أقف في الشارع متوترا .. شيء ما يمنعني من عبور البوابة واجتياز السبع سلالم نحو شقتي .. يمر موكب كبير لقطط عملاقة تمتطي دراجات بخارية، تلقي على الجانبين بمرح أكياس برازها فيتلقفها مشايخ وقساوسة ويلتهمونها بخشوع .. أدخل شقتي حيث أخي الميت وأمي الميتة يقفان حزينين جدا .. أخي وأمي ميتان فعلا، ولكنهما أخذاني إلى المطبخ لإشراك أختي في حديثنا .. أختي لا تزال حية، رغم أنها بدت جاهزة للموت الآن أكثر من أي وقت مضى .. بكى أخي بالتدريج .. ازداد الحزن في وجهه ثقلا وحدة ثم ارتعشت ملامحه ودمعت عيناه، في النهاية بكى بقوة .. أفكر وأنا أتأمله في أنه الآن ميت ومع ذلك يبكي، وأن هذا عادي جدا لدرجة أن أمي الميتة لم تستغرب وهي تحاول مقاومة البكاء، كذلك أختي الحية بينما تواصل غسيل الأطباق بتجهم .. قال أخي أنه عاد مع أمي من عند الطبيب حيث أبدى انزعاجه الشديد من البقع الحمراء الكبيرة التي تملأ جسدها، وأنهم في انتظار نتيجة الفحص التي يبدو أنها ستحمل من أجلنا مصيبة بشعة .. صرخت على الفور في وجوههم باستنكار بالغ: لماذا تخافون؟ .. البقع الحمراء الكبيرة تملأ جسدي منذ سنوات طويلة ولم يحدث لي شيء
قلتها وأنا أخلع قميصي وأنزل بنطلوني لأريهم البقع الحمراء الكبيرة كي يطمئنوا .. جفت دموعهم وارتسمت على وجوههم ابتسامات مرتاحة، شاكرة تحولت إلى ضحكات فرح عظيم امتلأ بها فراغ المطبخ عن آخره .. خرج أخي ثم أنا تاركين أمي مع أختي تواصلان السعادة .. توجهت نحو باب الخروج لكنني طلبت من أخي الميت سيجارة فرمى لي اثنين على الأرض .. كان مستعجلا، وأنا أخذت السيجارتين دون أن أظهر غضبي .. قلت في نفسي أنه ميت وله الحق أن يفعل ما يشاء .. خشيت أن أنظر له بعتاب فيتوقف عن أن يبدو حيا هكذا.