“عندما يكون المسلم كافراً والملحد مؤمناً “….قد يستغرب الكثير من عنوان المقال لكن هذا الذي يحدث الان و قد حدث مسبقاً , فمفهوم الكفر قد أخذ على يد رجال الدين منعطفاً ومفهوماً معاكس على ما نص به القران و ما أخذ به النبي (ص) , فالدين عموماً قد اصبح وسيله لتعبئة عقول المتدينين بأيدلوجيات وحشيه تحث على الكراهية و الرجعية و الأنحصار داخل الأطار الديني , فأصبح الدين عموماً عصا تحكم رائعه بيد الفقهاء والسلاطين , والدين الاسلامي في العصرين الأموي والعباسي افضل مثال على هذا , فتحولت كلمة الكفر ألى كلمه تبرر التعدي على الدول المسالمه بحجة أنهم كفار!! , وسبي نسائهم وأخذهم كجواري ألى السلطان بحجة انهُنّ ملكُ يمين !! , فالدين أمسى غطاء جيد للرذيله , و يعبّـر الدكتور علي الوردي عن هذا الأستحمار الفقهـي… ” قد برع الفقهاء بما يسمونه بـ{الحيل الشرعيه} , فهم يستطيعون ان يجدوا مسوغا شرعياً لكل عمل مهما كان رذيلاً , والسلطان الظالم لايعمل عملاً الأ بعد ان يجمع الفقهاء ويعرض عليهم الأمر , وهم ينطرون حينذاك ألى السلطان فأن وجدوه مصمماً على ذلك اسرعوا ألى ما في جعبتهم من الايات والاحاديث المتناقضه فينفضونها امامه ليختار منها ما يلائمه , والله غفور رحيم ” , فخرج الدين على يد هؤلاء من أهدافه الوجوديه والتي أهمها الاكبر هو الانسانويه فأصبح المتدين يقدس الدين أكثر من الانسان , وأصبح الدين معيار لمعرفة افضلية الانسان بغض النظر عن ماهية أفعاله…
فكملة الـ” كافر” أو الـ” كفـر” قد تم احتوائها ومن ثم أطلاقها على كل من يخالف الفقيه أو السلطان كما قلت مسبقاً , فأذا أخذنا الأصل اللغوي لكلمة الكفر من اكثر من معجم لغوي ولعل أشهرها لسان العرب لأبن منظور فهي تعني ” كفَرَ الشيءَ أي غطّاه ، كفرَ الليلُ بظلامه أي غطى نورَ النهار وحجبه ومن ثم يقال ليل كافر، وكفر الفلاحُ الحبَ أي غطاه ، ومنه قيل للزرّاع الكفار أيّ بمعنى المغطين للبذور تحت التربه , فالكفر اذن ليس عدم الايمان بالله و اليوم الاخر و …..الخ كما تم تلقيننا ، بل هو التخلي عن أروع القيم الانسانويه وهي قول الحقيقه ، قول الحقيقه مهما كان الثمن باهضا… فرفض الحقيقه وأخفائها كما يخفي الليل ضوء النهار أو الخوف من البحث كي لا نغير مفاهيمنا المورثه اذا ما وجدناها خاطئه هو الكفر بعينه وليس عدم الايمان بالله ، فلفظة الكافرين الذي اطلقها القران على فئه معينه من الناس (الذين حاربوا الرسول) لم يطلقها لأنهم لم يؤمنوا بالأسلام ، بل لانهم رفضوا فكره لمجرد انها تخالف ما نشئوا عليه ، بدون تقصي ، دون بحث ، دون تفكير ، و لأنها شكلت تحدياً لوضعهم الأجتماعي ….” فلذا كانت أزمة ابا لهب مع النبي ليس لانه سيهدم اللات و العزه وهبل ، وانما لان النبي سيساويه بعبده بلال” فهذه الكلمات للمجدد اﻷسلامي عبد الرزاق الجبران تلخص ما كنت ارمي اليه ، فتحطيم الايدلوجيات الطبقيه هي مغزى الاسلام و ليس الاصنام ، فلا فرق بين العربي و العجمي ، و الابيض و الاسود ، والفقير والغني …سوى بالعمل الصالح ، هذه هي رسالة النبي التي سعى اليها و التي عمل عليها الاسلام ، لكنها لم تدم طويلاً…..
فاصبح الاسلام اليوم منظمه كهنوتيه دوغمائيه (هي التعصب لفكرة معينة من قبل مجموعة دون قبول النقاش فيها أو الإتيان بأي دليل ينقضها لمناقشته أو كما هي لدى الإغريق الجمود الفكري. وهي التشدد في الاعتقاد الديني أو المبدأ الأيديولوجي، أو موضوع غير مفتوح للنقاش أو للشك. تمثل الاستبدادية والمعصومية والدمغية أو اللادحضيه { الزعم بأن قولا معينا غير قابل للدحض بتاتا } ، والقبول الخانع من قبل الملتزمين و اللاشكية هي لب فكرة الدوغمائيه ) ، وامسى المسلم اليوم يرث دينه و مذهبه من ذويه و البيئه الاجتماعيه التي نشأ بها ، معتقدا بل وحتى جازماً ان ما تربى عليه و نشأ هو الحقيقه المطلقه و غيره خاطئ ، ويرفض اي نقاش اي حوار قد يمس بهذه المفاهيم بصوره متعصبه ومتطرفه ايضا . فكم من شيعيا اليوم يرى ان المذهب الشيعي هو الحقيقه المطلقه والمذاهب الاخرى هراء بهراء ، وكم من سنيا يرى ان المذهب السني هو الحقيقه المطلقه و المذهب الشيعي هراء بهراء ، ولو سألت هذان المتعصبين (الشيعي و السني) عن كيفية اعتناقهما لمذهبهما ، لأجابا بأنهم قد ولدوا ونشوؤا داخل المذهب والدين المعني , و يشكرون الله لأنه أوجدهم داخل الدين والمذهب الصحيح !!! , فالمتدين بصوره عامه بأختلاف دينه للأسف يؤمن بأن دينه هو الدين الصحيح و باقي الاديان خاطئه من خلال استنتاج يخلو من مراجعه و شك بسيط للمفاهيم المورثه التي أمن بها….وهذا ما يسمى بالأيمان الأعمـى .
ولو عرضنا هذا المنطق البائس في أدراك الحقائق على المنهج القرآني لرأيناهُ يتعارض معه و بشكل كبير , فالقران قد ذمَّ الدوغمائيات و التدّين المورث و الأيمان المبني على هراء , فالنبي محمد عندما دعـى قريش للدخول بالأسلام رفضوا ذلك وقالوا لن نغير ما وجدنا عليه أبائنا , فالقران قد ذم هذه الحاله بأكثر من أيه …ففي سورة الشعراء…” قَالَ هَلْ يَسْمَعُونَكُمْ إِذْ تَدْعُونَ (72) أَوْ يَنْفَعُونَكُمْ أَوْ يَضُرُّونَ (73) قَالُوا بَلْ وَجَدْنَا آَبَاءَنَا كَذَلِكَ يَفْعَلُونَ .” وفي سورة الزخرف ..يقول ” أَمْ آتَيْنَاهُمْ كِتَابًا مِّن قَبْلِهِ فَهُم بِهِ مُسْتَمْسِكُونَ (21) بَلْ قَالُوا إِنَّا وَجَدْنَا آبَاءَنَا عَلَىٰ أُمَّةٍ وَإِنَّا عَلَىٰ آثَارِهِم مُّهْتَدُونَ (22) ” , و في أيه أخرى يروي القران حكاية ابراهيم عندما ناقش والده و قومه عن عبادتهم للأصنام….في سورة الأنبياء ..يقول ” إِذْ قَالَ لِأَبِيهِ وَقَوْمِهِ مَا هَٰذِهِ التَّمَاثِيلُ الَّتِي أَنْتُمْ لَهَا عَاكِفُونَ ﴿ 52 ﴾ قَالُوا وَجَدْنَا آبَاءَنَا لَهَا عَابِدِينَ ﴿53 ﴾ ….فمن خلال هذه الأيات و العديد من الآيات الأخرى نجد أن القرآن يجسد المعنى الحقيقي للبحث عن الحقيقه , مبتدئاً بأنتقاد الموروث الأجتماعي سواء كان دينياً أم عرفياً , و من ثم بعدها يأمر المسلمين بالبحث عن كيفية نشـوء الأمور الوجوديه….ففي سورة العنكبوت..يقول..” قُلْ سِيرُوا فِي الْأَرْضِ فَانْظُرُوا كَيْفَ بَدَأَ الْخَلْقَ ” , فالقرآن هنا يعترف وبشكل واضح أن ألية أو كيفية الخلق غير موجوده بالقرآن , ولمعرفة هذا يجب على الأنسان بصوره عامه دراسة علم البيولوجيا , علم المستحثات , وعلوم الارض و غيرها من العلوم الأخرى المعنيه بأيضاح الأولويات اللازمه لظهور الحياة على الأرض (هذا ما تعنيه الأيه السابقه بشكل صريح)….فالمفكر الأسلامي حسن بن فرحان المالكي يوضـح بأن الأسلام في القرآن له ثلاث أركان أساسية…وهي :
1- أن تقبل على المعلومة وتختبرها .
2- وتسلم بالحقيقه أن عقلتها .
3- وأن يكون سلوكك صالحاً .
فالمسأله أذن لا تنطوي على الأيمان أو عدم الأيمان بالله , بـل هي مسألة تفكير , بحث , و نطقٌ بالحقيقه …بالأضافه ألى العمل الصالح , و بهذا تتشكّل اللوحه الوجودية الأنسانويه للدين , عندها سيكون للدين معنـى ….فـعندما سأل الأمام علي (ع) النبي (ص) عن سنته قـال : ” المعرفة رأس مالي ، والعقل أصل ديني ، والحب أساسي ، والشوق مركبي ، وذِكْر الله أنيسي ، والثقة كَنْزي ، والحزن رفيقي ، والعلم سلاحي ، والصبر ردائي ، والرضا غنيمتي ، والزُهد حرفتي ، واليقين قوَّتي ، والصدق شفيعي ، والطاعة حَسْبي ، والجهاد خلقي ، وجعلت قرة عيني في الصلاة “….المعرفه رأس مالي و لم يقل الأيمان لأنه يعلم ان الأيمان بدون معرفة هو أيمان مبني على ورق , ولم يقل الصلاة بل جعلها بأخر سنته لأنه يعلم ان الصلاة لا تكون صلاة بـدون معرفه و تعقّل و حب و تواضع وصدق ….الخ .
فأذا كان لدينا طرفين…الأول انسان مسلم , ورث الأسلام من أهله والبيئه الأجتماعيه المحيطه بهِ كأرثهِ للعادات و الأعراف المعنيه بتلك البيئه , فنشأ مؤمناً ببعض المفاهيم والقيم الدينيه التي لم يختارها بل أكتسبها كناتج عرضي للمجتمع الحاوي له , ومع هذا لم يشك يوماً بهذه المفاهيم , لم يفكر خارجها بل ظلَ مقيداً داخل أطُـُر هذه القضبان الكهنوتيه و الفقهيه , لم يقرأ كتاب واحداً عكس هذه المفاهيم , متعصب لرأيهِ و يرفض أي فكره تمس بمعتقداته و أتجاهاته الفكريه حتى بدون فهمهِ لتفاصيل تلك الفكره , لم يقرأ ولو شيء بسيط عن الأديان الأخرى , لم يقرأ كتاب بخصوص الفيزياء , الكيمياء , البايولوجيا , ولا يعرف شيء عن الفلسفه العقليه ….و لم يرهق نفسهُ بالبحث عن الحقيقه ولو بشيءٍ بسيط …ورغم هذا فهو يجـزم ان ما تربي عليه هو الحقيقه المطلقه .
والثاني أنسان ملحد , لا يؤمن بوجود الله , لكنه توصل الى هذا الأستنتاج بعد بحث علمي و فلسفي دقيق , و لم يقف عند هذه المرحله فقط (الألحاد) , بل أستمر برحلة من البحث عن الحقيقه و باذلاً كل ما بوسعه حتى أدركه الموت , و متحرراً من كل القيود و المفاهيم المورثه , ومستعد للاعتراف باي فكره كانت بمجرد توصل عقله لها وتيقن قلبه , حتى وأن كانت تخالف كل الموروثات الدينيه والأجتماعيه والعرفيه التي نشأ عليها .
فأذا عملنا مقارنه بسيطه بين هذين الطرفين (الملحد والمسلم) وبين المنهج القرآني الذي أوضحتهُ سابقاً , لرأينا أن الملحد أقرب ألى القران رغم عدم أيمانهِ بقدسيته , على عكس المسلم الذي عارض القران رغم أيمانهِ بأنهُ كتابٌ مقدس , فالملحد أتخذ من البحث عن الحقيقة عنوناً لحياته وبما أن وجود الله يمثل الحقيقه حسب القران وأن هذا الملحد كما ذكرنا أنفاً ظل باحثاً عن الحقيقه حتى مات , اي ظل باحثاً عن الله حتى مات فلم يستطع الوصول أليه ” لَا يُكَلِّفُ اللَّهُ نَفْسًا إِلَّا وُسْعَهَا” فالله (حسب التعبير القراني) لا يريد شيء من الأنسان سوى أبذال ما بوسعهِ , فالملحد يجسد هذه الأيه بشكلٍ واضح , على عكس المسلم الذي يُحطمها بكل ما أوتي من جهل , الذي لم يُشكَ و لم يفكر يوماً بالتعاليم الأسلامية ….فأبو حامد الغزالي يقول ” الحق كامن في النظر فمن لم يشك لم ينظر، ومن لم ينظر لم يبصر، ومن لم يبصر ففي العمى والضلال…”….فهذا المسلم الذي كانت غايته ونيتهُ التعصب و الانتصار لطائفتهِ و لم تكُن نيتهُ أبدأ البحث عن الحق , فكما يقول الدكتور عدنان أبراهيم لو بُعث ألى زمن النبي محمد سيكون أولى به أن يصطف الى جانب أبا جهل و أبا لهب , على عكس الملحد الذي لو بُعث ألى زمن الرسول سيكون ألى جانب علي و أبا بكر ….كأول المسلمين , لأنه كان يريد الحقيقه …الحقيقه فقط….فالمسلمين اليوم هم أبعد الناس عن دينهم وهذا على لسان رسولهم محمد بن عبدالله ” سيأتي زمان على أمتي لا يبقى من القرآن إلا رسمه ، و لا من الاسلام إلا اسمه يسمون به ، و هم أبعد الناس منه ، مساجدهم عامرة ، وهي خراب من الهدى ، فقهاء ذلك الزمان شر فقهاء تحت ظل السماء ، منهم خرجت الفتنة ، و إليهم تعود”
تعليق واحد على عندما يكون المسلم كافراً , والملحد مؤمناً
تخيل القرب من الله، واعتقاد كل طرف بأنه -وحده- على الصواب يجعل كليهما يتحين الفرص لاقتاص الآخر، أشكر لك المشاركة الثرية.. تحياتى