى المكوث في استراليا حتى ترعي المزرعة و توصل 2000 رأسا من الماشية إلى مزرعة أخرى حتى لا تضيع عليها الصفقة التى كان زوجها قد أبرمها قبل أن يموت فتبحث عن راعي يعاونها في توصيل الماشية فيكون هذا الراعي بطل الفيلم “دروفر”.
“دروفر” هو شاب يعمل راعيا للماشية و قائدا لها في الرحلات الطويلة في الصحراء يستعين به أصحاب المزراع في هذه المهمة ، من أصل بريطاني أيضا لكنه يكره عنصرية البريطانيين تجاه الاستراليين الملونين فقد ماتت زوجته الملونة بسبب هذه العنصرية عندما رفضت إدارة المستشفى الخاصة بالبيض استقبالها عندما كانت مريضة فماتت بسبب العنصرية.
تموت والدة الطفل نولا عندما تأتى الشرطة للقبض عليه لإيداعه الكنيسة كباقى الأطفال الملونين في محاولة منها لتهريبه تودي بحياتها ، فتقرر “ساره” أن تمنعهم عنه كلما حاولوا ضمه للكنيسة و أن ترعى الولد في مزارعها و أن يصحبهما في رحلة توصيل الماشية التى لم تكن سهلة لأن “فليتشر” والد الطفل الذي يدير مزراع المنافس كان متربصا لهما .
تنجح “سارة ” و “دروفر” و “نولا” في توصيل الماشية بعد صعوبات كبيرة يموت إثرها أحد العاملين مع سارة لكنهم يسعدون لهذا النجاح و لقصة الحب الوليدة بين “دروفر” و سارة” .
يقرران العيش سويا مع الطفل نولا حتى يأتى “الملك جورج” جد نولا ذلك الرجل الكبير الذي يهيم في الصحراء يغني و يمارس السحر و يعيش الحياة البدائية مثلما كان السكان الأصليون يعيشونها.
يأتى الملك جورج ليستدعي حفيده كي يهيم معه في الصحراء لفترة في طقس من طقوس “الأبورجين” يشبه التعميد في الديانة المسيحية و الذي بموجبه يصبح له انتماءا حقيقيا للاستراليين الأصليين و يتصل ماضيهم بحاضره و مستقبله ، فتصاب “سارة” بالحزن خشية فقدان الطفل الذي تعلقت به و عوضها عن حرمانها من الإنجاب إلا أن الطفل يختفى لأسباب أخرى فقد أتت الشرطة و اختطفته بالفعل قبل أن يذهب للملك جورج .
و هنا ينتقل بنا الفيلم للمغزى الرئيسي للقصة و هو قضية الأجيال المسروقة و الحروب التى تتورط فيها دول دون جريرة بسبب تحالفها أو تبعيتها لدول أخرى كبيرة ما يحدث في أحداث الفيلم ، ففي هذه الأثناء تقوم اليابان بضرب استراليا التى كانت أمريكا تتخذها قاعدة عسكرية في أثناء الحرب العالمية الثانية.
يتشابك الخطان المجسدان للفيلم لكي ينتجا خطا متماسكا لقضية الفيلم و هي “الظلم الواقع على الشعوب المستعمَرة من الدول الكبرى” و يتضح ذلك جليا عندما يعرف البطلان “سارة” و “دروفر” بعد أن تفرقا أن اليابان تنتوي ضرب “جزيرة الإرسالية” التى تقع فيها الكنيسة التى تؤوي الأطفال و معهم “نولا” في اليوم التالي فيحاول كل واحد منهما على حده أن يصل لنولا .
يصلان له في نهاية الفيلم لكن يبقى الظلم واقع على بلد ورطته البلاد التى استعمرته في حرب لم يكن له فيها ذنب و استولت على موارده فترة من الزمن و حاولت بإجرام سرقة ماضي أطفاله و مارست عليهم في وطنهم عنصريتها المقيتة.
القصة ليست ببعيدة عنا في وطننا العربي بل هي قصتنا التى نعيش فيها منذ عقود من الزمن ، يستعمر بلادنا الغرب إما بالدبابة و إما بالسيطرة الفكرية و المادية فيسرق مواردنا و يورطنا في تحالفاته لندفع أثمانها من أراضينا و دمائنا و يسرق ماضينا بل و مستقبلنا الساكن في أطفالنا و شبابنا الذين يموتون كل يوم ..إما بفلسطين أو العراق أو أفغانستان فالكل سواء في الكرب.
في عام 2008 اعتذرت الحكومة الاسترالية رسميًا للانتهاكات التي ارتكبتها الحكومات التي تعاقبت على الحكم بحق سكان البلاد الأصليين.
يذكر أن السكان الأصليين- وعددهم 460 ألف نسمة- يشكلون 2 في المائة من مجموع سكان استراليا، ويعتبرون الطبقة الأكثر فقرًا في المجتمع الاسترالي على الإطلاق ويعانون من ارتفاع معدل الوفيات بين أطفالهم، والإدمان على المخدرات والكحول، والبطالة بنسب تفوق غيرهم من الفئات.
وقال رئيس الحكومة كيفن رود أمام البرلمان في العاصمة كانبيرا: إن حكومته تعتذر للقوانين والسياسات التي تسببت بـ”الأسى العميق والمعاناة والخسارة” لسكان استراليا الأصليين.
كما خصّ رود بالذكر “الأجيال المسروقة” من الأطفال الذين انتزعوا من أحضان أسرهم عنوة.
و بإسقاط الأمر على بلادنا العربية ، فإن أحدا لم يعتذر قط عما نجده من استعمار لا يشبع من امتصاص مواردنا إما غصبا أو غفلة منا ، و الحق إننا لم نطلب منهم الاعتذار بل كل ما نطلبه منهم ألا يشيروا لنا بإصبع الإتهام بالإرهاب و هناك أربعة أصابع تشير لهم بالسرقة و القتل و الجرم و التبجح .
يحفل التاريخ بدول بنت امبراطورياتها على أنقاض دول أخرى ، و شعوب استباحت دماء شعوب أخرى و روت بها أراضيها فأكلوا غير نادمين مما جنت لهم هذه الأرض لكن عندما يتعلق الأمر بالإرهاب لماذا لا يلتصق الإتهام إلا بالعرب و لماذا لا يذكر العالم إلا جريمة الحادي عشر من سبتمبر؟
أنا هنا لا أدافع عن مجرم أو جريمة ضد بشر فالقتل محرم على كل بني الإنسان و لكني أعيب هذه العدالة العوراء و تبجح القاتل في أن يظهر نفسه بمظهر الطهر و هو بعيد كل البعد عنه.
أعيب على الإنسانية صمتها في كل العصور إزاء الجرائم و خضوعها لكل ظالم حتى إن كان هذا الخضوع وقتى.
تقول الحكمة “العدالة البطيئة ظلم مقنن” لذا فالعار لم يزل لاحقا بكل أمة أبادت أمة أخرى لتنهض و العار لم يزل لاحقا بكل دولة ظنت أن التاريخ ينسى و أن الإعتذارات تجدي و أن عدالة السماء بعيدة عنها.
3 تعليقات على عن قصة فيلم استراليا .. و عن قصتنا
لا أخفيك سرًا أننى لم أر الفيلم بعد، لكنى حتما سأفعل بعد هذه التدوينة المؤثرة العميقة، تحياتى يا آية وأسعد بك دائمًا ضمن شباب الشرق الأوسط.. تحياتى
أتمنى أن يعجبك الفيلم فهو فعلا يستحق المشاهدة ، و السعادة و الشرف لي في التعاون معكم في شباب الشرق الأوسط
رحل من قال :
” على هذه الأرض ما يستحق الحياة ”
و بقيت الإنسانيه حاضره في ضمائر الغَيارى
شكراً لكِ سيده آيه علم الدين على نشر هذه القضيه الإنسانيه على طاولة مستديره والحضور ضمائر متساويه بالنبض و الكلام
لقد أحسست فعلاً بالسعاده أثناء و بعد قراءة هذا الطرح الفكري المعزز بوقائع و تصاريح و تواريخَ أحداث
وقد سرّتني القراءه و تسليط الضوء على الفيلم الملحمه ” أستراليا ”
شكراً للسيده آيه و لطاقم الموقع الناشر
تحياتي ..