المرأة المسلمة بين واقعي التحررية و الانفصام

لعل بالمشاهدة لما تتطور عليه وضع الفكر النسائي في الغرب الأمريكي خاصة منذ منتصف القرن الماضي من نساء يلتمسن المظهرية لتكوين أسر يرون أن من واجباتهن بنائها و تقويتها و المحافظة عليها بكامل الحب و الرغبة إلى نساء يعشقن التحرر من كل ما له علاقة بتكوين الأسر الفاضلة بحكم قوة الضغط و التأثير السلبي لمجتمعات ترى أنها تتفضل على النساء بالمشاركة في المجتمع بأقل حقوق الكرامة الإنسانية مع الاستغلال الكامل لم يملكن من قوة و مشاعر و كرامة مع المحافظة على الانفصام علناً مظهرية و فضيلة.. و سراً خطايا لا تعد و لا تحصى في مجتمع يعاقب كل من أراد أن يسير وفق سجيته و معتقداته الخاصة .
و الآن بعد مرور سنوات من الضغط التي ولدت حركات تحررية لا تعد و لا تحصى أيضاً …

لم تعد لهذه المجتمعات حاجة إلى الانفصام بين القيم و تطبيقها فقد صارت رماداً , إن هذا الخط الخاطئ من الانفصام التام إلى التحرر الغير مقيد ليس تطوراً إيجابياً في الفكر الإنساني ,أو حتى في خط سير المجتمعات ,أو حتى في مصلحة النساء فقد ازدادت معانتهن و أوجاعهن خاصةً مع ارتفاع معدلات الأنانية التي توافقت مع ازدياد معدلات الاستقلالية الغير مقيدة بضوابط .

و لست هنا لأناقش أوضاع مجتمعاتهم و إن كان لها التأثير على واقع مجتمعاتنا بشكل أو بآخر و لكن لأناقش أوضاع مجتمعاتنا الحية و تتطور الفكر النسائي داخل أسوار الجامعات خاصة بين نموذجين : نموذج اختار التحرر التام متمرداً على كافة مظاهر الانفصام ,و نموذج اختار الانصهار في الانفصام و التشدد المطلق المتمثل في تدين المظهر و خلاء الجوهر و مراقبة الخلق و ضعف مراقبة الخالق .

و حتى معدلات الطموح المرتفعة تتوقف على كلمة ترددها الفتيات عندما ترى نموذجاً ناجحاً بمقاييسهن , فهذا النموذج يمثل لديهن المدافع عن حقوق المرأة التي لا يتعدى سقفها باب تكوين الذات و الاستقلالية للهروب من صور الانفصام و الشعور بعدم الأمان داخل مجتمعات ضاع فيها حق الكثير من الضعفاء على مختلف تعريفاتهم , و بين هذين النموذجين أتمنى أن ينمو نموذج ثالث هو أصدق مع نفسه و أقرب للحقيقة , نموذجاً يهتم بإصلاح بواطنه و يتفهم أن القيم لا تنفصل عن التمتع بالحياة و أن الصدق هو مقياس النجاح الحقيقي اجتماعياً و إنسانياَ . جيل نسوي يسعى لإنشاء طموحاته في خطين متوازيين لا ينفصلان , و في النهاية يربط طموحاته بالذات العليا المقدسة التي منحته نعمة الحياة و العقل , ارتقاء بالطموح لعله سيضبط الكثير من البوصلات المائلة , امرءة ترتقي خلقاً و عقلاً و تسعى لتكون أماً و زوجة لأسرة بذات المقاييس الربانية الصادقة و ليس بمقاييس مجتمعاتنا المهترئة , لعله نوع من التحدي الخاص الذي لا أشك أبداً في أن نساءنا في أمس الحاجة إليه لتعتدل البوصلة التي صارت معوجة بين تحررٍ تام و تشددٍ مطلق و كلاهما ليس بالصواب و ليس بالخير , تمردٌ على الانفصام و تمردٌ على الانحلال , واقعين في مجتمعاتنا ..

ردود أفعال لا تقود للخير و لعل واقع الثورات كان خطأً منذ بدايتها إذ إن التغيير الحقيقي يبدأ من هنا .. من دواخلنا و ليس من تغيير الشخوص …و في هذا الخط و السبق مازال أمامنا الكثير من الخطوات التي تحتاج إلى الكثير من العمل و المصداقية في مجتمعاتنا -التي تساق سوقاً لتذبح في مجتمع المادية الذي لا يرحم- ..و المصداقية تعني قدوات حية أشك في أن أياً منا قد استكمل معاييرها حتى هذه اللحظة و لكني أوقن أيضاً أن هناك من يستطع أن يكنها حينما يريد حقاً و فقط .